باريس ــ بسّام الطيارة
اختار الرئيس الفرنسي، نيكولا ساركوزي، «سياسة التحدّي» فيما تبدو النقابات العمالية ماضية في رفع مستوى التحدّي. ومن هنا، يتّفق جميع المراقبين على أن أسبوعاً أسود ينتظر سيّد الإليزيه على الصعيد العمّالي والاجتماعي، بعدما قررت النقابات إعلان إضراب مفتوح في وسائل النقل العامّة إلى جانب حركة إضراب كامنة في القطاع الطلابي، بدأت تتطوّر رويداً رويداً لتأخذ أشكالاً أكثر عنفاً وحجماً وتطال معظم جامعات فرنسا.
لا يمكن اتّهام ساركوزي بـ«خداع مواطنيه» من خلال الإصلاحات التي قرّر أن يمرّرها بالقوّة ويغيّر من خلالها المجتمع الفرنسي «قلباً وقالباً». فتلك الإصلاحات، ذات «الجرعة الليبراليّة القويّة»، والتي تصفها النقابات بأنّها «متوحشة»، كان قد أعلنها في برنامجه الانتخابي ورفعها عالياً خلال كلّ خطابات حملته الانتخابيّة وبعدها.
وبحسب «برنامج الإضرابات» المعلن، سيكون اليوم «من دون قطارات»، بما يعني ذلك من أزمات سير على الطرقات وإعاقة لسير الآلة الاقتصادية الإنتاجية، رغم قرار بعض النقابات الصغيرة عدم المشاركة.
أما يوم غد، فسيشهد إضراباً مفتوحاً تنفّذه نقابات النقل المشترك إضافة إلى عمّال كهرباء فرنسا، وهو ما يمكن أن يتسبّب بانقطاع للتيار الكهربائي في بعض المناطق «المستهدفة»، بحسب تصريح أحد النقابيين. كذلك فإن العاملين في قطاع المسارح الوطنية، وفي مقدمتها «الأوبرا»، قد قرروا الإضراب أيضاً.
غير أنّ ما يقلق المواطنين هو إمكان «مدّ الإضراب» حتى الثلاثاء المقبل، وهو اليوم المعلن لإضراب موظّفي الدولة والعاملين في الحقل التعليمي إلى جانب الطلّاب وعمّال البريد والهاتف، أي ببساطة أكبر القطاعات العامة من حيث العدد. كذلك قرّر «الجسم القضائي» إعلان إضراب وتظاهرة في ٢٩ من الشهر الجاري للاحتجاج على خفض ميزانيّات العدل.
وإذا تمّ «وصل الإضرابات» فهذا يعني شلّ فرنسا لمدّة أسبوع كامل بحيث «تتطلّب عودة الأمور إلى مجاريها ما يزيد على 3 أسابيع» بحسب أكثر التقديرات تفاؤلاً.
ومعظم مطالب المضربين تدور حول البرامج الإصلاحية لـ«العهد الساركوزي»، التي تشدّد على خفض الميزانيات وخصخصة مرافق كبرى من مرافق الدولة، وإزالة «التمييزات في البرامج الصحيّة الاجتماعية»، وتقود مباشرة نحو «خصخصة لا تقول اسمها» للنظام الصحّي الاجتماعي الفرنسي.
وفي مجال القضاء، فقد قرّرت وزيرة العدل، رشيدة داتي، «تغيير خريطة القضاء» بهدف خفض ميزانية تصريف أعمال المحاكم. وعمدت إلى إلغاء محاكم المدن الصغيرة وضمّها إلى محاكم مدن كبرى، وهو إجراء يندّد به العديد من المواطنين ـــــ المتقاضين والقضاة ومحامي المناطق النائية الذين بات عليهم «السفر مئات الكيلومترات» لملاحقة قضاياهم أمام محاكم بعيدة عن مراكز إقامتهم. وكذلك الأمر في الجامعات التي أُعطيت فترة سماح «لتصبح مستقلّة مالياً» ولتتقرّب من التكتلات التجارية الكبرى، أي لتصبح جامعات «مدفوعة» بعدما كانت مجانية، وبالتالي تصبح قابلة للتخصيص.
وفي هذا لاسياق، يقول أحد النقابيّين «يريد ساركوزي أن يكون تاتشر فرنسا، إلّا أنّ فرنسا ليست بريطانيا»، في إشارة إلى رئيسة الوزراء البريطانيّة السابقة مارغريت تاتشر. ويضيف أنّ «كلّ المكاسب الاجتماعية في فرنسا تمّ الحصول عليها في الشارع»، حيث «سنوقف قطار الإصلاحات هذه».
ومن هنا، ينظر المراقبون بخشية إلى «تصلّب المواقف بين الفريقين»، وتتنبّأ الصحافة الفرنسيّة بـ«أسابيع صعبة تنتظر الفرنسيّين»، إذ إنّه للمرّة الأولى منذ عام ١٩٩٥، تقرّر النقابات إضراباً يتجدّد تلقائياً وليس «يوم إضرابات يتقرّر في نهايته ما العمل في اليوم التالي».
وفي الواقع، فإنّ سياسة التحدي هذه تبدو أخطر من نتائج الإضرابات، وخصوصاً في ضوء تصريحات أمين سرّ الحزب الحاكم، «تجمع الحركة الشعبية»، باتريك ديفيدجيان، الذي يطالب «الأكثرية بالبقاء متماسكة» ويتكلّم باسم محازبيه، الذين يطالبون «بالحزم»، مع التلويح بأنه إذا تأزّمت الأمور «فإن ٣٤٦ ألف حزبي يمكنهم أيضاً أن يتجنّّدوا» وأنّ الحزب لن يبقى مكتوف الأيدي.
وذكرت صحيفة «ليبراسيون» أن أحد محازبي ساركوزي أسرّ لمراسلها، في مناسبة مؤتمر للحزب، بأنّ العديد من رسائل المحازبين على شبكة الإنترنت تدعو إلى «إسماع صوت الذين صوّتوا لساركوزي»، في إشارة واضحة إلى حالة التحدّي التي تصبغ الأجواء بين «شارع المعارضين لمشاريع ساركوزي وشارع مؤيديه» ومؤيّدي برامجه الليبرالية.