زياد الرحباني
بعد مرور ما يقارب السنة على بدء اعتصام المعارضة في الوسط التجاري، تركد أصوات 14 آذار وإعلامها لفترات وجيزة ثم تعود مستفسرةً، ببراءةٍ عاهرة وجهل كاذب: ما معنى هذا الاعتصام؟ وتردف مستغربةً بالاستهبال اللئيم نفسه: لا أفهم (أي لا تفهم). في حين أنّ عدم الفهم هو من أسباب الاعتصام الرئيسية. في ما يأتي إعادة تذكير بأسباب هذا الاعتصام:
ـــ وجود أكثرية في السلطة لا تفهم، فهي لم تفهم ضمناً أن المعارضة قادرة أو جادّة في تنفيذ الاعتصام إلى أن حدث ذلك. ففهمت أنه حدث ونسيت لماذا.
ـــ كون الأكثرية، بالإضافة إلى أنها لا تفهم، لا ترى. فهي لم تلاحظ لا اعتكاف بعض الوزراء ولا مقاطعتهم ولا حتى النقص في عدد الوزراء الإجمالي، فجاء الاعتصام بمثابة تكبيرٍ بالأعداد واحتُل الوسط حتى محيط السرايا لتحسين النظر.
ـــ تخوّفاً من أن يطرأ شيء على السمع جيء بمكبراتٍ للصوت في كل الاتجاهات، وكانت المهرجانات الخطابية نهاراً وأحياناً في الليل أيضاً. فإن ضاع الصوت في النهار، فسيقضّ المضاجع في الليل، فقرّرت السلطة مجتمعةً، بعدما لاحظت أن الازدحام هذا والضجّة المرافقة له هما عبارة عن اعتصام، أي إنه على ما يبدو: الاعتصام، أن تعتصم هي أيضاً وتبيتَ في السرايا. فبات المعتصمون في الشوارع خوفاً من أن تصاب ذاكرة السلطة أيضاً في اليوم التالي، وتوالى الطرفان على الاعتصام المتبادل والمبيت المستقرّ.
ـــ إن الاعتصام كالتجمّع أو التظاهر، صيغة من صيغ الاعتراض للمطالبة بالشيء ومن ثمّ الضغط حتى يتم. وهل يمكن ذلك دون تعطيل الحياة؟ أو التأثير في الاقتصاد والنمو وإرباك الدولة؟ ما الجدوى إذاً من تعدادها وهي ليست سوى الأدوات الأساسية لأي اعتصام؟
ـــ أصرّت الحكومة على رفض الثلث الضامن ـــــ المعطّل، فأقدمت المعارضة على تعطيل الباقي. وعندما لاحظت أن هذه الحكومة لا تكترث لنتائج الاعتصام، لا على الحياة ولا على الاقتصاد، لأنها أحبّت الحياة وكافحت الاعتصام بالاقتصاد، استمرّت المعارضة بالاعتصام.
في المحصّلة:
أولاً ـــــ إن كانت السلطة تمثّل الأكثرية فعلاً، فلماذا صبرت على المعتصمين طوال كل هذا الاعتصام؟ ولمَ لم تحاصرهم بأكثريتها وتضع حدّاً لهم؟
ثانياً ـــــ لقد بدأ فعلاً، ولكثرة ما في حجج الأكثرية من الاستخفاف بعقولنا و«الاستعباط» وتعقيد للبديهيات ـــــ بدأ يصيبني أنا أيضاً شيء من عدم الفهم. لقد كان الاعتصام منذ بدايته الجزء الأول من عملية إسقاط الحكومة. فدون الجزء الثاني، أنا أسأل اليوم أيضاً: ما معنى هذا الاعتصام؟