بينما واصل الرئيس نبيه بري إقفال الباب أمام «حوارات عامة» حول الملف الرئاسي، وفيما أعلن العماد ميشال عون أن الحكومة الحالية يجب ألا تبقى، مضى فريق 14 آذار في خطة بديلة لمواجهة مسؤوليته عن إدارة البلاد في ظل الغياب الرئاسي. فبعد مداولات شملت القوى الرئيسية في الفريق الحاكم والولايات المتحدة الاميركية والسعودية وبعض العواصم العربية، تقرّر إطلاق حملة إعلامية تعتبر أن التوافق ممكن على اسم قائد الجيش العماد ميشال سليمان، الذي واصل من جانبه جولة على القيادات الروحية وبعض القيادات السياسية، بغية التأكيد على موقف الجيش الحيادي من التجاذب القائم وتحذيره من خطورة الوضع ودعوته القيادات السياسية الى العمل على منع الانفجار.ورغم أن تيار «المستقبل» اختار النائب عمار حوري لإعلان الموقف الداعم لتعديل دستوري لانتخاب قائد الجيش، قال مصدر مطلع إن التعديل الدستوري إن حصل إنما يستهدف الإتيان بحاكم مصرف لبنان رياض سلامة، وإن التركيز على ترشيح سليمان الآن هدفه نقل الارتباك من فريق 14 آذار الى المعارضة، لوجود اعتقاد بأنّ العماد ميشال عون سيرفض هذا الترشيح أو سيرفض تولّي سليمان رئاسة بولاية كاملة، وأن حزب الله سيصاب بالإحراج. فإن وافق الحزب فسيواجه مشكلة مع حليفه التيار الوطني الحر، وإن رفض فسيواجه مشكلة بين الجيش والمقاومة.
وبينما أبلغ رئيس الهيئة التنفيذية في «القوات اللبنانية» سمير جعجع قيادات مسيحية زارته خلال اليومين الماضيين أنه لا يعارض ترشيح قائد الجيش، فقد تمنّع عن إطلاق موقف علني من ذلك. وأدلى الرئيس أمين الجميّل بالموقف ذاته أمام بعض الشخصيات التي تربطها صلة بقائد الجيش. وحرص السفير الاميركي جيفري فيلتمان، بدوره، على إبلاغ شخصيات سياسية أن بلاده لا تضع أي فيتو على ترشيح قائد الجيش. وقال إن موقف واشنطن كان محصوراً في عدم تعديل الدستور. لكن فيلتمان لم يجب عن سؤال عما إذا كان موقف بلاده قد تغير من مسألة تعديل الدستور.
أما النائب وليد جنبلاط فدخل اللعبة نفسها من خلال تكليفه المسؤول في الحزب التقدمي الاشتراكي شريف فياض الإعلان أنه في حالة المقايضة بين الفوضى وبين قائد الجيش، فإن الأمر يدرس بجدية. كما كلف النائب الياس عطا الله إشاعة أجواء داخل قيادات في فريق 14 آذار بضرورة أخذ الأمر بجدية لمواجهة احتمال لجوء سوريا ومن معها الى انقلاب في لبنان.
وبينما أصرت قوى المعارضة على عدم إطلاق موقف يظهر منه أنها استدرجت الى نقاش لا تريده، قال مرجع فيها لـ«الأخبار» إن الأمر رهن الخطوات العملية من جانب فريق الاكثرية. وتحدث عن إشارات تبدو جدية في هذا الاتجاه وعن مناقشات في فريق 14 آذار حول سبل التعديل الدستوري، وما إذا كانت حكومة الرئيس فؤاد السنيورة قادرة على القيام بهذه المهمة. وقال العماد ميشال عون إن النقاش يبدأ بعد تقدّم الحكومة بمشروع لتعديل الدستور، وهو الموقف الذي كرره رئيس كتلة نواب حزب الله محمد رعد.
وتوجه المرجع المعارض بأسئلة الى فريق الحكم: لماذا يُرشَّح العماد سليمان بطريقة ملتوية، ومنذ متى يعلن النائب سعد الحريري موقفاً باسم كتلته عبر أحد نوابه المغمورين، ولماذا لم يبادر هو أو جنبلاط أو جعجع الى إصدار موقف رسمي باسم كتلهم النيابية من الأمر؟ ثم لماذا لا يصدر موقف موحّد باسم 14 آذار يعلن دعم ترشيح قائد الجيش ويبادر الى طلب تعديل الدستور؟ وحذر المرجع من احتمال قيام فريق الأكثرية بمناورة بهدف رمي الكرة في ملعب المعارضة وخلق تشنّجات بينها وبين الجيش.
ولفت المرجع الى أن الاتصالات مجمّدة، وأن الرئيس بري رفض البحث في الأمر نفسه أو في كل الملف الرئاسي ما لم يصدر موقف واضح ورسمي من جانب فريق 14 آذار، وأنه يمتنع عن مقابلة أي شخصية تريد البحث بالملف الرئاسي، بما في ذلك سفراء أجانب.

سليمان والانفجار

من جانبه، حافظ قائد الجيش على «هدوئه» بحسب متّصلين به. ونقل عنه زواره أنه يتعامل مع الأمر بجدية ولكنه يربط النتيجة بـ«حصول إجماع كامل من جميع الكتل النيابية، وإلا فلن أكون رئيساً تدعمني جهة وترفضني أخرى». وقال سليمان «إن الوضع في البلاد معقد للغاية، واستمرار الفراغ والتوتر سيقود حتماً الى انفجار كبير، وأنا أبلغت كل من ألتقيهم منذ فترة بأن بين يدي الجيش الآن قنبلة موقوتة، اعملوا على تعطيلها، وامنعوا الانفجار، وإذا كان الأمر يتطلب مني أن أكون أنا رئيساً فأنا مستعد أو فليأتِ رئيس آخر يحظى بإجماع الأطراف كافة». وخرج قائد الجيش مرتاحاً من لقاء وغداء مع الرئيس نبيه بري أمس، وهو يستمرّ على تواصله مع الآخرين، وفي برنامجه زيارات جديدة الى قيادات سياسية وروحية.

تموضع جنبلاط الجديد

في هذه الأثناء كان جنبلاط يكرر أمام زواره أنه تراجع عن معارضته الشخصية وأنه أخذ «يتموضع حيث توجب التطورات الاخيرة في لبنان والخارج». وقد أبلغ شخصيات قريبة منه أن «لبنان يمر في مرحلة صعبة وأمامنا الاختيار، إما الفوضى والحرب الاهلية وإما أن نقبل برئيس يوفر ضمانات للجميع، ويبدو أن قائد الجيش قادر على طمأنة سوريا وحزب الله وهو مقبول من المسيحيين عموماً ومن البطريرك الماروني نصر الله صفير على وجه الخصوص، وهو لم يكن في مشكلة مع فريق 14 آذار منذ اندلاع التحرك الاحتجاجي غداة جريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري، كما أن سلوكه في مواجهات نهر البارد يقول بأنه لا يقف عند اعتبارات هذه القوة أو تلك وأنه قادر على ضبط الأمن بصورة جدية في البلاد».
وإذ شدد جنبلاط ومن يحيط به على «أولوية الامن»، فإن رئيس الحزب التقدمي كرر أمام مسؤولي حزبه أن زيارته الاخيرة الى الولايات المتحدة أكدت له وجود مسعى جدي لصفقة بين واشنطن ودمشق، وأنه يريد السير بقائد الجيش لأن ذلك يمنع بقاء لبنان في الفراغ الذي يقول جنبلاط إنه «هدف سوريا الأساس». لكن جنبلاط لم يجب، كما هي حال الرئيس السنيورة، على كيفية تعديل الدستور.