أنابوليس ــ محمد سعيد، نزار عبود
بـوش يحيّـد سـوريا ويـرى «لبـنان الديموقـراطي» ضـرورة للسـلام ويخشـى عواقـب «الفشـل»



نجحت الولايات المتحدة، في أنابوليس أمس، في إطلاق ماراثون تفاوض جديد على المسار الفلسطيني ـــــ الإسرائيلي، تؤدي فيه دور الراعي والحكم، مفتوح على جدول زمني مرن سقفه «بذل الجهود للاتفاق نهاية 2008»، من دون التزامات مسبقة ولا إشارة إلى أي من القضايا الجوهرية، مع وعود بتحريك المسارات الأخرى من باريس وموسكو خلال الشهرين المقبلين (التفاصيل).
كما تمكنت الإدارة الأميركية من مكافأة حليفها الإسرائيلي عبر تكريس المسار التطبيعي العربي معه خلال المؤتمر، حيث تجنب الرئيس الأميركي جورج بوش ذكر سوريا، من دون أن ينسى أن يُعرج على «لبنان الديموقراطي» الذي رأى أنه «ضرورة للسلام» في المنطقة، وأن يقر بـ«يهودية الدولة الإسرائيلية».
وبعد عودته إلى واشنطن، أعرب الرئيس الأميركي، للصحافيين، عن خشيته من «عواقب فشل المسعى إلى السلام»، والذي وصفه الرئيس الفلسطيني محمود عباس بأنه «فرصة لا تتكرّر».
وقال بوش إن «الأمر يستحق المحاولة. الخطر أنه إذا لم يكن للفلسطينيين رؤية تعطيهم الطموح والأمل، فمن المحتمل أننا سنخسر جيلاً كاملاً، أو مجموعة أجيال، لحساب المتطرفين والمتشدّدين».
وفي ما يتعلق بلبنان، قال بوش، في كلمته الافتتاحية، «إن الشعب اللبناني بصدد انتخاب رئيس. وهذا قرار يعود إلى الشعب اللبناني الذي يجب أن يكون قادراً على القيام بذلك من دون تدخلات ومضايقات خارجية». وأضاف «نحن نؤمن أن الديموقراطية تجلب السلام. والديموقراطية في لبنان ضرورية أيضاً للسلام في الشرق الأوسط». وتابع «ومع بدء الشعب اللبناني هذه العملية، عليه أن يعلم أن الشعب الأميركي يقف إلى جانبه. ونتطلع إلى اليوم الذي سيتمكن فيه الشعب اللبناني من التمتع بنعم الحرية من دون خوف من العنف أو الإكراه».
أما وزير الثقافة اللبناني طارق متري فرأى، في كلمته، أن «أي حل عادل للقضية الفلسطينية لا يمكن أن يتجاهل حق اللاجئين بالعودة»، مشيراً إلى أن «لبنان يرفض التوطين». وشدّد متري على ضرورة «إنهاء الاحتلال الإسرائيلي لمزارع شبعا وتلال كفرشوبا والجزء الشمالي من قرية الغجر، وإطلاق السجناء والمعتقلين اللبنانيين، وتسليم خرائط الألغام الأرضية والقنابل العنقودية، ووضع حد نهائي للخروق الإسرائيلية للسيادة اللبنانية».
وكان لافتاً تجنّب الرئيس الأميركي ذكر سوريا في خطابه، في خطوة رأت مصادر دبلوماسية غربية أن غايتها «ترك المجال للمحادثات الخاصة والقاعات المغلقة»، مشيرة إلى أن واشنطن «تسعى إلى تهيئة البيئة لمحادثات سورية ـــــ إسرائيلية». وأضافت أن الأميركيين والإسرائيليين يسعون إلى تقديم «جزرة كبيرة» إلى سوريا لفك تحالفها مع إيران.
من جهتها، قالت مصادر سورية مطلعة إن سوريا «حُشرت في الزاوية. لو رفضت المشاركة في المؤتمر، كان سيُقال: دعوناهم لبحث الجولان ولم يلبوا الدعوة. وبالتالي يحمّلون سوريا مسؤولية رفضها التفاوض حول أراضيها المحتلة. وإذا شاركت، سيقولون: إن مؤتمر أنابوليس فرز المعتدلين والمتشددين، وإن سوريا أصبحت في صفنا، وهو ما بدأوا يروّجون له»، مشيرة إلى أن «العبرة بالنتائج».
وتلى الجلسة الافتتاحية للمؤتمر اجتماع مغلق لمناقشة المسارين السوري واللبناني، اللذين دعا وزير الخارجية السعودي الأمير سعود الفيصل، في كلمته، إسرائيل إلى بدء التفاوض حولهما. وقال الفيصل «حان الوقت لكي تضع إسرائيل ثقتها في السلام بعد أن راهنت على الحرب لعقود من دون نجاح». وأضاف «يجب على إسرائيل والعالم أن يدركا أن السلام والاحتفاظ بأراض عربية محتلة أمران متعارضان، ومن المستحيل التوفيق بينهما ولا يمكن أن يتحققا». وأعلن تمسك بلاده بموقفها الرافض لأي تطبيع للعلاقات مع تل أبيب قبل التوصل إلى تسوية شاملة تنسحب إسرائيل بموجبها من كل الأراضي العربية التي احتلتها عام 1967.
بدوره، رأى السفير السعودي لدى واشنطن، عادل الجبير، أن حديث بوش عن إسرائيل كدولة يهودية «غير مقبول»، مشيراً إلى أن «هناك مليوناً ونصف مليون فلسطيني (يقيمون داخل اسرائيل) ولا يمكن للفلسطينيين ولا للدول العربية الأخرى أن تقبل بقيام دولة على أساس ديني».
وفي السياق، قال مسؤول عربي يشارك في مؤتمر أنابوليس، لوكالة «فرانس برس»، إن العرب المشاركين في الاجتماع «يشعرون جميعاً بخيبة أمل» بعد إعلان بوش «للتفاهم المشترك» بين الفلسطينيين والإسرائيليين. وأضاف «من الصعب أن تؤتي العملية التفاوضية التي أعلن عنها اليوم نتائج ولا يوجد شيء يدعو إلى التفاؤل». وأوضح أن «الشيء الوحيد الذي حصل اليوم هو أن الولايات المتحدة أعطت دفعة كبيرة لانطلاق المفاوضات ووافقت على التدخل مباشرة من خلال رئاستها لآلية متابعة المفاوضات، لكن الأزمة الفعلية أنها معتمدة على خريطة الطريق أي أنها معتمدة على مقاربة أمنية».
وكان لافتاً في «التفاهم المشترك» عدم التطرق إلى اللجنة الرباعية للسلام أو الأمم المتحدة، بل اعتمد الولايات المتحدة حكماً في مسار تطبيق الالتزامات الإسرائيلية والفلسطينية، وهو ما اعتبرته مصادر دبلوماسية غربية «دفناً للجنة الرباعية».
إلى ذلك، أعلن وزير الخارجية الفرنسي برنار كوشنير أن اجتماعي متابعة دوليين لاجتماع أنابوليس سيعقدان في باريس في 17 كانون الأول وفي موسكو في بداية 2008. وقال إن «الجميع دعا إلى مؤتمر باريس في 17 كانون الأول لإعطاء هذا التصور للدولة الفلسطينية محتوى واقعياً وحتى تتغير حياة الفلسطينيين». وأضاف أن وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف اقترح تنظيم اجتماع في موسكو حول المسار السوري ـــــ الإسرائيلي من عملية السلام «ربما بحلول نهاية كانون الثاني». وتابع: إن المسيرة التي أطلقت في أنابوليس تحظى بذلك بـ«متابعة لصيقة»، مضيفاً «أن ذلك يضفي جدية على هذه العملية التي تحتاج إلى ذلك، وأيضاً إلى القليل من الرومانسية».