strong> • لحّود غادر بعبدا والسنيورة في موقعه • الجيش ينتشر ويبقى «خارج التجاذبات» • رايس تتّصل بجنبلاط
وأخيراً حصل ما كان في الحسبان. انتهت ولاية الرئيس إميل لحود دون انتخاب خلف له. ودخل لبنان في مرحلة الانتظار التي لا مؤشر الى حدودها الزمنية أو الى أفقها السياسي. ومرة جديدة، يقع لبنان تحت وطأة التجاذب الإقليمي والدولي في مرحلتي الهجوم والاستراحة. وبدا أن هناك نوعاً من التوافق الضمني بين الولايات المتحدة الاميركية وسوريا على وضع الملف اللبناني جانباً لبعض الوقت، ريثما يصار الى بت مسائل أخرى تبدو ذات أولوية متقدمة، وقد يكون اجتماع أنابوليس مقدمتها الأساس.
وبعد إعلان الرئيس نبيه بري إرجاء جلسة انتخاب الرئيس الى الثلاثين من الشهر الجاري، غادر الرئيس لحود القصر الجمهوري هادئاً بلا قرارات استثنائية، مكتفياً بالطلب الى الجيش حفظ الأمن ضمن حالة طوارئ، وهو الأمر الذي رفضته حكومة الرئيس فؤاد السنيورة التي وضع النائب سعد الحريري مصيرها في تصرّف المساعي الوفاقية، فيما بدت المعارضة أمام استحقاق «اليوم التالي» بعدما عطلت في «اليوم السابق» لجوء الاكثرية الى انتخاب رئيس بالنصف زائداً واحداً.
وإذا كان اللبنانيون قد عاشوا أمس يوما متوتراً قبل اتضاح صورة الفراغ، فإن القلق استمر مسيطراً خشية حصول تطورات سلبية خلال الفترة المقبلة وسط تدابير خاصة للجيش الذي رفضت قيادته وضع نفسها في دائرة التجاذب السياسي ـــــ الدستوري.

أسئلة اللحظة الحرجة؟

وبعد الذي حصل، يبدو أن التوافق الضمني قام على أساس تمرير الأسبوع الأول من مرحلة الفراغ دون توترات كبيرة سياسياً أو أمنياً. وذكرت مراجع قيادية في المعارضة أن خطتها بالنسبة للمرحلة المقبلة تقضي بمنع حكومة السنيورة من ممارسة صلاحيات رئاسة الجمهورية أو اتخاذ قرارات كبيرة، وسط تركيز على الضغط على القسم المسيحي في الحكومة بوسائل مختلفة، فيما بادرت قوى 14 آذار الى الاستعداد لتوفير حماية شعبية داخلية الى جانب موجة الدعم الخارجي التي بدأت حكومة السنيورة تحصدها منذ منتصف ليل أمس.
وقالت المراجع إن نقاش الملف الرئاسي عاد الى النقطة الصفر، بعدما أعلن العماد ميشال عون انتهاء صلاحية مبادرته وعودته مرشحاً أساسياً، وهو دعا المعارضة الى التعامل مع هذا الواقع، فيما أبلغت مصادر دبلوماسية تعطل المساعي الفرنسية خلال الفترة المقبلة، وأن الجهود الخارجية سوف تنتظر انتهاء أعمال اجتماعات أنابوليس نهاية هذا الشهر، الأمر الذي جعل الرئيس بري يقول لزواره ولمراجع دبلوماسية دولية إنه سوف يستأنف اتصالاته مع النائب سعد الحريري وبقية أقطاب فريق 14 آذار وقيادات البلاد لانتخاب رئيس توافقي في أقرب وقت ممكن. وبحسب المصادر، فإن التوافق الضمني يشمل تعهداً من جانب فريق 14 آذار وجهات خارجية بأن حكومة السنيورة لن تعمد الى اتخاذ أي تدابير وسوف تتصرف على أساس أنها حكومة تصريف أعمال.
وبالعودة الى النهار الطويل، فقد فشل مجلس النواب للمرة الثالثة في انتخاب رئيس جديد. وكانت لافتةً المداولات الجانبية التي جرت بين بري وكل من النائب الحريري والنائب وليد جنبلاط الذي أبلغ رئيس المجلس استمراره في سياسة التهدئة والدعوة الى انتخاب رئيس توافقي. وأكد جنبلاط والحريري أنه لن يكون هناك انتخاب رئيس من دون نصاب الثلثين ولكن ذلك لن يعلن رسمياً باسم قوى 14 آذار. لكنهما أصرا على توفير غطاء شرعي لحكومة السنيورة، الأمر الذي رفضه بري تاركاً الأمور تسير كما هي الآن.
وذكر مطّلعون أن جنبلاط ركز على الخلاف المسيحي ـــــ المسيحي حول الاستحقاق الرئاسي، مشدداً على وجوب ألا يمنع هذا الخلاف إنجاز الاستحقاق في أسرع وقت ممكن، كما اتفق جنبلاط مع بري على رفع وتيرة التواصل والتشاور في ما بينهما والعمل لخلق مناخ إيجابي بين جنبلاط وحزب الله.
وتوجه الحريري إثر تأجيل الجلسة إلى بكركي حيث عقد لقاءً مع البطريرك الماروني نصر الله صفير، مهّد له مستشاره داوود الصايغ عندما زار البطريركية قبل الظهر. وعلم أن الحريري سأل البطريرك عمّا يريده ابتداءً من اليوم بعد حصول الفراغ في سدّة رئاسة الجمهورية، وقال له «لقد حاولنا التوصل إلى رئيس توافقي ولكننا لم نفلح في ذلك حتى الآن، فما تريده نحن جاهزون لتلبيته، وإذا كنت ترغب في أن تستقيل حكومة الرئيس فؤاد السنيورة فنحن جاهزون لهذا الأمر».
ورد صفير قائلاً: «لن أقبل أن تستمر هذه المرحلة طويلاً وينبغي أن يتم انتخاب رئيس خلال فترة قصيرة لأننا لا نستطيع أن نتحمل هذا الوضع». فأكد الحريري «أننا سنكثف لقاءاتنا حتى نصل إلى اتفاق على رئيس جديد».

إجراء لحود وردّ السنيورة

وبعيد الثامنة من مساء أمس، أعلن القصر الجمهوري قرار الرئيس لحود باعتبار أخطار حالة الطوارئ موجودة، طالباً الى الجيش تولي حفظ الأمن في البلاد، ومؤكداً لادستورية حكومة السنيورة، ما يمنعها من ممارسة صلاحيات رئاسة الجمهورية أو المجلس الأعلى للدفاع.
ورد السنيورة بعد اجتماع وزاري بأن قرار لحود غير ذي قيمة دستورية، وأنه لا وجوب لإعلان حالة الطوارئ وأن القرار يصدر بمرسوم عن مجلس الوزراء لا عن رئيس الجمهورية.
وقال مصدر عسكري مأذون له لـ«الأخبار» إن الجيش لا يريد الدخول في اللعبة السياسية القائمة، وإنه موجود أصلاً على الارض وهو يقوم بمهمة حفظ الامن على كامل الاراضي وسوف يمنع أي محاولة للإخلال بالنظام العاموقال المصدر إن الرئيس لحود لم يعلن حالة الطوارئ وإنه شخّص وضعاً معيناً ولكنه رمى الكرة عند الجيش، والجيش لا يملك صلاحية إعلان حالة الطوارئ، والأمر له أدواته الدستورية والقانونية.
ورفض المصدر إحراج الجيش بإلزامه اتخاذ موقف من السجال القائم حول دستورية أو عدم دستورية الحكومة الحالية. لكنه لفت الى أن الامور الادارية التي تخص الجيش لناحية صرف الرواتب وتسيير الامور العامة تصدر عن هذه الحكومة حتى ولو صُنفت في وضع تصريف الاعمال.
وقال المصدر إن الجيش نظراً إلى الظروف السياسية الناجمة عن تعذّر انتخاب رئيس جديد للجمهورية ضاعف تدابيره المتشددة في كل المناطق ورفع حال الاستنفار تحوّطاً لأي محاولات إخلال بالأمن، والقيادة تعتقد أن عرض القوة يوفر الأمن أكثر من استخدامها.

ردود فعل دولية

وفي ردود الفعل على أحداث أمس دعا الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون كل الأطراف المعنيين بالأزمة السياسية في لبنان الى الحفاظ على الهدوء والعمل من أجل التوصل الى تسوية في شأن انتخاب رئيس في أسرع وقت ممكن. وأعرب عن «القلق البالغ إزاء هشاشة الوضع في لبنان وهو يتابع الاحداث بعناية بالغة».
ومن جهته دعا الاتحاد الأوروبي الأفرقاء اللبنانيين الى «الاستمرار في الحوار لانتخاب رئيس في أقرب وقت ممكن» و«الامتناع عن أي تحرك من شأنه تعكير النظام العام». ولاحظت الرئاسة البرتغالية للاتحاد في بيان أصدرته «بأسف عدم التمكن من انتخاب رئيس جديد».
ودعت وزارة الخارجية الاميركية الى التعامل مع الحكومة على أنها الحكومة الشرعية، وحمّلت حزب الله مسؤولية عرقلة انتخاب رئيس جديد للجمهورية. وقالت وزارة الخارجية الاميركية إن «حكومة الولايات المتحدة تثني على القوات المسلحة والاجهزة الامنية اللبنانية لالتزامها الواضح الدفاع عن القانون والنظام خلال هذه الفترة الانتقالية». وأخطرت الوزارة رعايا الولايات المتحدة بـ«الاحتمال القوي» لاندلاع تظاهرات وقلاقل في لبنان بسبب الازمة الرئاسية.
كذلك أعلنت وزارة الخارجية الفرنسية دعم باريس لحكومة السنيورة، وتمنّت انتخاب رئيس جديد للبنان في وقت قريب، وأعلنت أن فرنسا ستواصل مساعيها للتوصل الى حل.

رايس وجنبلاط

وليل أمس اتصلت وزيرة الخارجية الأميركية كوندوليزا رايس برئيس اللقاء الديموقراطي وليد جنبلاط وعبّرت عن دعم الإدارة الأميركية للبنان وسيادته، فيما شرح لها جنبلاط المراحل التي قطعتها المفاوضات الجارية من أجل تحقيق توافق في القريب العاجل على الرئيس الجديد، مشدداً على ضرورة استمرار الإدارة الأميركية في دعم الدولة اللبنانية والجيش اللبناني وتسليحه. كذلك نوّه جنبلاط لرايس بموقف البطريرك صفير، مشيراً إلى استمرار البحث عن التوافق على الرئيس الجديد تحت مظلّته ومشدداً على ضرورة الحفاظ على السلم الأهلي.
وقال قطب في 14 آذار لـ«الأخبار» إن مساعي التوافق ستستمر بين الرئيس بري وقادة 14 آذار بعد مغادرة الرئيس لحود القصر الجمهوري، مشيراً إلى أن هذا البحث سيخطو قدماً في مقبل الأيام، ويمكن أن تنعقد جلسة انتخاب الرئيس قبل يوم الجمعة المقبل. وأشار القطب إلى أن البحث عن الرئيس التوافقي ما زال يدور في إطار لائحة البطريرك رغم أن صفير أبلغ المعنيين أن لا مانع لديه في أن يتفقوا على مرشح من خارجها ولكن الجميع حريص على احترام إرادته. وإذ لفت إلى أن المبادرة الفرنسية لم تؤدِّ إلى نتيجة بعد، أكد أنها لم تغلق بدليل أنها أطلقت مسيرة التوافق بين فريقي الموالاة والمعارضة، والنواب في جلسة أمس كانوا يتحدثون بعضهم مع بعض، «فالحياة الديموقراطية الحقيقية تكمن في مجلس النواب ومجلس الوزراء».