عون يقترح على الحريري ترؤس حكومة أقطاب ويتمسك بترشّحه ويدعو إلى الاتفاق على برنامج الرئيس
أعلن البطريرك الماروني نصر الله بطرس صفير أنه لن يعترف برئيس غير توافقي، معتبراً أنه في حال انتخاب رئيسين، فإنهما «لن يكونا شرعيين» وستكون «العواقب وخيمة»، فيما عاد العماد ميشال عون والنائب سعد الحريري من باريس، بعد يومين من المحادثات، باتفاق على مواصلة النقاش بعد العودة الى حلفائهما للبحث في خلاصات توصلا إليها بتأليف حكومة أقطاب برئاسة الحريري، اقترحها عون، وبلورة مشروع برنامج توافقي لرئيس الجمهورية العتيد.
ونبّه صفير، في حديث الى «الأخبار»، أجراه الزميل أنطوان سعد من أنه إذا أقدمت الأكثرية على انتخاب رئيس للجمهورية بالنصف زائداً واحداً «فسيعمد الذين يرون أن الدستور قد خُرق بهذا التصرف، إلى خرق الدستور أيضاً، وسينتخبون رئيساً للجمهورية. وفي هذه الحال ستكون العواقب وخيمة»، معتبراً «أن الاثنين لن يكونا شرعيين»، وبالتالي لن يعترف بأحد منهما، كما حصل سنة 1988 عندما رفض الاعتراف بحكومتي عون والرئيس سليم الحص «لأن البلد مقسوم».
وعن تقويمه لاجتماعات اللجنة المارونية الرباعية، والاتجاه الذي ستأخذه المبادرة قال: «دعونا إلى اجتماع القيادات المارونية لأنه كان هناك إلحاح من الصحافة والرأي العام. وتحاشينا أن ندعو الفريقين معاً خشية أن يحدث ما لا نريد، والتاريخ أكبر معلم، وعندما طلبنا، بعدما اجتمع كل فريق على حدة، أن يجتمع الفريقان معاً عندنا، ارتأى أحدهما أن تكون هناك لجنة مصغرة من أربعة مندوبين». وأضاف: «عقدت اللجنة المصغرة اجتماعات عدة، وأصدرت بياناً من دون أن تقترح أسماءً. وفي أي حال هناك مؤسسة دستورية هي مجلس النواب، يعود إليها اختيار الأسماء، وأنا لا يمكنني أن أختصر مجلس النواب لأعيّن من أريد».
وعما يُقال من أن ترك أمر اختيار المرشح التوافقي للتشاور بين الرئيس نبيه بري والنائب الحريري هو بمثابة القبول بأن يسمّي الزعماء المسلمون رئيس الجمهورية، رد صفير بشيء من الحدة: «إذا كان المسيحيون لا يريدون أن يتفقوا على مرشح معيّن، فليس لهم أن يعتبوا على أحد إذا اختار غيرهم من يريد». وأكد أن لا نية لديه للتسمية، «على الأقل في الأيام القليلة المقبلة»، مشدداً على «أنني لم أُسمّ أحداً. هناك أناس يتداول اللبنانيون أسماءهم، البطريرك يستمع إلى من يأتونه بهذه الأخبار، وربما نسبوا إليه أسماءً لم يذكرها».
وعما إن كانت هناك نية لدعوة القيادات المارونية إلى اجتماع موحّد في في بكركي، أجاب: «سنرى ما إذا كان ذلك بالإمكان» مشيراً إلى أن ثمة مواقف سلبية اتخذتها بعض القيادات في هذا الشأن.
وجدّد البطريرك الماروني التأكيد على أن النصاب القانوني لعقد جلسة الانتخاب الرئاسي هو الثلثان، مكرراً «أن القانونيين على وجه الإجمال يفتون بأن الدستور اللبناني ينص على أن المجلس لا يجتمع لانتخاب رئيس الجمهورية إلا إذا توافر الثلثان، فيصير الانتخاب في أول دورة، فإذا فاز مرشح بالثلثين يصبح رئيساً للجمهورية. وإذا تعثر ذلك يصير الانتخاب بالنصف زائداً واحداً. لكن لا بد من أن يجتمع ثلثا أعضاء المجلس النيابي».

عون ـــ الحريري

وقالت مصادر في «التيار الوطني الحر» اطلعت على أجواء محادثات عون ـــــ الحريري في باريس إن الحوار بدأ باستعادة العلاقات الثنائية والمراحل التي مرت بها. وأبلغ عون قياديين في «التيار» جمعهم الليلة الماضية أن الحوار كان «صادقاً وصريحاً، وتم التوافق على بناء الثقة بما يتيح تجاوز مرحلة التوتر وفتح الباب أمام آليات للتواصل الدائم». وتطرق البحث الى الموقف من سلاح المقاومة والاغتيالات السياسية والمحكمة الدولية وتنفيذ مقررات مؤتمر الحوار ولقاءات التشاور. وقالت المصادر إن عون أبدى مواقف مرنة، مؤكداً أن موضوع المقاومة وسلاحها يمكن معالجته في إطار استراتيجية دفاعية في شأنها، مبدياً استعداده لبلورة ورقة تفاهم مرنة في شأن كل هذه القضايا. وأكد أن الأمر لا يعالج خارج المنطق الذي يتفهم هواجس فريق المقاومة من جهة، وتلبية حقوق لبنان الموجودة لدى إسرائيل والتفاعل مع القرارات الدولية، بما يؤمن التزام لبنان بها من دون أن يكون ذلك على حساب أحد. وأكد أن الموقف المطلوب بوضوح من فريق السلطة هو المتعلق بملف التوطين الذي له تأثير كبير على الوضع الداخلي.
كذلك جرى التطرق الى مسألة العلاقات مع الخارج والتأثيرات الخارجية على الوضع اللبناني. وقد أكد عون على ضرورة عدم حصر التدخل بجهة دون غيرها، وعدم البقاء تحت وصاية دولة عربية أو غربية، ومنع تدخلات السفارات والموفدين أيضاً، مشدداً على ضرورة إنتاج تفاهمات على هذا الأمر تمنع جر البلاد الى مشكلات كبيرة، علماً بأن الحريري ركز على اتهام سوريا بأنها لا تريد التوافق وأنها من يقود عمليات التوتير السياسي والامني، مكرراً اتهامها بالوقوف وراء الاغتيالات. وطالب الحريري عون بموقف صريح من الاغتيالات بما يتجاوز إدانتها، مبدياً الرغبة في موقف واضح من اتهام سوريا، فرد عون بالتأكيد أن موقفه الشخصي من مسألة الاغتيالات كان واضحاً منذ اللحظة الأولى، وهو لا يبرّئ أحداً، ولكنه لا يقبل باتهامات من دون تقديم إشارات وأدلة واضحة، متحدثاً عن الفشل المستمر في عمل الأجهزة الأمنية التي لم تتوصل الى أي نتيجة في هذه الأمور حتى الآن. وكرّر أنه كان ولا يزال مع المحكمة الدولية، وأنه ضد تسييسها، ولم يكن هذا الموضوع محل خلاف أو اعتراض لديه أبداً. لكنه دعا الى وضع أساس لنقاش مستقبل العلاقات اللبنانية ـــــ السورية، معتبراً أنه «لا يجوز مقاربة هذا الملف على قاعدة التشنج أو التوتر بل إن الأمر يحتاج الى معالجة علمية من الجميع».
وجرى نقاش مفصل لموضوع الحكومة وملف التمثيل المسيحي في الإدارات العامة والحضور العام على مستوى السلطة، بما في ذلك موضوع رئاسة الجمهورية، واتفق على وجود رغبة عامة في التوصل الى مناخ توافقي والى رئيس توافقي والى حكومة توافقية وعلى بذل الجهود لمنع الفراغ وإنجاز جميع الاستحقاقات ضمن المهل الدستورية.
وطرح عون الموقف السلبي الذي تتخذه قوى 14 آذار من ترشحه لرئاسة الجمهورية، فرد الحريري مؤكداً «أننا مررنا في الماضي بكمية كبيرة من التوترات في العلاقة ولا يمكننا أن نقفز فوق كل الخلافات السابقة إلى تبنّي مثل هذا الترشيح». وأضاف: «إذا رغبنا في تبنّي ترشيحك، فستحول دونه عقبات في تحالفاتنا لا نستطيع أن نتجاوزها».
وقال عون: «إنني أتفهّم الأسباب ولكن فلنوجد مخرجاً من دون إسقاط البلاد في الفراغ الرئاسي، أو انتخاب رئيس ضعيف، فيما نحن في حاجة إلى إزالة الصعوبات القائمة وصوغ علاقات مبنية على تفاهمات على كل القضايا التي عرضناها وهذا يفرض أن لا نسير في انتخابات رئاسية تحت الضغط مثلما حصلت الانتخابات النيابية عام 2005». واقترح في هذا المجال تأليف حكومة وحدة وطنية، محبّذاً أن تكون حكومة أقطاب برئاسة الحريري تتولى إجراء انتخابات نيابية جديدة وإنجاز ملفات أخرى قد تكون ملحّة قبل الانتخابات الرئاسية، معتبراً أن مثل هذه الحكومة ستكون مخرجاً خصوصاً إذا ضمّت أقطاباً يمثلون كل القوى السياسية، بحيث تذهب إلى إجراء انتخابات رئاسية لا تكون قيصرية.
ولفتت المصادر إلى أن الحريري رد على هذا الطرح بأن «هذا الموضوع معنيّة به أطراف أخرى في الصف المسيحي وخصوصاً البطريرك صفير، لأننا إذا سرنا به بمعزل عنها فقد يُفهم منه أننا تجاوزنا موضوع انتخاب رئيس في الموعد الدستوري. ولذا فلنعد إلى بيروت لنعرف مدى القبول بهذا الموضوع». وأضاف مقترحاً على عون البحث في مرشح توافقي لرئاسة الجمهورية، فردّ عون باقتراح الاتفاق على «برنامج توافقي» لرئيس الجمهورية من دون أن يتخلى عن ترشيحه، وأشار الى وجوب بت هذه الافكار في بيروت حتى إذا قُبلت يمكن عندئذ البحث في الأحجام التمثيلية للأطراف السياسية في الحكومة الجديدة. وشدد على أن هذا التمثيل ينبغي أن يتم وفق مقاييس مختلفة عن تلك التي اعتمدت لدى تأليف حكومة الرئيس فؤاد السنيورة.
وبحسب ما هو متفق فإن عون سيبعث اليوم بموفدين الى حلفائه في حزب الله وتيار المردة والرئيس نبيه بري وآخرين من شخصيات المعارضة لوضعها في أجواء الحوار الذي جرى. وهو سيلقي خطاباً غداً على هامش احتفال يضمّنه عرضاً لما جرى.
وفي انتظار استنئاف الاتصالات بين الطرفين يبدو أن عون، كما الآخرون، ينتظرون جولة سيقوم بها الحريري على حلفائه حتى يتبيّن الموقف الإجمالي والحدود التي ينوي رئيس «المستقبل» الذهاب إليها في هذا الحوار، علماً بأن الحريري اتصل بالرئيس بري إثر عودته من باريس وأطلعه على أجواء المحادثات، مشيراً الى أن «الجو إيجابي وللبحث صلة».

نصر الله

وقد رحب الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله بالحوارات المتنقلة بين المعارضة والموالاة، آملاً أن تصل الى نتائج. وأكد أن الحزب «لا يزال يراهن على الوفاق والتوافق بعيداً عن كل الموتورين والمصعّدين، ولهذا أيّد مبادرتي الرئيس بري وبكركي، واليوم حزب الله سعيد لكل اللقاءات التي تحدث ثنائياً أو ثلاثياً بين قيادات في المعارضة وقيادات في فريق السلطة».
وأسف نصر الله لـ«سكوت فريق السلطة الذي يدّعي الاستقلال والسيادة، عن المناورات الإسرائيلية التي تجري على الحدود اللبنانية، وعلى الانتهاكات الإسرائيلية للأجواء اللبنانية». ووصف هذا السكوت بأنه «معيب». وأكد «أن المقاومة اليوم أقوى مما كانت عليه وإسرائيل أضعف»، لافتاً إلى «أن راية لبنان ستبقى مرتفعة كجبال لبنان، وستبقى جبال لبنان طاهرة».