محمد زبيب
• «الأخبار» تنشر تقرير لجنة معالجة مشكلة الزراعات الممنوعة في البقاع
لا يبدو تقرير لجنة معالجة مشكلة الزراعات الممنوعة في البقاع، حاسماً في تبنّي أي خيار من الخيارات المتاحة، إذ يعبّر أكثر عن «توليفة» متناقضة، غير متناسقة، من خيارات عدّة، فهو حين يقرّ بأن التصدّي لمشكلة زراعة الحشيشة غير ممكن في إطار نظرة زراعية بحتة، وأن ظروف منطقة بعلبك ـــ الهرمل لا تسمح بإيجاد زراعات بديلة جدّية... يتبنّى في الوقت نفسه خيارات زراعية وعقارية وأمنية وأخلاقية ودينية... وينتهي الى اقتراح إيجاد الإطار المؤسساتي المستقل والقادر على تنفيذ المبادرات والمشاريع المختلفة. في ما يلي الجزء الأخير من تقرير اللجنة

7 ـــــ مراجعة القوانين العقارية في البقاع
وتحديثها
يعتبر واقع ملكية الأراضي في منطقة بعلبك ـــــ الهرمل من أبرز معوقات التنمية في هذه المنطقة، وهو يتمثل بما يلي:
ـــــ فقدان المسح العقاري في غالبية المناطق الزراعية وعدم فرز الأراضي، الأمر الذي يمثّل عائقاً أساسياً أمام الاستثمار ويمنع أصحاب الحقوق الملاكين من الاستفادة من القروض المصرفية، إضافة إلى مشكلة الصراع على الملكية.
ــــــ تفتّت الملكية وتحوّل الأراضي الزراعية إلى عقارات مجزّأة تحول دون إقامة مشاريع مستدامة.
ــــــ عدم تنظيم استخدام الأراضي وتحديد وجهة استعمالها وغياب أي إطار قانوني للمزارعة (زراعة، بناء).
ولهذه الغاية، ترى اللجنة ضرورة اتخاذ الإجراءات التالية:
ـــــ الإسراع في عمليات الضم والفرز واستكمال المسوحات التي باشرتها المديرية العامة للتنظيم المدني.
ـــــ يترافق مشروع تثبيت الملكية مع إقرار إعفاءات من رسوم انتقال الملكية، وتحديد فترة سماح للمالكين للقيام بعمليات حصر الإرث والانتقال.
ـــــ اعتماد المخطط التوجيهي من أجل ترشيد عمليات البناء في الأراضي الزراعية.
ـــــ تنظيم العقود بين المالك والمستأجر لضمان استخدام الأرض لفترة طويلة، وتشجيع المستثمر على صيانة المنشآت والمحافظة على خصوبة التربة.
8 ـــــ دور المديرية العامة لقوى الأمن الداخلي
إن قوى الأمن الداخلي، عبر مكتب المخدرات، هي القوة المنوط بها، بحسب تنظيمها العضوي بموجب المرسوم رقم 1175 تاريخ 2/5/1991، تتبّع جرائم المخدرات وقمعها، وجمع كل المعلومات والإحصاءات المتعلقة بهذه الجرائم وتوحيدها إلى حين إنشاء المديرية المركزية لمكافحة المخدرات عملاً بالقانون 673 تاريخ 16/3/1998.
ومن أجل الوصول إلى النتائج المرجوّة في إطار مكافحة المخدرات يعمل هذا المكتب على:
ــــــ خفض العرض: من خلال منع زراعة الحشيشة والأفيون وتلف نباتاتها وملاحقة المزارعين، بحيث تبدأ عملية الكشف على هذه الزراعات وتلفها عادة ابتداءً من أول آذار من كل عام عملاً بأحكام المذكرة العامة رقم 52/204 ش 4 تاريخ 18/3/1995ويتم الإعلان المسبق أيضاً بواسطة رؤساء البلديات والمخاتير في القرى والبلدات المعنية بهذه الزراعة بواسطة الإعلام المرئي والمسموع وعبر ندوات صحافية وتلفزيونية ومن خلال ملاحقة مهربي المخدرات وتجارها.
ـــــ خفض الطلب: من خلال حملات التوعية في المدارس والجامعات على مخاطر آفة المخدرات وتنظيم الحلقات التلفزيونية والإعلامية لتوعية المجتمع الأهلي.
قامت اللجنة بإعداد الدراسة الأولية عن مشكلة الزراعات الممنوعة في لبنان، وقد عملت ضمن منهجية عملية وموضوعية لتقديم بدائل للجوانب الزراعية والبيئية والاقتصادية والاجتماعية، التي تؤكد اللجنة مرة أخرى، ضرورة تناولها تناولاً متكاملاً وبرمجة المبادرات المستقبلية بتوازن في ما بينها.
من جهة أخرى، تؤكد اللجنة أهمية مراعاة الجانب الإنساني ــــــ الاجتماعي، الذي هو في أساس لجوء المزارعين إلى اعتماد الزراعات، وما يقتضيه من تفهّم للظروف المعيشية الصعبة وللجفاف البيئي والاقتصادي الذي تعانيه منطقة البقاع الشمالي منذ عقود.
إن هذا الوضع الصعب والمعقّد يتطلب مبادرات صريحة على الصعيد المؤسساتي والمالي أهمها:
ـــــ إيجاد الإطار المؤسساتي والمستقل والقادر على تنفيذ المبادرات والمشاريع المختلفة زراعياً وقانونياً واستثمارياً واجتماعياً، على أن يرتبط مباشرة برئيس مجلس الوزراء لتسهيل عمله مع الوزارات والمؤسسات المعنية وتأكيد الشراكة مع المجتمع الأهلي في المنطقة.
ـــــ اعتبار منطقة البقاع الشمالي أولوية في المبادرات الدولية ومشاريع التنمية التي تعرضها دول أوروبية ومنظمات دولية.
ـــــ الطلب إلى منظمات الأمم المتحدة (الفاو، UNDP) والبنك الدولي والاتحاد الأوروبي إعطاء الأولوية لإعداد مشروع متكامل للمحاور الفنية والاقتصادية والاجتماعية المذكورة شبيه بالمبادرات المماثلة والمتخذة في دول أخرى عانت المشكلة نفسها، ومتابعته مع اللجنة تمهيداً لإنشاء تكتل دولي للدعم والتنفيذ. وقد أبدت منظمة الفاو وبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي استعدادهما للمساعدة في صياغة المشروع والسعي لتمويله.



هل من بديل فعلي لزراعة الحشيشة؟

سيكون مجحفاً إبداء الملاحظات على تقرير «لجنة معالجة مشكلة الزراعات الممنوعة في البقاع» الذي نشرته «الأخبار» على ثلاثة أجزاء، من دون توضيح مسألتين مهمتين:
الأولى ـــــ أن اللجنة ضمّت بين أعضائها خبراء مشهوداً لهم بالكفاءة، ولا سيما رئيسها الدكتور معين حمزة (رئيس المجلس الوطني للبحوث العلمية)، إلا أن قرار رئيس مجلس الوزراء فؤاد السنيورة القاضي بتأليفها لم يعطها سوى مهلة شهر واحد لإنجاز تقريرها، وهذه مهلة قصيرة جداً قياساً الى نوعية المهمة الموكلة إليها، وبالتالي لم يتسنّ لها عقد أكثر من خمسة اجتماعات، علماً أن عملها كان تطوّعياً، أي من دون أي بدل مالي، ولم تستطع الاطّلاع بشكل واف على التجارب العملية الحديثة في هذا المجال.
الثانية ــــــ أن بعض أعضاء اللجنة لم يستبعدوا في مناقشاتهم خيار «شرعنة» زراعة القنب الهندي والقنب الصناعي والأفيون الطبي وغيرها من الزراعات المناسبة للظروف المناخية الصعبة في بعض مناطق بعلبك الهرمل، ولا سيما المناطق الجردية التي تتميز بعائد كبير نسبياً، مقارنةً بالزراعات الأخرى، إلا أن نقص الاطّلاع على التجارب الخارجية، والحضور «الأمني» في اللجنة، وضعف الجرأة، والخوف من ردود الفعل، وطبيعة الأهداف التي تتوخّاها الحكومة من طلبها لهذا التقرير في هذا الوقت بالذات... كلها عوامل أسهمت في الابتعاد قليلاً عن هذه الخيارات، ما عدا الخيار المتعلق بزراعة القنب الصناعي، الذي أصرّ عليه خبراء في اللجنة، وجرى عرضه على صفحة كاملة من التقرير المؤلّف من 14 صفحة.
إلا أن إيراد هاتين المسألتين لا ينزع تهمة «التبسيط» عن الطريقة التي تعاملت بها هذه اللجنة مع قضية شائكة، كقضية زراعة الحشيشة المزدهرة في أرجاء واسعة من مناطق بعلبك والهرمل ومناطق أخرى في جرود الضنية وأعالي بشري وجبيل وغيرها... فاللجوء الى هذا النوع من الزراعة لم يأت في إطار ممارسة «جرمية» بل أتى تعبيراً حقيقياً عن أزمة النموذج الاقتصادي «اللا تنموي» المعتمد في لبنان منذ عقود طويلة، ولا سيما في حقبة «إعادة الإعمار» منذ مطلع التسعينيات.
فاللجنة تنطلق من توصيف «موضوعي» لواقع منطقة بعلبك الهرمل، حيث يشتد الفقر، ويغيب المشروع التنموي، وتبدأ بسرد اقتراحاتها من إقرار واضح بأن «ليس هناك من زراعات بديلة لزراعة الحشيشة والأفيون، نظراً إلى المردود المالي الذي يحققه المزارع، والذي لا يمكن تعويضه بأي زراعة أخرى معروفة في المنطقة...»، إلا أن إقرارها بذلك لم يمنعها من تكرار عرض الاقتراحات الرامية الى إحلال زراعات بديلة، تعرف سلفاً بأنها مجرد «مزحة»، لسببين أساسيين:
الأول ـــــ أن اللجنة نفسها تستعرض الظروف المناخية القاسية وطبيعة التربة والتضاريس التي لا تساعد أبداً على نجاح مثل هذه الاقتراحات.
والثاني ـــــ أن اللجنة تتجاوز مسألة بالغة الأهمية تتصل بموقف الحكومات المتعاقبة والثقافة المعادية للزراعة التي تروّج لها بلا خجل أو حياء... فكيف يمكن طرح بدائل زراعية وإحلالها محل زراعة الحشيشة، في ظل نموذج ثقافي ـــــ سياسي واقتصادي ينزع الى إحلال الريع محل الإنتاج، وإلى نبذ كل ما يمتّ بصلة إلى الزراعة من أصلها... وربما هذا ما جرّ اللجنة الى إضافة بدائل غير زراعية مستوحاة من النموذج القائم المأخوذ بالريع العقاري والمضاربات والمشاريع السياحية وغير ذلك من اقتراحات «استثمارية» وضعتها في إطار «تخيّلي» يوحي بإمكان جذب المدينة و«حالاتها» الكارثية الى جرود بعلبك ـــــ الهرمل المهملة والمنبوذة.
أمّا الانزلاق الأكبر في تقرير هذه اللجنة، فهو المتمثل باستعادة تجارب سابقة ثبت فشلها، ليس في لبنان فقط، بل في مختلف أرجاء العالم، وهي تقوم على أسلوب الجزرة والعصان بحيث يتم بين «الإغراءات غير الفعّالة» وبين الأساليب الأمنية الزاجرة التي تجعل من المزارع مجرماً خارجاً على القانون، يعمل في إطار معادٍ لأخلاقيات المجتمع (وأي مجتمع حيث الفساد شطارة والناس على دين ملوكهم...).
لقد فشل حظر زراعة الحشيشة في كل مكان تمّت تجربته فيه، بل إن الحظر بحدّ ذاته لم يؤدّ إلا الى زيادة عائدات أباطرة تجارة المخدرات في العالم وجعل المزارعين ضحايا سهلين لهؤلاء، وتكفي الإشارة الى أن إنتاج المخدرات على أنواعها ارتفع بحسب الدراسات العالمية، وأصبحت الأسعار أرخص وإمكانات التجّار أعلى، منذ أن أعلنت الأمم المتحدة عام 1998 «الالتزام الخاص باستئصال نبات الكوكا والقنب والأفيون بحلول عام 2008»... كما تكفي الإشارة الى أن الولايات المتحدة التي تبنّت أكثر القوانين عقابية في العالم وأعلنت حرباً عالمية على إنتاج المخدرات باتت في المأزق الآن إذ ارتفع عدد الموقوفين بتهم انتهاك هذه القوانين على أرضها من 5 آلاف موقوف عام 1980 الى 500 ألف موقوف حالياً!
إن الهدف من هذه الأمثلة هو إرشاد المعنيين إلى أن العالم بدأ يغيّر نظرته الى الطرق الكفيلة بخفض الطلب على المخدرات، وبات يبحث في الوسائل الآيلة الى حصر الإنتاج وتنظيمه، «فإذا كانت المخدرات بمثابة شر فإن الشر يستحيل القضاء عليه ولكن من الممكن جداً حصره والتخفيف من آثاره»... وعلى هذا الأساس بات يجب الإقرار في لبنان أيضاً بأن الحرب على زراعة الحشيشة لن يكون ضحاياها إلا هؤلاء المهمشون أصلاً الذين لا يملكون ما يمكن أن يخسروه بعد إلا حياتهم.
إذاً، فلتشرّع زراعة الحشيشة، ولتحصر في المناطق الجافة التي لا يمكن أن تزرع بغير هذه الأنواع من الزراعات، ولتعقد اتفاقيات مع مصانع الأدوية لشراء هذه المحاصيل تماماً كما تفعل تركيا حالياً وبعض الولايات الأميركية، او فلتعقد اتفاقيات مع هولندا على سبيل المثال التي تبيح قوانينها تعاطي بعض الأنواع من المخدرات، ومنها الحشيشة اللبنانية التي تباع كعلامة تجارية مميزة في مقاهي امستردام ونوتردام وغيرها... كل ذلك شرطه قيام نظام خاص يرعى هذه الزراعة وينظّمها ويراقبها، على أن يكون العائد المالي من ذلك مخصص لسياسات عقلانية تستهدف خفض الطلب على المخدرات في السوق المحلية...



الجزء الأول | الجزء الثاني | الجزء الثالث | الجزء الرابع