دخل الوضع الداخلي في مرحلة ترقب في انتظار ما يدور من اتصالات ومساع بعيداً عن الاضواء من اجل استئناف المسعى السعودي ـ الايراني الذي كان قد توصل الاسبوع الماضي الى صيغة حل تقوم على التوازي بين “المحكمة والحكومة” لكن لم يتسن لها أن تبصر النور، نتيجة تبادل طرفي الأزمة فريق السلطة والمعارضة الاتهام بعرقلتها.وفيما ينتظر الجميع عودة الرئيس نبيه بري من روما ليعيد تحريك المسعى السعودي ـ الايراني، قالت مصادر قريبة منه إن عودته مرهونة بنتائج اتصالات سعودية يُفترض أن تُجرى مع رئيس كتلة “المستقبل” النائب سعد الحريري، فإذا جاءت هذه النتائج منسجمة مع ما توصل اليه هذا المسعى يعود بري سريعاً الى بيروت، اما اذا جاءت بالعكس فإنه سيعود أواخر الاسبوع ليعقد مؤتمراً صحافياً “يبـق فيه البحصة” مثلما كان قد اعلن الاسبوع الماضي.
وفي الوقت نفسه تعول الاوساط السياسية على زيارة الرئيس سليم الحص لطهران، التي توجه اليها أمس بعد زيارتيه الاسبوع الماضي لكل من الرياض ودمشق عاملاً على توفير مناخات لحل الأزمة بين السلطة والمعارضة، وإنهاء القطيعة القائمة بين الرياض ودمشق لما لذلك من انعكاسات ايجابية على لبنان. وأكدت هذه الاوساط أن الحص سيطلب من القيادة الايرانية تنشيط مساعيها على المستوى السعودي ــــــ الايراني وعلى مستوى المساعدة على انهاء الازمة بين السلطة والمعارضة في اطار المسعى السعودي ــــــ الايراني وخارجه.
لكن ما لفت الانتباه أمس، كان مستوى الموفد السعودي الذي زار دمشق ناقلاً الى الرئيس بشار الاسد دعوة الملك عبد الله بن عبد العزيز الى حضور القمة العربية العادية في الرياض نهاية الشهر المقبل، حيث نقلها وزير الدولة لشؤون مجلس الوزراء عبد الله الزينل لا وزير الخارجية الامير سعود الفيصل أو أي امير من العائلة المالكة مثلما هي عادة المملكة في التعاطي مع سوريا في الدعوات او في نقل الرسائل. الامر الذي ولّد انطباعاً مفاده أن المسعى الايراني لدى الرياض ومسعى الحص لم يحققا بعد نتائج ملموسة في اتجاه تطبيع العلاقة بين الرياض ودمشق.
إلاَّ أن اوساطاً سورية مطلعة قالت لـ “الاخبار” إن لقاء الرئيس الاسد مع الوزير السعودي “كان إيجابياً” وأبلغه خلاله “اهتمام سوريا بنجاح القمة ومشاركتها فيها، خصوصاً في هذه الظروف التي تمر بها المنطقة والتي تتطلب اعلى درجات التنسيق والتعاون والتضامن بين الدول العربية”.
وعلمت “الأخبار” أن اجواء المحادثات أفضت الى عزم الرئيس الاسد على حضور القمة شخصياً ما لم تطرأ اي أمور تحول دون ذلك.
وينتظر أن يستقبل رئيس الجمهورية العماد إميل لحود مساء اليوم الوزير الزينل ناقلاً اليه الدعوة الى القمة. وكرر امس دعوته الى
“الاسراع في تأليف حكومة وحدة وطنية قبل موعد الاستحقاق الرئاسي لكي لا نقع في فراغ دستوري”، وقال: “اليوم، وقبل الوصول إلى موعد الاستحقاق الرئاسي، اجدد الدعوة الى الإسراع في تأليف حكومة وحدة وطنية، إذ كيف يمكنني أن اسلّم حكومة غير موجودة؟ ليس أسهل من مغادرة موقعي وترك الأمور في ظل الضبابية التي تشوبها بين من يعترف بالحكومة ومن لا يعترف بها، فغيري لم يقم بأي تحذير وانتظر حتى اللحظة الأخيرة وشاهدنا جميعاً ما حصل، اذ اختلطت الأمور وسادت البلبلة وقامت حكومتان، وهذا ما لا نريده لأننا نريد حكومة وطنية لتستقيم الأوضاع من دون الاستقواء بالخارج، ولن أرضى بأي شيء يخالف الدستور، هذه قناعتي”.
وردّ لحود على سؤال للتلفزيون الجزائري عن امكان استقالته مخرجاً للأزمة، فأكد أنه باق في ولايته حتى اللحظة الاخيرة. وجدد تأييده إنشاء المحكمة ذات الطابع الدولي الخاصة بجريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري “شرط عدم تسييسها”.
موقف المعارضة
وتواصل المعارضة بكل تلاوينها السياسية التحضير للجولة الجديدة من تحركها في ظل الاعتصام المفتوح الذي تنفذه في وسط بيروت، وهي تنتظر ما سيعلنه الرئيس بري لدى عودته من الخارج بعدما كان قد هدّد بـ“بق البحصة” وكشف الجهات التي تعرقل الحلول، حتى تحدد طبيعة الخطوات التي ستتخذها وقد تتضمن العصيان المدني.
وقال رئيس “كتلة الوفاء للمقاومة” النائب محمد رعد في خطاب له في الجنوب أمس: “اننا لن ننفعل ولن نخرج الى حيث يريدوننا أن نخرج، فنطيح التزاماتنا وخطوطنا الحمراء التي وضعناها لأنفسنا، فلا للتقاتل المذهبي ولا للتقاتل الداخلي في لبنان”، لافتاً الى “ان منطقنا هو منطق التوحيد، ومنطق الآخرين هو منطق الاستئثار والعصبية، وإثارة المسألة السنية ــــــ الشيعية والعربية ــــــ الفارسية والتركية ــــــ الكردية”. وأضاف: “واثقون بأننا سنصل الى اهدافنا بكل ما طرحناه بالحكمة والروية وهدوء الاعصاب، وسنحقق المشاركة لحفظ الحد الأدنى الذي يبعد الوصايات الاجنبية عن التدخل في بلدنا، ويمكّننا من الاحتفاظ بقوتنا من اجل الدفاع عن هذا البلد ضد الاعتداءات والمشاريع العدوانية الاسرائيلية”. وأكد رعد “ان ما طلبناه في المعارضة هو الشراكة لكي نقرر معاً القرارات التي فيها مصلحة لبنان، لأن لبنان التعددي لا يستطيع فريق واحد ان يحكمه”. وقال: “تذرعوا بقضايا وقصص كثيرة منها المحكمة الدولية التي كانت ذريعة ولم تكن مطلباً، هم يريدون الاستئثار ورفض الشرعية، عندما وجدناهم يكابرون ويستخفّون بنا، وأننا لا نمثل شيئاً في لبنان، قلنا لهم لا، نحن على الاقل نمثل نصف اللبنانيين، ولا نطلب إلغاءكم ولا اقصاءكم، ما نطلبه هو أن نحفظ حقنا في شراكتكم في صنع القرار، وكاد البعض أن يوافق، فجاء الاميركي ليقطع الطريق في المرة الاولى والثانية والثالثة، اخيراً قالوا نحن نريد المحكمة الدولية ونقبل بحكومة وحدة وطنية ولكن أن يكون تلازم بين الامرين، قلنا نوافق، وافقنا معهم لكن الاميركي تدخّل وأحبط المساعي”.
صفير والتسلّح
ومن جهة ثانية، لفت البطريرك الماروني نصر الله صفير في عظة الاحد الى “أن جميع الاحزاب والافرقاء الموجودين على الساحة اللبنانية يتسابقون الى التسلح كأننا عدنا ما فوق العشرين سنة الى الوراء، ولم نتعلم شيئاً من كل ما مررنا به من مآس وفواجع ومحن”، وأضاف “كأن في استطاعتنا أن نستغني عن الجيش الذي هو صمّام الامان لكل اللبنانيين”. ودعا المعارضة الى وقف اعتصامها.