لم يرنّ هاتف رئيس المجلس النيابي نبيه بري بعد. الاتصالات الأساسية مجمّدة إلى حين. وحده الرئيس سليم الحص يُظهر قلقاً إضافياً، وهو اتّصل أمس برئيس المجلس وحثّه على إحياء طاولة الحوار الوطني، لتنفيس الاحتقان وإزالة أجواء التشنّج. وهو الأمر الذي يرغبه بري ربما، لكنه يعرف أنه من غير جدوى، ولا سيما أن المشكلة انتقلت الآن إلى الصفّ المسيحي، حيث باشر العماد ميشال عون ورشة سياسية واجتماعية وشعبية تعبوية، هدفها التأكيد على صعوبة الوضع وعلى ضرورة نزع الشرعية الشعبية والسياسية المسيحية عن حكومة الرئيس فؤاد السنيورة، من زاوية أنها تغتصب صلاحيات الرئاسة الأولى وتمثّل خرقاً لميثاق العيش المشترك.وبينما كان اليوم الأول من مشاورات عون هادئاً، فإنّ المساعدين يتحدثون عن لقاءات أوسع خلال الساعات الـ48 المقبلة. وأشار عون إلى إمكان صدور وثيقة تاريخية عن المشاورات التي يجريها في الرابية، وخصوصاً إذا كانت الأمور سائرة نحو التعطيل. وأضاف عون في دردشة مع الصحافيين مساء أمس أعقبت اليوم الأول من المشاورات: «لقد قمنا بتفاهم سياسي مع السيد سعد الحريري، وعلى مواضيع أساسية لا تتناقض مع التفاهم السياسي مع حزب الله، لكنها تستكمله».
ونفت المصادر المطّلعة أن يكون هناك ترتيب لاجتماع سريع بين عون والرئيس أمين الجميل، بينما أكدت «القوات اللبنانية» عبر مصادرها مقاطعتها لمشاورات عون، متحدثةً عن أنه يريد فرض نفسه مرجعيةً حاسمة، وهو الأمر الذي يسعى أقطاب من فريق 14 آذار إلى تحريض البطريرك الماروني نصر الله صفير عليه من زاوية أن ما يقوم به عون هو ضد بكركي أوّلاً وأخيراً.
وتشير مصادر في المعارضة إلى أن بقاء حكومة السنيورة ليس ضمن اتفاق، بل إنّ ما حصل هو تعطيل قدرة فريق 14 آذار على انتخاب رئيس من طرف واحد، أو من خلال نصاب غير دستوري، وأن المعارضة تدرس الخطوات الواجب اتخاذها لإسقاط حكومة السنيورة، وهو هدف قائم، لافتةً إلى أن النشاط الذي يقوم به العماد عون مهمّ في هذا السياق، لأن هناك مشكلة جدية عند الفريق المسيحي في السلطة، وموجة الإحباط السائدة في أوساط هذه المجموعة تنطلق من أسباب كثيرة بينها «التحوّل» الظاهر في موقف النائب وليد جنبلاط وتراجعه والنائب سعد الحريري عن خطوة النصف +1، إضافةً إلى إطاحة مرشحين من هذا التجمع.
وفيما تفاعلت المواقف الرافضة لمشاركة لبنان في اجتماع أنابوليس، كان اللافت إلغاء جنبلاط مؤتمراً صحافياً كان مقرراً أمس، وقد قال وزير مقرّب منه لـ«الأخبار» إن الجميع ينتظر ما سيسفر عنه مؤتمر أنابوليس «بمن فيهم السفير الأميركي جيفري فيلتمان» الذي يجول على بعض السياسيين في هذه الأيام مستطلعاً أفكاراً ومواقف جديدة حول سبل إنجاز الاستحقاق الرئاسي.
وقال الوزير نفسه إن جلسة الانتخابات المقررة يوم الجمعة المقبل ستكون محاولة جديدة لانتخاب رئيس، وإن الأكثرية ستحضر بكل نوابها لأنها مضطرّة إلى الإبقاء على الحكومة التي أبقاها الدستور، مُنيطاً بها صلاحيات رئيس الجمهورية نتيجة تعذّر انتخاب رئيس جديد. واستبعد القطب حصول لقاء بين النائبين عون وجنبلاط، مشيراً إلى أن موقف الأخير الذي تنشره صحيفة «الأنباء» والذي يشير الى «الدونكيشوتية» و«البونابرتية»، إنما «المقصود به عون شخصياً».
على أن مصادر قريبة من بري لم ترَ أي تطوّر جديد في الاتصالات الجارية، واصفةً الأفق بأنه مقفل، لكنها أشارت إلى محاولات تجري بعيداً عن الأضواء من أجل توفير مناخات تساعد على الوصول إلى الرئيس التوافقي. ولم تستبعد هذه المصادر انعقاد لقاء قريب بين بري والنائب سعد الحريري، علماً أنه ينبغي أن يحصل حوار بين الحريري وعون من شأنه أن يدفع الاستحقاق إلى جادة الإنجاز.
وتوقّع النائب محمد رعد أن يؤدي الفراغ الرئاسي إلى حل الحكومة، موضحاً أن المسيحيين أصبحوا «أكثر حماسة لمواجهة هذه السلطة»، وأن الوزراء المسيحيين في الحكومة أصبحوا «أكثر حرجاً» ممّا قد يؤدي إلى فرط عقد الحكومة. وإذ رفض أن يؤكد أو أن ينفي أي اتصال بين «حزب الله» وجنبلاط، رأى أن لا تغيّر «دراماتيكياً» في مواقف الأخير. وعن التزام الحزب دعم ترشّح عون في ظل ما يقال من أن الأخير «سيصطدم» معه في حال وصوله إلى الرئاسة، قال رعد: «نحن في مدرستنا نفضّل أعباء الصدقيّة ولا نتخلى عنها».