زياد الرحباني
... وممّا أذكره صراحة، أن لجنة الحوار الوطني وصلت إلى مناقشة «خطّة لبنان الدفاعية»، بعدما توافقت على مجموعة نقاط ساخنة تاريخياً، بحسب تاريخ: ما بعد اغتيال الرئيس رفيق الحريري، وقرّر المجتمعون، مجتمعين وقتها، أن يؤجّلوا البحث إلى ما بعد انتهاء الصيف، لإفساح المجال أمام السياحة والمجد. كان ذلك بداية صيف عام 2006، بإذنه تعالى. وإذا بحزب الله في 12 تموز، يقوم بعملية مزدوجة على الحدود يقتل فيها جنوداً ويأسر جنديين ويطالب في المقابل بإطلاق المعتقلين اللبنانيين، وسمير القنطار على رأسهم. فيبدأ العدوان الإسرائيلي الشامل على كل الجمهوريات اللبنانية المتحدة. أذكر أن الطيران الحربي على أشكاله لم يغادر الأجواء اللبنانية، وأذكر جيداً أنه كان إسرائيلياً، أو على الأقل هذا ما قيل وأُشيع وقتها. غريب! وخاصةً أن العدو الإسرائيلي نفسه كان يدّعي أن طيرانه قصف وأصاب، حتى لو لم يُصب أحياناً، أو أنه أصاب كلّ شيء، فعلاً غريب! هذا بالإضافة إلى البوارج التي دكّت السواحل وبعض العمق كالضاحية الجنوبية، نموذجياً، والتي كانت كلها إسرائيلية أيضاً، للمصادفة. غريب! وكلنا يذكر يوم أعلن الأمين العام السيد حسن نصر الله أن المقاومة ستقصف بارجةً جاثمةً قبالة شاطئ بيروت، وقد تمّت بعد دقائق بالفعل إصابتها. لقد كانت بارجةً إسرائيلية علناً. وهل ستتبع لبحرية عمر بن الخطاب؟ وكان لإصابتها، «بالعلامة»، دفعٌ معنويٌ هائلٌ للبنانيين، ضد إسرائيل وليس ضد البريستول ولا قوى فارس سعيد! لقد كانت معركة وادي الحجير هزيمةً صعبةً للميركافا الإسرائيلية، صدّقوني، وليس للقوات اللبنانية، ولا أنطوان لحد(*)، إن كنتم تذكرونه. لا ميركافا لدى القوات اللبنانية اليوم ولا لحد. فعلاً، غريب. أما معركة مارون الراس المضيئة، والعدو هذه المرة كان أيضاً إسرائيلياً، فكانت كذلك نكسة مريعةً لقوات النخبة الإسرائيلية وللواء غولاني وليس لطلائع بني معروف وفاعور وفيّاض التقدميّة. فالطلائع هذه أساساً، كانت منهمكة باستقبال النازحين من الجنوب المنكوب وبدعمهم تماماً، ولقد شكرنا ربّنا وقتها على هذا القطوع. أما وحدات «المستقبل» الحديثة، وشركاته الفندقية الأمنية الخاصة النظامية، فباستثناء قصف جسرٍ صغيرٍ مهجورٍ في منطقة بعبدا، وقفت على الحياد الواعد، وعملت على تأمين الأخوّة على طول الساحل الممتد من صور إلى النورماندي. أفَليسَ الوضعُ اليومَ غريباً؟
غريبٌ إن قلنا والعالم معنا قال: إننا مرةً، رغم هولِ خرابنا، انتصرنا على إسرائيل، غريبٌ أن تُسْمَعَ جملتنا هذه، على وضوحها: ... انتصرنا على قوى 14 آذار! إن الفرقَ، كتابةً وقراءةً، شاسعٌ بين كلمة: إسرائيل وعبارة: قوى 14 آذار. إن كلمة إسرائيل أقصر وأفعل. أما عبارة قوى 14 آذار فأطول وبلا غلّة.
إن مَن يعتبر، يا ناس، أن حربنا مع إسرائيل هي حربٌ معه، هو مشكلة، ومشكلة كبيرة. كبيرة لدرجة أنه يتمنّى على إسرائيل أن تنتصر علينا، وهو أخونا، وإن كنّا نجد ذلك غريباً، وفي الانتظار، وهو لا يطيق الانتظار، يطالبنا، بل يشارط على شعار: لا غالبَ ولا مغلوب. بربّكم هل غلبهُ أحدٌ منكم يوماً ولم ندرِ؟
(*) مناضل حدودي، في التسعينات، ضد العدو اللبناني.