منذ مدة غير وجيزة والكلام السياسي بين القوى النافذة يتركز على سؤال مركزي: ما هو بديل التوافق؟وإذا كان اختصاص المراجع السياسية هو الإكثار من الحديث التفاؤلي هذه الأيام، فإن النقاش في الغرف المغلقة كان ينحصر في أعمال رصد سياسية ورسمية وأهلية من كل فريق للآخر، ثم الانطلاق في الحديث عن عمليات تسلح وتدريب تقوم بها قوى سياسية من الطرفين، قبل أن يُدعى قادة الأجهزة الأمنية الى حضور جلسة وزارية برئاسة الرئيس فؤاد السنيورة لمناقشة هذا الملف، وهو ما انتهى الى نقاش على شكل استجواب قام به وزراء الاكثرية لمدير المخابرات في الجيش اللبناني العميد جورج خوري ورئيس فرع المعلومات في قوى الأمن الداخلي المقدم وسام الحسن عما يجري على الاراضي اللبنانية.
لكن المفارقة أنه بعد تأكيد رجلي الأمن حقيقة أن أعمال التسلح والتدريب جارية على قدم وساق ومن قبل الجميع، انتهى مجلس الوزراء الى لاقرار ومن دون أي إجراء جدي يحول دون استمرار هذه الظاهرة التي باتت حديث الناس العاديين الذي يتعرفون على أولادهم بصورة جديدة منذ شهور عدة.
وحسب المداولات نفسها، فإن الوزراء سألوا عن معلومات لدى القوى السياسية عن أعمال تدريب مكثفة تقوم بها قوى المعارضة. فرد العميد خوري بالقول إن المعلومات التي بحوزته تشير الى أن أعمال التدريب والتسلح جارية لدى الجميع وليست محصورة في فريق 8 آذار فقط. وتحدث صراحة عن أن انتشار الاسلحة الفردية في لبنان يمثل حالة عامة ولا يقتصر على مجموعات دون غيرها، وأن من المفيد عند البحث في قرار ما أن يعلم الوزراء بأن الحديث يشمل الجميع دون استثناء. وهو ما أيّده المقدم الحسن الذي أقر بأن الملف يصيب الجميع دون استثناء ولكنه ميّز بين فريق وآخر.
وحسب المعطيات التي عرضت في الجلسة، فإن حزب الله متهم بأنه أقام مخيّماً للتدريب في البقاع شارك فيه عناصر من التيار الوطني الحر ومجموعات تتبع سياسياً لكل من طلال ارسلان وزاهر الخطيب ووئام وهاب، وأن هذه العناصر باتت تقتني أسلحة في منازلها، لكن ليس هناك معطيات حاسمة عن وجود تنظيمات عسكرية متكاملة.
في المقابل فإن الحزب التقدمي الاشتراكي أعاد تدريب المئات من عناصره في مخيمات خاصة أقيمت في الشوف وإقليم الخروب. وكذلك فعلت القوات اللبنانية في جرود جبيل وبشري وكسروان، بينما نظم تيار «المستقبل» تدريبات بعضها في الشمال والجنوب وبعضها خارج لبنان.
وعند التدقيق حول سلاح حزب الله أجاب العميد خوري بأن لدى الحزب أسلحة من مختلف العيارات ولديه من المسدس حتى الصواريخ التي يصل مداها الى 250 كلم. وتخيلوا ما بين هذين النوعين، فيما قال الحسن إن الحزب التقدمي أزال مخيماً للتدريب في بعقلين بعدما اتصل هو بالنائب وليد جنبلاط، وإن المعلومات عن القوات اللبنانية ليست حاسمة، وتحدث عن شراء أفراد من تيار «المستقبل» 500 بندقية ولكن في إطار فردي، وأن التدريبات التي يجريها هذا الطرف تتم على أساس مدني لا عسكري وأنها تخص شركات أمنية خاصة تعمل لحماية قادة وعناصر التيار المهددين بحياتهم. وأصر الحسن على أن التيار الوطني الحر يقوم بأعمال تدريب وبعمليات تسليح لعناصره في أكثر من مكان، وأن الحزب القومي يقوم بالامر نفسه.
وسأل الوزير أحمد فتفت عن حقيقة المعلومات التي تشير الى أن حزب الله نقل أسلحة الى المعتصمين في وسط بيروت التجاري، فرد مدير المخابرات بأنه ليس لديه معلومات بهذا الخصوص، ولكن الجيش مستعد لمداهمة مخيّم الاعتصام إذا طلبت منه الحكومة ذلك وتفتيش الخيم والمعتصمين، ولكن الوزير غازي العريضي قدم مداخلة فهم منها أن هذا الموضوع ليس مطروحاً الآن للبحث.

الجميّل والتحقيقات

من جهة ثانية، تفاعل موقف الرئيس الأعلى لحزب الكتائب أمين الجميّل من التحقيقات اللبنانية في جريمة اغتيال نجله بيار وفي جريمة اغتيال النائب انطوان غانم، وبعدما اطلع من رئيس لجنة التحقيق الدولية سيرج براميرتس على معلومات لا تؤكد التوصل الى شيء، أجرى اتصالات بالقضاء اللبناني، ما دفع بوزير العدل شارل رزق الى ترتيب زيارة لبكفيا برفقة المدعي العام التمييزي سعيد ميرزا والمحقق العدلي في جريمة اغتيال الجميّل الابن عدنان بلبل.
وفي معلومات «الأخبار» أن الوفد قدم للرئيس الجميّل معظم ما لديه من معلومات عن التحقيقات الجارية، ورد الجميل بأن تحدث صراحة عن «اقتناعه التام بأن تناقضات كبيرة أفرزتها الوقائع وأن إفادة أحد الموقوفين عن دور لمسلحي فتح الإسلام لم تنطبق على أي من الوقائع الميدانية ولا على نتائج الفحوص المخبرية للسيارة ولبصمات الجناة»، كما أبدى رفضه وشكوكه حول «هدف التسريبات المستمرة حول التحقيقات وأن يكون هدفها توفير الحماية للجناة الحقيقيين»، وطلب تزويده بمعلومات جدية والتوقف عن التسريبات التي تأخذ طابعاً سياسياً.

الحريري في واشنطن

الى ذلك، يستقبل الرئيس الاميركي جورج بوش اليوم في واشنطن، النائب سعد الحريري في لقاء يتوقع أن تكون لنتائجه انعكاسات على الاستحقاق الرئاسي، فيما سجل موقف لافت لمجلس المطارنة دعا فيه الى إنهاء الاعتصام في الوسط التجاري، وجاء بعد تسريبات إعلامية تمارسها جهات في الموالاة منذ أيام وتتحدث عن أن الامين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله سيعلن في خطابه المتلفز مساء غد في مناسبة يوم القدس رفع الاعتصام، الأمر الذي نفته أوساط حزب الله والمعارضة، ونفاه صراحة أمس نائب رئيس المجلس السياسي لـ«حزب الله» محمود قماطي اثر زيارته ووفداً من أحزاب المعارضة، رئيس تكتل التغيير والإصلاح العماد ميشال عون وقال: «ليس هناك ما يدعو الى إنهاء الاعتصام في وسط بيروت لأن التوافق لم يعلن بعد لإزالة الخيم. وإذا توصلنا فعلاً الى توافق جدي، تصبح كل الأمور قيد الحل».
وإلى ذلك تشتبه المعارضة في وجود مخطط لدى الأكثرية يهدف إلى تأمين ضغط دولي لرفع الاعتصام من ساحتي رياض الصلح والشهداء، أو للتذرّع به لعدم المشاركة في جلسة الانتخابات المقررة في 23 من الجاري، من خلال قيام نواب بالتحرّش بالمعتصمين عبر محاولتهم الوصول إلى مكاتبهم في المجلس النيابي من الطريق المحاذية لمكان الاعتصام، حتى إذا حصل إشكال بينهم وبين بعض المعتصمين، تتخذ الموالاة منه ذريعة لإعلان رفضها حضور جلسة انتخاب رئيس الجمهورية «لأنها جلسة تعقد تحت التهديد».