باريس ـ بسّام الطيارةنيويورك ـ نزار عبود

فيما بات أكيداً تأجيل جلسة الثاني عشر من الشهر الجاري إلى التاسع عشر موعداً مفترضاً بحسب فريق 14 آذار، انتقل الملف اللبناني في مراحله الأخيرة إلى العاصمة الأميركية ليكون البند الأبرز على جدول محادثات الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي ونظيره الأميركي جورج بوش في واشنطن.
وقالت مصادر وزارية فرنسية لـ«الأخبار» إن ساركوزي بات مقتنعاً بترابط «الملفات الأربعة» من فلسطين إلى إيران مروراً بالعراق ولبنان. وهو ترابط تندرج في سياقه زيارة الأمين العام للقصر الجمهوري الفرنسي كلود غيان إلى سوريا برفقة جان دافيد ليفيت، الذي كان المحاور الأول للأميركيين في ما يتعلق بملف لبنان منذ عهد الرئيس السابق جاك شيراك، وهو ما رأت فيه مصادر مطلعة نقلة رئيسية لهذا الملف من عهدة الـ«كي دورسيه» إلى الإليزيه.
وتشير المصادر نفسها إلى أن مهمة البعثة إلى دمشق كانت «طرحاً واسعاً لمجمل هذه الملفات»، وللاستماع إلى وجهة نظر العاصمة السورية. وفي ما يتعلق بالملف اللبناني، أكدت أن ما بات يسمّى «اتفاق النقاط الست» هو «خلاصة ما توصل إليه الفرنسيون مع دمشق» خلال لقاء وزير الخارجية الفرنسي برنار كوشنير ونظيره السوري وليد المعلم في اسطنبول. ويرجّح مراقبون أن ساركوزي سيحاول دفع الإدارة الأميركية إلى «الأخذ بالاعتبار هذا الترابط»، إلا أنهم يتوقعون أن تكون الطلبات الأميركية من سيد الإليزيه «في الاتجاه المعاكس»، بالطريقة التي أعلنتها وزيرة الخارجية كوندوليزا رايس لجهة «عدم التنازل عن حقّ الأكثرية في لبنان بالرئاسة وعدم التعويل على تقدم كبير في اجتماع أنابوليس».
وعشية القمة، أقرّ كوشنير بأن بلاده «ليست دائماً على توافق مع الأميركيين في ما يتعلق بالشأن اللبناني»، لكنه أشار إلى أن مواقف باريس وواشنطن «تتقارب شيئاً فشيئاً نحو موقف موحد» في شأن لبنان. وأكد أن فرنسا لا تعارض الانتخاب بالنصف زائداً واحداً بعد أن تكون مرحلة الثلثين قد مرّت في الجلسة الأولى، مشيراً إلى أنه ليس بالضرورة أن يتم التوافق على كل المرشحين. ورأى أنه «إذا كان المرشح من فريق ١٤ آذار، فهذا جيد، ولكن إذا كان من خارج هذا الفريق ومقبولاً من اللبنانيين بحسب العملية الانتخابية فهذا يناسبني».
وقد برز التباين بين المواقف الفرنسية والأميركية أمس أيضاً خلال مناقشات مجلس الأمن الدولي لتقرير الأمين العام للأمم المتحدة بشأن تطبيق القرار 1559، التي طغت الانتخابات الرئاسية اللبنانية عليها.
وجدّد المندوب الأميركي لدى المنظمة الدولية، زلماي خليل زاد، رفض بلاده مبدأ التوافق على شخصية الرئيس الجديد. وقال، رداً على سؤال لـ«الأخبار»، إن «الرئيس يجب أن تنتخبه الغالبية، والدستور اللبناني يسمح بذلك. ونأمل أن يحظى بأكبر دعم ممكن. لكن ينبغي أن تجري الانتخابات في موعدها ومن دون أي تدخل». وتشكك في إمكان الوصول إلى حل توافقي قائلاً: «إذا كنت ترغب في الحصول على توافق في كل شيء، فإن الشلل سيكون النتيجة. لكن يجب احترام الدستور».
وأضاف زاد، في لقاء مع الصحافيين بعد الجلسة، أن الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون أعرب عن القلق من أن «الرئيس إميل لحود قد لا يغادر القصر كما ينبغي في منتصف ليل 23 تشرين الثاني، عندما تنتهي فترته الرئاسية، أو أن تتألّف حكومة أخرى غير شرعية منفصلة. وإننا نشاطر الأمين العام مخاوفه». وأضاف أن «مستقبل لبنان ليس مهماً فقط للبلاد، بل للمنطقة. ومستقبل المنطقة هو أكثر القضايا الجيوسياسية الدولية خطورة التي يواجهها العالم».
وفي نهاية الجلسة، أصدر مجلس الأمن بياناً مقتضباً قدّم خلاله «دعمه التام لوحدة لبنان وسيادته واستقلاله ضمن حدوده المعترف بها دولياً، تحت سيطرة حكومة لبنان الحصرية التامة». ودعا إلى «انتخابات حرة وعادلة وفق الأصول الدستورية اللبنانية، ومن دون أي تدخل أو تأثير أجنبي».
أما ناظر القرار الدولي 1559، تيري رود لارسن، فرأى أن «هناك ضرورة لإجراء الانتخابات في موعدها»، مشيراً إلى أن «عدم حصول الانتخابات سيّئ للبنان وللمنطقة».
بدوره، أثنى مندوب سوريا لدى الأمم المتحدة، بشار الجعفري، على الجلسة. ووصف زيارة الوفد الفرنسي إلى دمشق أول من أمس بأنها «بالغة الأهمية، لأن هناك قراءة دولية تشترك فيها سوريا والفاتيكان والاتحاد الأوروبي وإيران ومجلس الأمن. الجميع يدعم المرشح التوافقي. والمندوب الأميركي هو الذي قدم مداخلة شاذة. الدبلوماسية الأميركية تعزل نفسها بنفسها».
وفي هذا السياق، من المرتقب أن يقوم الملك السعودي عبد الله بزيارة تاريخية إلى الفاتيكان اليوم للقاء البابا بنديكتوس السادس عشر. ويتوقع أن تكون الأزمة اللبنانية على طاولة البحث في الفاتيكان. كما يتوقع أن تكون الأزمة نفسها محور محادثات بين الملك عبد الله والرئيس المصري حسني مبارك في القاهرة السبت المقبل، وسط أنباء عن احتمال عقد قمّة سعودية ـــــ إيرانية قريباً.

كوشنير إلى بيروت

إلى ذلك، قالت مصادر مطلعة على التحرك الفرنسي لـ«الأخبار» إن كوشنير سيزور بيروت الأسبوع المقبل، وقد يتزامن وصوله مع مجيء الأمين العام لجامعة الدول العربية عمرو موسى، الذي كَلّف مساعده هشام يوسف تحضير الزيارة. وتوقعت المصادر، من جهة أخرى، أن تتطوّر الاتصالات الفرنسية ـــــ السورية في ضوء رغبة سورية كبيرة في تعزيز العلاقة مع أوروبا عبر البوابة الفرنسية. وأشارت إلى أن الفرنسيين، ومعهم الأوروبيون القلقون على الوضع اللبناني وعلى مستقبل قوة «اليونيفيل» العاملة في الجنوب، يدركون أن سوريا تستطيع أن تساعد بقوة في عملية إنجاز الاستحقاق الرئاسي اللبناني توافقياً، وأنهم مرتاحون حتى الآن إلى الموقف السوري المشدّد على إتمام هذا الأمر، بعيداً عن أي تدخلات خارجية.
ورأت المصادر أن المعطيات الماثلة تشير حتى الآن إلى أن الأوضاع تتجه نحو انتخاب الأكثرية رئيساً بالنصف زائداً واحداً، ما قد يُدخل البلاد في فوضى، لأن المعارضة لن تقف مكتوفة الأيدي، وستتخذ خيارات مضادة. وقالت إن هذا الواقع سيدفع الأميركيين عاجلاً أو آجلاً إلى التحاور مع دمشق، لافتة إلى أن فكرة انتخاب رئيس جمهورية لفترة انتقالية تدوم سنتين عادت إلى التداول، لتكون مخرجاً إذا تعذّر التوافق على الرئيس العتيد.
بكركي
إلى ذلك، تحدث زوار بكركي عن رياح توافقية بدأت تهبّ مجدداً في الاتجاه الذي يساعد على إنجاز الاستحقاق الرئاسي باتفاق على مرشح توافقي ضمن المهلة الدستورية. وذكر هؤلاء الزوار أن المحادثات السورية ـــــ الفرنسية التي جرت خلال الأيام المنصرمة كانت مهمة جداً، ودلّ على أهميتها المستوى الرفيع للموفدين الرئاسيين الفرنسيين اللذين استقبلهما الرئيس بشار الأسد، حيث سمعا منه موقفاً يشدد على وجوب إجراء الانتخابات الرئاسية اللبنانية في موعدها، وأن دمشق حريصة على أن تكون علاقتها بلبنان جيدة.
وعلمت «الأخبار» أن صفير تلقّى أصداءً عن الموقف السوري الرسمي من الاستحقاق الرئاسي، وهو أن القيادة السورية لا تفضّل اسم مرشح على آخر، وهي تنظر إلى هذا الاستحقاق من زاوية القضايا العالقة بين لبنان وسوريا، ومدى قدرة هذا المرشح أو ذاك على معالجتها. وتضيف المعلومات أن دمشق تتوقف عند ما سيكون عليه موقف الرئيس اللبناني العتيد من المقاومة، ومن العلاقة مع سوريا، ولا مانع لديها أن يكون هذا الرئيس منتمياً إلى 14 آذار، إذا كان يلتزم الحفاظ على المقاومة وتعزيز العلاقة اللبنانية ـــــ السورية، وخصوصاً أن المنطقة تقف على حافة الحرب، وهي في حال غليان نتيجة مشاريع الحروب التي تعدّ لها إسرائيل.
ونقل زوار صفير عنه رغبته في أن يحصل توافق فعلي على رئيس الجمهورية العتيد، مكرراً أنه لن يسمّي أي مرشحين رئاسيين، لأنه إذا سمّى شخصاً فسيكون محرجاً مع خمسين مرشحاً آخرين، وأنه لا يريد أن يلقي الآخرون «الحمل عليه».