بقي المشهد السياسي، أمس، على حاله في انتظار عودة النائب سعد الحريري من واشنطن التي يتوجّه إليها اليوم للقاء الرئيس الأميركي جورج بوش ونائبه ديك تشيني ووزيرة الخارجية كوندوليزا رايس ومن ثم الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون، على أن يعرّج في طريق عودته على باريس والرياض. وفيما هاجم الحريري دمشق مجدداً واتهمها بالوقوف وراء تنظيم «فتح الإسلام» لإقامة ما سمّاه «إمارة الإرهاب» في طرابلس، أكد الرئيس السوري بشار الأسد، في مقابلة مع هيئة الإذاعة البريطانية (بي بي سي) بثت كاملة أمس، أن «مصلحتنا أن يكون لبنان مستقراً».
وتحدّث مصدر مطلع لـ«الأخبار» عن ضغط أوروبي بدأ يُمارَس على الولايات المتحدة لتسهيل إجراء انتخابات رئاسية في لبنان بصيغة توافقية. وأشار إلى أن الأميركيين «باتوا مقتنعين بأن حصول أي فوضى سياسية وأمنية في لبنان في حال عدم انتخاب رئيس جديد، من شأنه أن ينعكس سلباً على المؤتمر الدولي الذي يحضّرون لعقده ويُتوقع أن يعقد في كانون الأول لا في تشرين الثاني». وقال المصدر إن هناك توافقاً دولياً بدأ يتبلور على وجوب حصول الانتخابات الرئاسية اللبنانية، لأنه لا مصلحة لواشنطن في انعقاد المؤتمر الدولي الذي ترعاه في ظل فوضى يمكن أن تعمّ لبنان. وجزم بأن هناك «خلافاً فعلياً» بين الحريري ورئيس «اللقاء الديموقراطي» النائب وليد جنبلاط، الذي أكد أنه لا يفوّض إليه التفاوض مع بري.
وأشار المصدر إلى أن الجانبين الفرنسي والسعودي يمارسان في هذه المرحلة ضغوطاً قوية لتسهيل تحقيق الحل المنشود، وهما لهذه الغاية يدعمان بشدة مبادرة رئيس مجلس النواب نبيه بري. ورأى أن الرسائل التي وجّهها جنبلاط إلى عدد من قادة دول العالم في شأن الاستحقاق الرئاسي وتأمين الحماية لنواب الأكثرية إنما هي «عبارة عن ربط نزاع»، وخصوصاً أن هناك حساسية كبيرة لدى المجتمع الدولي إزاء جرائم الاغتيال التي يُخشى أن تتكرر في هذه المرحلة.

الأسد

من جهته، أكد الرئيس السوري ضرورة العمل «من أجل تحقيق الاستقرار في لبنان لأننا دفعنا ثمناً باهظاً في لبنان بسبب الحرب الأهلية التي اندلعت في السبعينيات والثمانينيات». وقال «علينا أن ندعم الوفاق في لبنان. هذا موقفنا الآن. نحن ندعم أي إجماع في لبنان على أي قضية. ومن مصلحتنا أن يكون لبنان مستقراً».
ونفى الأسد ضلوع سوريا في الاغتيالات في لبنان. وقال ردّاً على سؤال عمّن ينفذ الاغتيالات: «لا نعلم، فنحن لسنا في لبنان». إلا أنه أقرّ بأن لدمشق «نفوذاً وعلاقات جيدة». وأوضح: «نحن بلد مجاور للبنان، إذاً من الطبيعي أن يكون لنا نفوذ. غير أن النفوذ يختلف عن ارتكاب الجرائم. نحن لم نقل مطلقاً إنه ليس لدينا نفوذ في لبنان، لكن يمكن أن يكون هناك نفوذ إيجابي ونفوذ سلبي. هذا ليس من مصلحتنا. ماذا جنينا من مقتل هؤلاء الأشخاص، هذا هو السؤال الذي ينبغي طرحه». وأضاف: «حتى عند اتهام سوريا، ينبغي أن يكون السؤال هل استفادت سوريا من ذلك؟ الجواب هو لا، والعكس هو الصحيح. نحن متّهمون والطرف الآخر، أو ما يوصف بالمعسكر المعادي لسوريا، هو المستفيد».
وفي المقابل، قال الحريري في إفطار أقامه مساء أمس لعائلات طرابلس إن معركة نهر البارد التي انتصر فيها الجيش اللبناني «قطعت الطريق على قيام إمارة الإرهاب في عاصمة الشمال، التي خططوا لقيامها ما وراء الحدود، ونظموا إدخال مئات المسلحين إلى الأراضي اللبنانية، وأقاموا المعسكرات داخل هذه الأراضي، لتكون الذراع الأمنية والتخريبية لنظام سياسي تعرفونه جميعاً، يريد أن يثأر لانسحابه من لبنان، عن طريق زرع الخوف والرعب والجريمة والتفجير».
وأكد الحريري «أن التهديد بالفراغ الرئاسي، أو بقيام حكومة ثانية، هو تهديد برمي لبنان في المجهول، وفتح أبواب البلد لرياح الخارج»، مشدداً على ضرورة «وصول رئيس جديد للجمهورية، مهما كانت الظروف والتحديات». وقال: «لا بد لهذا الرئيس من أن يكون قادراً على إعادة جمع اللبنانيين وتوفير مقوّمات حكم لا يكون ملحقاً لأي نظام غير النظام الديموقراطي اللبناني». ولفت إلى «أننا نريد رئيساً يُصنع في لبنان، وهذا ما سنقوله في أي مكان من العالم».
الى ذلك نقلت «وكالة الصحافة الفرنسية» عن مصدر قريب من الحريري أنه سيبحث خلال زيارته لواشنطن في عدد من القضايا من بينها المحكمة الدولية وانتخاب رئيس جديد. وأضاف إن الحريري سيبحث في الاستحقاق الرئاسي «الذي بات يفرض نفسه بعدما دخل لبنان زمن المهلة الدستورية» لانتخاب رئيس جديد. وأكد أن هذه الزيارة وجدول لقاءات الحريري فيها كانت مطلوبة منذ أكثر من شهرين، وأن الاستحقاق الرئاسي لم يكن بنداً رئيسياً من بنود المحادثات التي ستتناول أيضاً «المحكمة الدولية التي وصلت إلى مراحل تشكيلها، والتي اضطلعت الولايات المتحدة بدور مهم في إقرارها». وأضاف المصدر إن الحريري سيبحث في سبل «تنشيط المساعدات الاقتصادية والمالية» للبنان، موضحاً أنه سيلتقي في هذا الإطار رئيس البنك الدولي روبرت زوليك ورئيس صندوق النقد الدولي المنتهية ولايته رودريغو دي راتو، وأكد أن الحريري يسعى الى «تعزيز عملية تأهيل الجيش وقوى الأمن الداخلي».
وعشية سفر الحريري، أعرب السفير الأميركي جيفري فيلتمان عن «التفاؤل، بعد لقاءاتي بمسؤولين لبنانيين من كل الأطياف، وجميعهم يتوافق على ضرورة عقد الانتخابات الرئاسية في موعدها وفقاً للدستور اللبناني ومن خلال عملية يقرر فيها اللبنانيون من سيكون مرشحهم ورئيسهم المقبل».