بعد تأخيره تسع ساعات، وأخذ ورد استمرا طوال اليوم، عُقد مساء أمس اجتماع بكركي الأول مع بين البطريرك الماروني نصر الله صفير والزعيمين المارونيين الأبرز في المعارضة، العماد ميشال عون والوزير السابق سليمان فرنجية اللذين شدّدا على أن الإقرار بنصاب الثلثين «مدخل للتوافق على رئاسة الجمهورية»، في الوقت الذي أكد فيه الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي، لدى استقباله أمس النائب سعد الحريري، على ضرورة الاتفاق على «رئيس يتمتع بتوافق واسع». ومع دخول البلاد عطلة عيد الفطر، فإن الأنظار تتجه الى اللقاءات المتوقع انعقادها بين الرئيس نبيه بري العائد من جنيف والنائب الحريري المنتظرة عودته من باريس بعد أن يعرّج على الرياض. وبعد الاجتماع الذي استغرق زهاء ساعتين في بكركي، بحضور اللجنة الأسقفية المؤلفة من المطارنة سمير مظلوم ويوسف بشارة وشكر الله حرب وبولس مطر ورولان أبو جودة، صرح عون بأن تأخير الاجتماع «تم بناءً على تفاهم مسبق»، و«أعطي معاني سلبية وتعليقات غير مؤاتية». وقال: «استعرضنا الأوضاع التي أوصلتنا إلى هذه المسألة. كان اللقاء إيجابياً ونأمل أن نتوصل مع الموالاة إلى تفاهم للحل». وأضاف: «إننا نبعث برسالة أمل ونحن مستعدون للتعاون مع الآخرين ليخرج لبنان من هذه الأزمة»، متمنياً على «الفريق الآخر أن يعلن مطالبه بوضوح». وأكد أن «الموضوع الأساسي المطروح هو التوافق على الرئاسة وكيفية الوصول إلى اتفاق حول الرئيس العتيد، أما المسائل الأخرى فهي ثانوية».
أما فرنجية فقال في دردشة مع الصحافيين: «اللقاء مع الآخرين غير مستحيل ولكنه يجب أن يكون مبنياً على أسس ومواد إذا توافرت فاللقاء ليس صعباً». ورداً على سؤال عن اعتصام المعارضة في وسط بيروت، أكد فرنجية أن «الخيم باقية حتى تحل القصة».
وعلمت «الأخبار» أن صفير تحدث الى عون وفرنجية عن الوضع المسيحي ومخاطر الفراغ في رئاسة الجمهورية، مشيراً الى أن الرئاسة هي «عنوان وحدة المسيحيين». وكرّر البطريرك الماروني موقفه بضرورة توافر نصاب الثلثين في جلسة انتخاب رئيس الجمهورية، لافتاً الى أن دعوته الجميع الى المشاركة في الجلسة «لا تعني أنه يحق للموالاة إجراء الانتخاب بالنصف زائداً واحداً». وأوضحت المصادر أن صفير لم يتطرق الى مسألة حضور الجميع الجلسة، وإنما شدّد على ضرورة إجراء الانتخابات في موعدها.
وقالت المصادر إن عون أكّد أن «مدخل التوافق هو أن يقر فريق 14 آذار بنصاب الثلثين، وإذا حصل توافق على الثلثين يصبح التوافق على الرئيس أسهل». وقدّم رئيس «تكتل التغيير والاصلاح» مداخلة طويلة، نبّه فيها من استمرار المسيحيين في تقديم التنازلات، وتحدّث بإسهاب عن أهمية نصاب الثلثين في حماية حقوق المسيحيين بعدما كان قبل الطائف ضمانة للمسلمين. وحذّر عون من التنازل عن رئيس يمثل المسيحيين.
وذكرت المصادر أن البطريرك الماروني سيركّز في لقائه مع موارنة الموالاة اليوم على التوافق، وبناءً على أية نتائج إيجابية يخرج بها يمكن الدعوة الى لقاء مصغّر يحضره عون وفرنجية عن المعارضة وممثلان عن الفريق الآخر.
وقالت أوساط قريبة من بكركي إن صفير أعرب، وسيعرب في لقاء اليوم، عن قلقه من المنحى الذي أخذه التنافس بين المعارضة والموالاة والذي يهدد بإطاحة الاستحقاق الرئاسي ومعه الجمهورية برمّتها، وإنه سيضع كل الأطراف أمام المسؤولية التاريخية بعدم المساهمة في الوصول إلى الحائط المسدود. وأضافت انه إذا لمس سيد بكركي التجاوب اللازم لدى هذه الأطراف للمضي قدماً في اتجاه التوافق، فإنه على استعداد لمتابعة مبادرته والانتقال إلى خطوة متقدمة بعد أن ينال تعهداً بالتعاطي بجدية وانفتاح مع دور البطريركية المارونية. أمّا إذا خرج بانطباع بأن هذه الأطراف غير مستعدة للتجاوب أو غير قادرة نتيجة التزامات سابقة قامت بها، فإنه سيتشاور من جديد مع مجلس المطارنة الموارنة، «والأمر الأكيد أنه لن يقبل بدور المتفرج»، وسيعلن موقفاً يحدّد فيه ثوابت بكركي.

الحريري

وفي باريس، استقبل الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي في قصر الإليزيه النائب الحريري الذي التقى لاحقاً وزير الخارجية برنار كوشنير. ولم يدل الحريري بعد اللقاءين بأي تصريح، فيما لوحظ خروجه متجهّماً من الـ«كي دورسيه».
وقال الناطق باسم الرئاسة دافيد مارتينون إن اللقاء أتاح «مناقشة الوضع اللبناني في إطار الانتخابات الرئاسية»، وإن ساركوزي «كرّر أمله أن يفيد كل الأطراف من المهلة الجديدة التي منحوها لأنفسهم حتى 23 تشرين الأول لتكثيف حوارهم بهدف إجراء الانتخابات ضمن المهل المقررة وتطبيقاً للنصوص الدستورية (واختيار) رئيس يتمتع بتوافق واسع».
وأفادت «الوكالة الوطنية للإعلام» أن المحادثات تركزت على إجراءات تسريع إنشاء المحكمة الدولية، وأن ساركوزي أبلغ الحريري أن فرنسا قررت المساهمة بمبلغ 6 ملايين دولار في الصندوق المنشأ من الأمم المتحدة لهذه الغاية، كما أكد «دعم فرنسا الكامل للدولة اللبنانية واستعدادها للاستجابة العملية لطلب النائب الحريري دعم الجيش اللبناني وقوى الأمن الداخلي من خلال برنامج مكثف ومحدد».
وأفادت مصادر مطلعة في باريس أن كوشنير كرّر للحريري في اللقاء الذي حضره المبعوث الفرنسي جان كلود كوسران ورئيس دائرة الشرق الأوسط في الخارجية فيليكس باغانون، موقف بلاده بضرورة إجراء الانتخابات «ضمن الأطر الدستورية اللبنانية». وكان لافتاً دخول رئيس المحكمة الدولية في لاهاي فيليب كيرش الى مبنى الخارجية قبل ساعة من لقاء كوشنير والحريري، ولم يُعلم ما إذا كان انضم الى اللقاء.
وفيما نقلت وكالة «يو بي آي» عن مصدر رسمي لبناني أن وزيري خارجية إيطاليا ماسيمو داليما وإسبانيا ميغيل انخيل موراتينوس سيصلان إلى بيروت في 19 من الشهر الجاري، وهي الزيارة التي تردد أن كوشنير سيرافقهما فيها، علمت «الأخبار» أن كوسران قد يسبق الوزراء الثلاثة الى العاصمة اللبنانية.

جنبلاط

الى ذلك، نقل زوار رئيس «اللقاء الديموقراطي» النائب وليد جنبلاط عنه قوله إنه غير مرتاح الى الموقف الاميركي، وإنه يتوقع أن يسمع، عندما يزور واشنطن الاسبوع المقبل، موقفاً أميركياً يدعو الموالاة الى الاتفاق مع المعارضة على رئيس جمهورية جديد. كذلك أعرب جنبلاط عن عدم ارتياحه الى مبادرة رئيس مجلس النواب نبيه بري واللقاءات التي يعقدها مع الحريري، مؤكداً تمسكه «بقوة» بترشيح النائب بطرس حرب والنائب السابق نسيب لحود.

الأسد

الى ذلك، رأى الرئيس السوري بشار الأسد أن الانقسام بين اللبنانيين «ينعكس على العلاقات السورية ـــــ اللبنانية»، معتبراً أنه «انقسام بين قوى ترهن نفسها للوطن وللعلاقات العربية ـــــ العربية من خلال إصرارها على عروبة لبنان، وبين قوى كانت دائماً تتحدث عن ربط مصيرها بالخارج، وتضع لبنان في مهب الريح، أي أن يكون مصيره مرتبطاً بمصير الصراعات الإقليمية، التي لا يبدو أنها ستنتهي في المستقبل القريب، وهذا يعني أن لبنان لن يستقر في المستقبل القريب».
وتابع الأسد في حديث الى صحيفة «الشروق» التونسية: «لدينا وجهة نظر تجاه أي تيار يصبح أقرب إلى إسرائيل أو يرتهن إلى الخارج ولا يمكن أن نبني مستقبل العلاقة السورية اللبنانية مع قوى لا تؤمن بلبنان». واعتبر أن لبنان «استقر في مرحلة ما بعد اتفاق الطائف عندما كان ضد إسرائيل، وأخذ بالتوجه العربي ودعم المقاومة»، مشيراً إلى أن «أي بلد يخرج عن هذا المنطق في منطقتنا يصبح بلداً غير مستقر».
وعن تمسك قوى «14 آذار» بالتصعيد مع سوريا، قال الأسد «إن رموز هذا التيار مرتبطون بأجندة خارجية وهم لا يخفون هذا الموضوع ويعطون جواباً واضحاً عليه من خلال تصريحاتهم واستقوائهم بالأجنبي، ومن خلال بنائهم الآمال على ما سيتم من مخططات أجنبية: العدوان على لبنان لضرب المقاومة والعدوان على سوريا وضرب إيران».