يبدو أنّ الاستراتيجيّة الأميركيّة العسكريّة في العراق، عدّلت أولوياتها، واستبدلت التنظيمات المسلّحة السنيّة، وفي مقدّمها «القاعدة»، الذي كان على رأس لائحة الاستهداف، بالتنظيمات الشيعيّة، وفي مقدّمها «جيش المهدي»، الذي يخوض معارك ضارية في مدن الصدر وكربلاء والديوانيّة ضد قوات الاحتلال.ونشرت صحيفة «واشنطن بوست» أمس تفاصيل خطّة وضعها أرفع مسؤولَين أميركيَّين في بلاد الرافدين، قائد قوّات الاحتلال الجنرال دايفيد بيترايوس والسفير لدى بغداد ريان كروكر، تندرج ضمن استراتيجيّة جديدة تدرس إمكانات واحتمالات الانسحابات الأميركيّة الجزئيّة من هذا البلد، بالإضافة إلى قدرات القوى الأمنيّة العراقيّة على تسلّم الأمن من عدمه، لتستنتج في النهاية، أنّ هناك صعوبة جدّية في نقل المسؤولية الأمنية إلى العراقيين نظراً إلى نفوذ الميليشيات داخل أجهزتهم.
وكشفت الصحيفة أنّ كلاً من بيترايوس وكروكر باتا على ثقة بأنّ تنظيم «القاعدة» انحسر وزنه جذريّاً بعد الضربات القويّة التي تلقاها من الجيش الأميركي، وأنّ الارتفاع الكبير لنفوذ الميليشيات الشيعيّة، «بعضها مدعوم من إيران»، وفي مقدّمها «جيش المهدي» التابع للتيار الصدري، أصبح هو الخطر الفعلي على أمن القوات الأميركية وعلى مشروعها تثبيت الأمن في البلاد.
وأوضحت الصحيفة أنّ الخطّة، التي وضع الرجلان آخر تفاصيلها يوم الأربعاء الماضي، تمتدّ حتّى صيف 2009.
ونقلت عن «مسؤول دبلوماسي رفيع المستوى» في السفارة الأميركية لدى بغداد، قوله إنه «فيما تخلّى المتمردون السنّة عن مقاتلتنا، أصبحت المشاكل التي نواجهها مع منظمات الجريمة وغيرها من الميليشيات، والعديد منها شيعية، أكثر أهمية».
ومع ذلك، تؤكد الصحيفة أن قادة الاحتلال متنبهون إلى أنّ استهداف الميليشيات الشيعيّة يبقى مسألة «حسّاسة» بالنسبة إلى الحكومة العراقيّة ذات السيطرة الشيعيّة، مقارنة مع جهود مقارعة تنظيم «القاعدة» السنّي. وتنقل الصحيفة عن مسؤول عسكري أميركي «عندما تستهدف تلك الميليشيات، تكون قد أصبحت أقرب إلى منزل هؤلاء السياسيين الشيعة... لذلك فالمسألة أكثر حساسيّة».
وفي بعض مراحل النقاش بشأن الخطّة، اختلف بعض الدبلوماسيّين مع المسؤولين العسكريّين الذين يعبّرون عن اعتقادهم، بحسب الصحيفة، بأنّ على الولايات المتّحدة ممارسة دور أكبر لإطاحة المسؤولين الحكوميّين والقادة في الأجهزة الأمنيّة العراقيّة «الذين يتّبعون أجندة طائفيّة في كيفيّة تحديد توزيع الموارد ومن يستهدفون».
وفي سياق آخر، قالت الصحيفة إنّ كبار المسؤولين في وزارة الدفاع الأميركيّة (البنتاغون) ومسؤولي وزارة الخارجيّة والجنرال بيترايوس نفسه، مقتنعون بأنه تجدر دراسة التطوّرات الحاصلة على الساحة العراقيّة والإقليميّة، لوضع خطّة شاملة بشأن مستقبل قواتهم في العراق، مشدّدة على أنّ هذه الخطّة، التي تتألّف من 200 صفحة، ستُنجَز وسيوقّع عليها بيترايوس وكروكر في منتصف الشهر المقبل. غير أنّ الصحيفة أكّدت أنّ الخطّة المذكورة لا تحدّد «جدولاً زمنيّاً» للانسحاب.
وعن مغادرة الفرق القتاليّة الخمس التي تعهّد الرئيس جورج بوش سحبها من بلاد الرافدين بحلول تمّوز المقبل، نقلت الصحيفة عن مصادر سياسية قولها إنّ هذه الخطوة ستعتمد على التقدّم الحاصل ميدانيّاً وأمنياً. وفي هذا السياق، رأى مستشار بيترايوس، الجنرال جون مارتن، أنّه «إذا ارتأى بيترايوس أنّ الوضع الأمني لا يزال سيّئاً، فسيعود ويطلب من الرئيس بوش إبقاء هذه الفرق في العراق».
في المقابل، يقول مسؤول رفيع مقرّب من الخطّة، إنّ «مكتب وزارة الدفاع» و«القيادة المركزيّة» سيكونان سعداء مع خروج المزيد من القوّات، و«إذا كان بإمكانهم أمرنا بتطبيق إعادة انتشار للقوّات، بطريقة أسرع، سيفعلون ذلك»، إلّا أنّ بوش هو «إلى جانب القيادة العامّة» التي تفضّل إطالة البقاء.
ويلفت مسؤولون من وزارة الدفاع والمؤسّسة العسكريّة إلى أنّه «رغم أهمّية العراق الاستراتيجيّة، هناك مشاكل أخرى في العالم»، مثل إيران وأفغانستان ولبنان والقرن الأفريقي.
وتدعو الخطّة إلى إجراء اتّصالات مكثّفة مع الحكومة العراقيّة من أجل تأمين تجديد القرار الدولي الذي يسمح للقوّات الأميركيّة بالبقاء في العراق حتّى نهاية العام المقبل.
وبحلول نهاية العام المقبل، تفترض الخطّة توقيع اتّفاق يحقّق علاقة استراتيجيّة بين البلدين، واتّفاق مماثل قد يجيز عمل القوّات الأميركيّة المتبقّية في العراق. ويفترض مسؤول في وزارة الدفاع أنّ عديد هذه القوات سيصل في نهاية المطاف إلى نحو 50 ألف عنصر.