محمد زبيب
• «الأخبار» تنشر تقرير لجنة معالجة مشكلة الزراعات الممنوعة في البقاع
تقرّ اللجنة التي ألّفها رئيس مجلس الوزراء لاقتراح الحلول ومعالجة مشكلة الزراعات الممنوعة في البقاع، بأن ليس هناك من زراعات «بديلة» عن زراعة الحشيشة والأفيون، نظراً إلى الأرباح الكبيرة والسريعة التي تدرها مقارنة بأي من المحاصيل الأخرى، فالمردود المالي الذي يحققه المزارع من هذه الزراعة لا يمكن تعويضه بأي زراعة أخرى معروفة في المنطقة

قرر مجلس الوزراء في جلسته الأخيرة (يوم السبت الماضي) تأليف لجنة وطنية للتنمية المتكاملة في محافظة بعلبك ـــــ الهرمل برئاسة رئيس مجلس الوزراء، تتولّى وضع الدراسات وتحديد الأولويات والتنسيق بين المؤسسات المعنية الحكومية والدولية وتأمين التمويل اللازم لتنفيذ المشاريع في إطار «مكافحة زراعة الممنوعات» في هذه المنطقة من لبنان!
هذا القرار لم يستدع نقاشاً، لأكثر من خمس دقائق، من جانب الوزراء المشاركين في الجلسة المذكورة، علماً أنه جاء ترجمة لتقرير من 21 صفحة، أعدّته (على عجل) لجنة من عشرة أعضاء، ألّفها الرئيس فؤاد السنيورة في أيلول الماضي، وحدّد مهمتها بوضع التصوّرات لـ«معالجة مشكلة الزراعات الممنوعة في البقاع» و«اقتراح الزراعات البديلة».

تكرار الحروب الخاسرة

يتضح من قرار تأليف اللجنة وتحديد مهمتها، ثم القرار الصادر عن مجلس الوزراء بتأليف اللجنة الوطنية للتنمية المتكاملة، أن هناك قصوراً فاضحاً مستمراً في فهم ووعي أسباب لجوء المزارعين الى زراعة «الممنوعات»، وطبيعة المعالجة المفترضة، فالقراران المذكوران ينطلقان من تكرار التجربة الفاشلة السابقة، التي امتدت من عام 1992 حتى اليوم، وتخلّلها تنفيذ 13 مشروعاً ممولاً من الداخل والخارج، فضلاً عن 5 مشاريع أخرى لم تبصر النوربعد... ولم تثمر إلّا المزيد من المنافع لقلة من الفاسدين، والمزيد من التدهور المعيشي لسكان هذه المنطقة المحرومة التي تمثّل أكثر من ربع مساحة لبنان. كما أن التجربة السابقة أظهرت بوضوح أن حصر المعالجة بوسائل «شفهية» تقوم على تشجيع المزارعين على استبدال زراعتهم «الممنوعة» بزراعات أخرى «بديلة»، لا يمكن أن يؤدّي إلّا الى المزيد من التمسك بهذه الزراعة المربحة، مع زيادة الخطر بنشوء أُطر خارجة على القانون لحمايتها وتثبيتها، ولا سيما أن تسويق مفهوم «الزراعات البديلة» يتناقض مع «النزعة التحريرية» لدى الحكومات المتعاقبة، التي كان من أخطر نتائجها تدمير مقوّمات القطاع الزراعي برمته وزيادة أكلافه المباشرة وغير المباشرة... فكيف يمكن استدراج المزارعين الى «زراعات بديلة» في ظل حكومات معادية للزراعة؟

شرّعوها

لقد بدأ العالم يعي أن حربه على زراعة «الممنوعات» ستبقى حرباً خاسرة، ما لم تبتعد هذه الحرب عن مسارها الأمني (التلف والملاحقة والتجريم)، ومسارها الزراعي البحت (البحث عن زراعات بديلة)، فهذه الحرب كثيراً ما أثارت سخرية «المافيات وتجار المخدرات»، بما أنها لم تؤدّ في أي وقت من الأوقات الى خفض العرض في السوق، بل على العكس، فكلما اشتدّت هذه الحرب ارتفعت أسعار المخدّرات، وأصبح التجار أكثر ثراءً، وبالتالي، أكثر قدرة على تأمين الحماية لهم لزيادة العرض... وفي المقابل، تؤدي هذه الحرب الى حرق ما يمكن اعتباره المحصول الوحيد لشريحة واسعة من المزارعين، الذين يقعون أيضاً ضحية استغلال «المافيات وتجار المخدرات» القادرين على تأمين قنوات تصريف الإنتاج، لكن بأسعار زهيدة تعظّم الأرباح في الأسواق «السرّية».
ونشرت مجلة foreign policy الأميركية الرصينة ملفاً منذ مدّة قصيرة تحت عنوان «شرّعوها»، جاء فيه أن مصانع الأدوية تعاني نقصاً في المواد الأولية المستخدمة لإنتاج المسكّنات والمستحضرات الطبية، ما اضطرّها الى تشجيع بعض الدول، كتركيا على سبيل المثال، على زراعة الأفيون الطبي والقنّب الصناعي وغيره من المزروعات «الممنوعة»، وتقترح المجلة تعديل طريقة شن الحرب عبر تشريع هذا النوع من الزراعات وحصر تجارتها بيد الدولة ما يؤمّن مردوداً مهماً للمزارعين ويحاصر المافيات والتجار ويقلّص قدراتهم المالية، ويسمح أيضاً بتلف فائض الإنتاج قبل وصوله الى الأسواق...
طبعاً، حكومات لبنان لا تريد تبنّي الخيارات الصعبة، ولا تريد الاهتمام بالزراعة والمزارعين أصلاً، وهي بالتالي لا تنظر الى زراعة «الممنوعات» إلّا باعتبارها «ممنوعات» تستدعي تحركاً أمنياً لمكافحتها وشعارات تنموية لتأمين التغطية السياسية والشعبية لهذا التحرك... ولذلك لم تجرؤ اللجنة المكلفة إعداد تصورات للمعالجة على الخروج عن هذا الخط، وهو ما يتبيّن من تقريرها الذي تنشره «الأخبار» على أربعة أجزاء متتالية بهدف فتح نقاش جدّي حول السبل المتاحة لتنمية الريف وتمكين المزارعين من العيش الكريم، وفيما يلي الجزء الأول من التقرير:

نص التقرير

خلال الفترة القصيرة التي أُعطيت لها لمعالجة هذه المشكلة المزمنة والمعقدة، ركزت اللجنة مداولاتها على عرض الواقع الراهن للزراعة الممنوعة من خلال المعلومات المتوافرة، إضافة الى تقديم اقتراحات عملية في التنمية الزراعية واقتراحات مكملة لها في الجوانب البيئية والاقتصادية والاجتماعية، كما أجرت مسحاً لأهم المشاريع التنموية التي نفذت في منطقة البقاع لمجابهة هذه المشكلة منذ عام 1990.

1 ـ مقدمة:
نتيجة لغياب مشروع إنمائي متكامل لبعلبك الهرمل يأخذ بعين الاعتبار توفير مياه الري بشكل مستدام ويعالج مختلف الجوانب المرتبطة بتنمية المنطقة وتخصيصها بعناية متميزة ولو لفترة زمنية محدودة، ويؤمّن تضافر جهود القطاعين الخاص والعام مع كل المنظمات الدولية والمجتمع المدني، بقيت المشاريع العديدة المنفّذة في المنطقة غير كافية وبعيدة عن إيجاد الحلول الملائمة.
كما لا بد من الإقرار، بدايةً، بأنه ليس هناك من زراعات «بديلة» لزراعة الحشيشة والأفيون نظراً إلى الأرباح الكبيرة والسريعة التي تدرها مقارنة بأي من المحاصيل الأخرى. ويهم اللجنة التأكيد على استحالة معالجة المشكلة باعتبارها مشكلة زراعية بحتة تقتضي البحث عن زراعة «بديلة» يُنصح المزارعون باعتمادها في المناطق الجافة في قضائي بعلبك الهرمل او بتقديم دعم مادي مباشر. فالمردود المالي الذي يحققه المزارع من زراعة المخدرات لا يمكن تعويضه بأي زراعة أخرى معروفة في المنطقة، حتى في أكثر الأراضي خصوبة وفي أفضل الظروف المناخية. كما أن تجربة الدعم المباشر لم يعد ممكناً الاعتداد بها لتناقضها مع مفهوم التنمية المستدامة وما تمثّله من عبء على الاقتصاد الوطني. كما ترى اللجنة ضرورة برمجة المعالجة على مراحل وضمان تفعيل مشاركة المجتمع الأهلي في المنطقة وإيجاد الإطار المؤسساتي المناسب لوضع التصور والإشراف الكامل على التنفيذ.

2 ـ الوضع الراهن

تمتد منطقة بعلبك الهرمل من تمنين (شمالي رياق) حتى الحدود السورية شمالاً بطول 60 كلم وعرض 13 كلم، على مساحة 2920 كلم مربع، أي ما يعادل 64% من مساحة البقاع و28% من مساحة لبنان. تقسم المنطقة الى ثلاث مناطق بمواصفات بيئية متفاوتة:
ـ المنطقة الأولى الممتدة من تمنين الى بعلبك وتتميز بمناخ مداري حيث تراوح المتساقطات السنوية بين 400 و 550 ملم وتعرف إجمالاً بتربتها الطينية الخصبة.
ـ المنطقة الثانية الممتدة من بعلبك الى اللبوة وتتميز بمناخ شبه جاف حيث تراوح المتساقطات السنوية بين 250 و 350 ملم وتعرف بتربة معتدلة الى قليلة الخصوبة، صفراء ومبحصة.
ـ المنطقة الثالية الممتدة من الفاكهة الى الهرمل وتتميز بمناخ صحراوي جاف حيث لا تتعدى المتساقطات السنوية 200 ملم وتعرف تربتها الكلسية والمبحثة بقلة خصوبتها.
تعود زراعة المخدرات في لبنان الى عام 1920 حيث كانت محصورة بزراعة حشيشة الكيف في منطقة بعلبك الهرمل حتى بدايات الحرب الأهلية عام 1975. وفي أوائل الثمانينات أُدخلت زراعة الأفيون الى لبنان، وامتدت زراعة المخدرات لتشمل منطقة البقاع (90%) وبعض مناطق كسروان وجرود جبيل وعكار والشوف (10%).
وفي هذا المجال راوحت التقديرات غير الرسمية للمساحات المزروعة بنبتة الحشيشة من 3000 الى 25000 هكتار، وتناقصت في نهاية الثمانينات لمصلحة زراعة الأفيون التي قدرت مساحتها بحوالى 15000 هكتار عام 1990. مع عودة الدولة إلى ممارسة سلطتها في بداية التسعينات، وعلى ضوء الضغوط الدولية لمنع إنتاج المخدرات وتصنيعها وتسويقها اعتباراً من لبنان، بدأت حملات التلف المباشر من جانب قوى الأمن والجيش وأعطت ثمارها، كما التزم المزارعون قرار المنع طيلة فترة عمل برنامج الأمم المتحدة للتنمية الريفية لمنطقة بعلبك الهرمل بين 1994 و1999. مع توقف البرنامج الدولي عام 2000 وتعذر استمرار تمويله في مرحلته الثالثة من الدولة اللبنانية، عادت ظاهرة الزراعات الممنوعة لتنتشر تدريجاً اعتباراً من عام 1999 حيث كانت القوى الأمنية تُعتمد لتلف مساحات هامة منها، أو تترك لحالها كما هو الوضع هذا العام.



أعضاء اللجنة

د. معين حمزة (رئيس اللجنة)، د. محمد فران و د. سالم درويش (المجلس الوطني للبحوث العلمية)، م. وفاء الضيقة حمزة ـــــ وزارة الزراعة)، م. نجاح شمعون (وزارة الشؤون الاجتماعية)، الرائد جور غزالي (المديرية العامة لقوى الأمن الداخلي، مكتب مكافحة المخدرات)، م. ريما فداوي يقطين (مجلس الإنماء والإعمار)، د. مصطفى حيدر (كلية العلوم الزراعية والغذائية في الجامعة الأميركية في بيروت AUB)، د. لميس شلق (مصلحة الأبحاث العلمية الزراعية)، م. ربيع صبرا (غرف التجارة والصناعة والزراعة في لبنان)، م. ماري لويز الحايك (منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة FAO) و د. رغد عاصي (برنامج الأمم المتحدة الإنمائي UNDPhr/>

الجزء الأول | الجزء الثاني | الجزء الثالث | الجزء الرابع