بانتظار المزيد من الأيام والتوضيحات التي تكشف عن الخلفيات السياسية لما حصل، نجح وسيط الأمم المتحدة الذي يتابع ملف المفاوضات بين إسرائيل وحزب الله في تحقيق خطوة امس، تبيّن أن لها أبعادها التي تتجاوز ما حصل في الناقورة، لتمتد نحو ما يجري في ألمانيا وفي أماكن أخرى من العالم.ووسط تكتم غير مسبوق من جانب الطرفين، أنجزت ليل أمس عملية التبادل بين حزب الله وإسرائيل التي سلمت لبنان الأسير حسن نعيم عقيل المعتقل منذ حرب تموز 2006، وجثماني شهيدين للمقاومة، مقابل تسلمها جثة المستوطن الإثيوبي من يهود الفلاشا غابريال دهويت الذي غرق في مياه البحر التي قذفته قبالة الشاطئ اللبناني.

تفاصيل الصفقة

وعلمت «الأخبار» أن المفاوضات الجارية بين الطرفين لم تتوقف وكذلك الاتصالات التي يقودها وسيط دولي وهو موظف في الحكومة الالمانية، وأن التعثر في صفقة شاملة تخصّ الجنديين الاسرائيليين اللذين أسرهما حزب الله في تموز 2006، بسبب رفض حكومة إيهود أولمرت الاستجابة لشروط المقاومة، دفع بالجانب الألماني الى إثارة نقاط يمكن النفاذ من خلالها نحو تحقيق انفراجات ولو جزئية، وكان أن أخرج حزب الله من ملفاته القضية المتعلقة بالمستوطن اليهودي دهويت الذي كان يعمل صياداً وفقد قبالة شاطئ حيفا بتاريخ 20/1/2005 وعثر عليه حزب الله قبالة الشاطئ اللبناني في تلك الأيام. وقد حصل خلال تلك الفترة أن قام الصليب الأحمر الدولي بعملية بحث عنه دون التوصل الى نتائج.
وبعدما أعد الصليب الأحمر ملف مواصفات خاصة بالمستوطن المفقود، أجرى حزب الله اختبارات تأكد بعدها أنها تتطابق ومواصفات جثة المستوطن الموجودة لديه، ولكن الاسرائيليين لم يُجروا أي اتصال بشأنه خلال تلك المدة، وبعدما أثار الوسيط مسألة المستوطن المفقود، طرح فكرة إنجاز صفقة ذات بعد إنساني، ويكون لها تأثيرها المعنوي المباشر على عملية التفاوض التي تواجه عقبات جدية، وكانت المفاجأة بإعلان حزب الله استعداده للأمر وإبلاغه الوسيط أن جثة المستوطن بحوزته.

رسالة بخط أراد

أما في ما خص قرار الحكومة الألمانية الإفراج المبكر عن الموقوفين الايراني كاظم درابي واللبناني عباس رحيّل آخر هذه السنة، فقد تبيّن أن إسرائيل حاولت الضغط على الحكومة الألمانية لمنع تحقيق هذه الخطوة في إطار تبادل معلومات ومبادرات بين برلين وحزب الله. وأصرت حكومة تل أبيب على أن يكون الأمر جزءاً من الصفقة الإجمالية، لأن المفاوضات التي جرت سابقاً وتعطلت بسبب عدم تحرك ملف الطيار الاسرائيلي رون أراد، كانت قد خضعت لضمانات مختلفة بينها تعهد ألمانيا ودول أوروبية أخرى بعدم إطلاق سراح مناضلين ومقاومين لبنانيين ومن جنسيات عربية إلا بعد تقديم حزب الله معلومات حاسمة عن أراد.

ألمانيان: إسرائيلي وتركي

وفيما كانت السلطات الألمانية منهمكة في تحقيق تسوية سريعة لمواطنها من أصل إسرائيلي دانيال شارون الذي أوقف في بيروت ولم يظهر أن له أي نشاط أمني وأن أمره كان محصوراً في قضية لواط، انشغل رجال المخابرات الألمانية في لبنان وسوريا بمتابعة مفاوضات حول شخص آخر موقوف لدى السلطات اللبنانية، وهو مقاتل من أصل تركي اعتُقل ضمن مجموعة تنظيم فتح ـــــ الإسلام. وقد جرت اتصالات ظلت تفاصيلها طيّ الكتمان لتأمين نتائج نهائية.
وإزاء الطلب الألماني من حزب الله وجوب مساعدته على تحقيق نتائج سريعة، تم فحص خطوة كالتي جرت امس، على أن تشمل معلومات خاصة عن رون أراد، وبالفعل، فاجأ حزب الله الوسيط الدولي والحكومة الإسرائيلية بمعلومات خاصة عن أراد، ولكنها تعود الى زمن توقيفه، وهي عبارة عن أوراق مكتوبة بخط يده، وهو ما فحصته السلطات الاسرائيلية، برغم أنها ساعدت عائلة أراد على التوجه سريعاً الى برلين، التي وصلها أمس شقيق أراد وابنته للقاء المسؤولين الألمان وطلب عدم الافراج عن درابي ورحيّل. وهو الامر الذي أقرت ألمانيا بصورة نهائية كما أبلغت ذلك المستشارة انجيلا ميركل الى أولمرت الاسبوع الماضي.
لكن مصادر اخرى قالت إن القرار الالماني يأخذ بعين الاعتبار قراراً ايرانياً بإطلاق سراح مواطن ألماني أدين بتهمة التجسس وقضى عقوبة السجن منذ 16 شهراً في السجون الإيرانية لكن أُطلق سراحه قبل عدة أشهر.

حزب الله

وبعد مرور ساعات قليلة على إنجاز عملية التبادل عند نقطة الناقورة الحدودية، أذاع حزب الله البيان الآتي: «لمناسبة عيد الفطر المبارك جرت (امس) عملية تبادل كتعبير عن حسن النوايا الانسانية بين الطرفين. حرّر حزب الله أسيراً لبنانياً كان قد اعتقل خلال عدوان تموز الاخير بالإضافة الى استعادة جثماني شهيدين من المقاومة استشهدا في الحرب الاخيرة ايضاً، وعلى الجانب الآخر تم تسليم جثة مستوطن إسرائيلي من أصل إثيوبي كان قد فقد في حيفا عام 2005 ودفعته المياه الى الشواطئ اللبنانية، وقد أعيد الى عائلته، كذلك تم تسليم وسيط الأمم المتحدة بعض المعلومات المتعلقة بقضايا إنسانية ذات اهتمام مشترك، وذلك لإحراز تقدم في هذه القضايا. يأمل حزب الله أن تساعد مبادرات حسن النوايا هذه على إحراز التقدم لإنهاء كافة الملفات المتعلقة بالاسرى والمعتقلين».

.. وإسرائيل

في المقابل صدر عن مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي بيان جاء فيه: «في إطار العملية التي تم تنفيذها مررت إسرائيل لحزب الله جثتيْ مخرّبين من عناصر المنظمة قتلا خلال معارك حرب لبنان الثانية، وأسيراً واحداً أطلق سراحه لأسباب صحية، وفي المقابل أعاد حزب الله لإسرائيل جثة المواطن الإسرائيلي غابريال دهويت الذي قضى في ظروف غير واضحة وجُرفت جثته إلى الشاطئ اللبناني، وأبلغت عائلة دهويت التي تسكن في بئر السبع كما أبلغت عائلات الجنود الأسرى في وقت سابق. وبالاضافة الى ذلك مرر حزب الله معلومات إضافية لإسرائيل تتعلق بقضية أخرى وسيتم فحص نوعيتها في الوقت القريب».
وأضاف أن «عملية التبادل مساء اليوم تشكل مرحلة أخرى في المفاوضات المتواصلة بوساطة الأمم المتحدة لاستعادة جنودنا المخطوفين، ورغم أن الطريق لإنهاء المفاوضات ما زالت طويلة فإن إسرائيل تتوقع أن تشكل الخطوة الهامة التي جرت هذا المساء دفعاً لتسريع الخطوات بهذا الخصوص والمستمرة منذ عام».
وقال مسؤول إسرائيلي في رئاسة مجلس الوزراء لوكالة الصحافة الفرنسية إن «حزب الله سيقدم لإسرائيل معلومات عن رون أراد في إطار اتفاق تبادل الاسرى». (تفاصيل عملية التبادل وتقارير المراسلين ص 8).