برّي يقترح تولّي بكركي والقيادات المارونية إعداد لائحة وصفير يقسم على صليبه: لن ألفظ اسماً
جرعة التفاؤل الكبيرة التي تلقاها اللبنانيون خلال الساعات الـ24 الماضية ظلت محصورة في الإعلان عن إيفاد الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي مساعديه الى بيروت لوضع آلية تنفيذية لتفاهم دولي ـــــ عربي علىانتخاب رئيس بالتوافق، لكن حصيلة الجولة الاولى من المشاورات الفرنسية مع القيادات اللبنانية أظهرت استمرار الارتباك. وإلى جانب موجة من التسريبات عن لوائح مرشحين من أصناف مختلفة، فإن الخلاصة الاكيدة لدى اثنين على الأقل من الذين التقوا المدير العام للرئاسة الفرنسية كلود غيان، هي أنه خرج بانطباع بأن الأمر يحتاج الى جهود أكبر، وأن عقدة التسمية باتت نقالة من مرجع الى آخر، وأن أبرز ما واجه الموفد الفرنسي تحوّله الى كرة في لعبة كرة الطاولة، فتبلغ من البطريرك الماروني نصر الله صفير أنه لن يتورّط في لعبة الترشيح، وتبلغ من الرئيس نبيه بري والنائب سعد الحريري أنهما ينتظران منه أن يأتي إليهما بلائحة مرشحين مقدمة من صفير. وسافر الموفد الفرنسي مساءً ليعود الخميس المقبل بعد أن يكون وزير الخارجية برنار كوشنير قد أنهى جولته مع القيادات اللبنانية، على أن يزورها في اليوم التالي وزير خارجية إيطاليا ماسيمو داليما.
وكان المتحدث الرئاسي الفرنسي دافيد مارتينو قد أعلن في مؤتمره الصحافي الأسبوعي أن إرسال ساركوزي لأقرب وأبرز مساعديه (غيان) إلى لبنان، هو «دليل قوي على أن الرئيس يتابع هذا الملف عن كثب»، وأنه أمر «جدير بالاهتمام». ورفض الخوض في الحديث عن «استبعاد كوشنير عن الملف اللبناني» حسبما لمّحت بعض الصحف ومواقع الأنترنت. وشدد على أن زيارة غيان تعد «مكملة» لجهود وزير الخارجية كوشنير، مشيراً إلى أن مستشار وزير الخارجية كريستوف بيغو يرافق غيان في زيارته، قبل أن يعاود التأكيد أن «الحل في لبنان يعود إلى الطبقة السياسية اللبنانية».
وفيما كان الفرنسيون يتنقلون تلاحقهم عدسات المصورين وعيون المخبرين على أنواعهم، وتنشط عمليات التنصت على هواتف ومقارّ السياسيين، كان السفير الاميركي جيفري فيلتمان ينشط بدوره معيداً الامور الى النقطة الصفر، وهو تحدث مجدداً عن ضرورة الإتيان برئيس يكون قادراً على حل معضلة سلاح حزب الله، وبدل أن يفتح الابواب للموفد الفرنسي دفع باتجاه تعقيد الأمور من خلال عدم حسم مسألة التفويض الاميركي للفرنسيين، ما اضطر العماد ميشال عون الذي التقاه امس الى إبلاغه بأنه لا يمكن بحث الأمور بالطريقة التي تناسب هذا الفريق أو ذلك، وقال عون للسفير الاميركي، أنا مرشح ولديّ تصوري للحل، وقلت للنائب الحريري في لقاءات باريس اذهب وائتنا بالحل المنطقي ولا مشكلة في هوية من ينفّذه. ولكن المسألة لا تزال محصورة في البند الخاص بحزب الله، فبدل الحديث معي وأنا المرشح، اذهبوا أنتم الاميركيين والفرنسيين والبقية وابحثوا الأمر مع حزب الله مباشرة، وما تتفقون عليه مع الحزب أنا أسير به.
أما الفريق المسيحي في 14 آذار فقد ظل على قلقه، وتولى جعجع مناقشة الأمر تفصيلاً مع البطريرك الماروني رافضاً نقل الجلسة الانتخابية الى بكركي ومصراً على موقف فريقه الداعي الى انتخاب بالنصف +1، إذا لم يتم التوصل الى حل.

بري وغيان

وبينما كان لافتاً عدم قيام الموفد الفرنسي بزيارة العماد عون كما كان مفترضاً، فهو بحث الملف مع الرئيسين بري وفؤاد السنيورة ومع النائب سعد الحريري كما قابل البطريرك الماروني مرتين، واستخلص الرئيس بري من اجتماعه بغيان أن المبادرة الفرنسية جدية وتريد أن تعمل بقوة و«على اللبنانيين أن يلاقوها للتوصل الى اتفاق على مرشح توافقي». ولاحظ أن غيان شدد على أن مهمة الوفد الفرنسي للتوسط بين اللبنانيين «تحظى بتفويض قويّ من واشنطن والفاتيكان والاتحاد الأوروبي وسوريا»، معرباً عن ارتياحه الى نتائج اجتماعه الأحد الفائت بالرئيس السوري بشار الأسد، وإلى التعاون السوري.
وفيما لم يحمل معه أفكاراً أو آلية محدّدة للاستحقاق الرئاسي، سأل غيان عما إن كانت هناك لائحة بمرشحين. وإذ نفى صفير أكد بري أن مرشحه هو التوافق. وأيّد الآلية التي يسعى إليها غيان وهي أن يقترح البطريرك لائحة بمرشحين محتملين للرئاسة، إلا أن رئيس المجلس أبلغ زائره تأييده أي لائحة يقترحها صفير وتحظى بتوافق القيادات المارونية المعنية.
وحسب المصادر المطلعة فإن بري أبلغ الموفد الفرنسي أن هناك مبادرة أطلقها صفير ولم تنته بعد، وهو الذي قال إن لديه فكرة لجمع أبرز أربع قيادات مارونية تتولى إعداد تصوّر للحل. واقترح بري على الموفد أن يطلب من صفير عقد الاجتماع الذي يجمعه مع كل من الرئيس أمين الجميل والعماد ميشال عون والنائب السابق سليمان فرنجية وسمير جعجع وأن يصار الى الاتفاق خلال هذا الاجتماع على موقف مسيحي يسمح للفريق المسلم بالمبادرة أو تلقف المبادرة.
ولاحظ بري أن الاندفاعة الفرنسية تعبّر عن جهد كبير بذله الرئيس الفرنسي لدى واشنطن لحملها على مؤازرتها في إيجاد حل. وقال إنه يفضل في أي حال أن يلزم «التفاؤل الحذر». وهو يعلّق آمالاً على جهود الأيام القليلة المقبلة للتوصّل إلى تسوية لأن مبدأ التوافق «حُسم نهائياً». ونتيجة لذلك يتريّث في تأجيل جلسة مجلس النواب الاثنين المقبل، ريثما يتيقن من إمكان حصول تطوّرات مهمة. وكشف أن وزير الخارجية الفرنسي برنار كوشنير سيصل الى بيروت الثلاثاء، وكذلك نظيره الإيطالي ماسيمو داليما الثلاثاء أو الأربعاء.

رسالة الى صفير

ووصف ساركوزي صفير في رسالته بالمرجعية اللبنانية الأساسية، وبأبي الاستقلال اللبناني الثاني، مؤكداً له أن دوره مصيري في لبننة الاستحقاق الرئاسي، وأن أنظار كل الجهات الدولية متّجهة نحوه، للخروج من المأزق، واصفاً مهمة بكركي بالتاريخية.
وشرح صفير للوفد الفرنسي وجهة نظره متوقفاً خصوصاً عند تجربة سابقة له بين عامي 1988 و1989، يوم خاض تجربة لوائح الأسماء المرشحة إلى رئاسة الجمهورية، وجاءت النتائج على عكس ما كان يتوخّى ويريد الجميع، خالصاً إلى أنه يفضّل عدم الدخول في هذه المتاهة. ومع أن الموفد الفرنسي قال لصفير إنه حصل على تفويض من كل القيادات اللبنانية بالسير خلفه، فإن صفير أبلغه أن الإجماع ليس متوافراً اليوم في لبنان.
وإذ أكد الموفد الفرنسي أن الرئاسة «تحتاج الى شرعيتين واحدة مسيحية، وأخرى لبنانية»، قال إن هناك رأياً بأن يطرح صفير ترشيحاً ومن ثم يصار الى مشاركة الآخرين في الاختيار. لكن صفير تمسّك بتحفّظه، فاقترح الموفد الفرنسي على صفير اقتراح اسمين لمرشحين اثنين، واحد من الموالاة وآخر من المعارضة، ليصير الاختيار من بينهما، غير أن هذا الطرح التبسيطي للأزمة لم يلق غير ابتسامة البطريرك، الذي كان قد نقل عنه أحد زواره أول من أمس أنه «أقسم بالصليب المعلّق على صدره، بعدم دخوله في لعبة الأسماء وترك الأمر للسياسيين ما لم يفوّضوا إليه الأمر صراحة».
من جانبه أبدى الرئيس إميل لحود أمام زواره خشيته من أن يكون الاميركيون قد ورّطوا الجانب الفرنسي في مسألة دون توفير كامل عناصر النجاح لها. وأبدى لحود شكوكاً في أن يكون الأميركيون قد مارسوا الضغط المناسب على الفريق التابع لهم في لبنان من أجل تسهيل الحل، ومبدياً خشيته من أن ينتهي الأمر على شكل تورّط فرنسي يعقد المشكلة ولا يوفر الحل.
وفيما شاع في الأوساط أن الوفد دخل خلال لقاءاته في الاسماء، قالت مصادر في 14 آذار لـ«الأخبار» إن البطريرك صفير رفض أن يسمّي مرشحين وإن الوفد لم يحمل في جعبته أي أسماء، كما لم يحمل بنتيجة محادثاته أي أسماء، وأضافت أن الحريري لا يريد تسمية مرشحين قبل أن تنجلي نتائج الحوار الجاري داخل 14 آذار لأنه إذا طرح أي أسماء في هذه اللحظة فإنه يخشى انعكاس ذلك سلباً على حلفائه في 14 آذار.