صنعاء | بعد إعلان زعيم «أنصار الله»، عبد الملك الحوثي، التوجه إلى المدن الجنوبية لتطهيرها من التنظيمات التكفيرية، مثّل تسارع الأحداث في الجنوب اليمني، لا سيما في مدينة عدن، الدافع المباشر لشروع التحالف التي تقوده السعودية في علمياته العسكرية ضد اليمن. إذ إن سيطرة «أنصار الله» على قاعدة «العند»، أهم قاعدة عسكرية في الجنوب، والتي كانت تحت سيطرة القوات الأميركية، عنت سيطرة الجماعة على عدن بكاملها، ما أدى إلى فرار الرئيس المستقيل عبد ربه منصور هادي إلى سلطنة عُمان، عقب اعتقال وزير الدفاع في الحكومة المستقيلة محمود الصبيحي، والقائد العسكري فيصل رجب الموالي لهادي. هذه الأحداث التي لم تتطلب أكثر من 48 ساعة، دقت ساعة التدخل السعودي العسكري.
في اليوم الرابع للعدوان ضد اليمن، يمكن القول إن الجماعة تمسك بزمام الأمور في مدنٍ جنوبية استراتيجية، فيما يتأخر تقدمها في مدن أخرى مثل عدن الخاضعة لسيطرة المجموعات المسلحة الموالية لهادي. ولا تزال الجماعة تسيطر على محافظة أبين، بعد تمكن قوات الجيش و«اللجان الشعبية» التابعة للجماعة من استعادة الألوية العسكرية في منطقتي زنجبار وشقرة الساحليتين، وهو ما يُعدّ إنجازاً في إيجاد أول موطئ قدم للجماعة على بحر العرب، إضافة إلى النجاح في عزل عدن عن أبين تماماً وضمان وصول الإمدادات العسكرية لجبهات عدن وشبوة، عبر الطريق الذي يبدأ من محافظة البيضاء مروراً بمدينة لودر، اللتين كانت «أنصار الله» قد نجحت في السيطرة عليهما في وقتٍ سابق وتطهيرهما من تنظيم «القاعدة»، بعدما كانتا أهم معاقله في البلاد.
سيطر الجيش و«أنصار الله»
على الشريط الساحلي لأبين عازلين عدن عن شبوة

وبصورةٍ عامة، يشوب الوضع الميداني في الجنوب الكثير من الغموض والتعتيم الاعلامي، ما يجعل التكهنات تهيمن على التغطية، لا سيما في ظلّ صعوبة وصول المراسلين والصحافيين إلى مواقع الاشتباك. وفي وقتٍ نشرت فيه وسائل إعلام تابعة لحزب «الاصلاح» (إخوان مسلمون) أنباءً عن «قصف الطائرات السعودية رتلاً عسكرياً تابعاً للقوات الموالية للحوثيين كانت في طريقها من البيضاء إلى مدينة بيحان»، أكد القيادي في «أنصار الله»، صلاح العزي، في حديثٍ إلى «الأخبار»، أن الجيش و«اللجان الشعبية» يتقدمون في جبهة شبوة ويقتربون من عتق عاصمة المحافظة، بعد تطهير عدد من مديريات شبوة، مثل نعمان وعسيلان وبيحان من جهة مأرب. وفي ردٍّ على أنباء القصف السعودي التي روّج لها إعلام «الاصلاح»، قال العزي: «اليوم حاول الدواعش وميليشيات عبد ربه (منصور هادي) المموّلة سعودياً الزحف واستعادة مثلث صنعاء شبوة مأرب، ولكن الجيش واللجان الشعبية كسروا زحوفاتهم وتقدموا داخل عسيلان وأسروا 15 وغنموا عدداً من الأطقم والسلاح». ولكن يبدو أن الجيش و«اللجان الشعبية» يواجهون صعوبة في السيطرة على الوضع في عدن، رغم سقوط كل مداخل المدينة بيد الجماعة من الاتجاهات كافة، وفق ما أكده مصدر ميداني في حديثٍ إلى «الأخبار».
وفي حين تضاربت أنباء عن سيطرة أحد ألوية الجيش على مطار عدن وأخرى تحدثت عن تمكن قائد قوات الأمن الخاصة، العميد عبد الحافظ السقاف، الذي أصدر هادي قراراً بإقالته بعد انتقاله إلى عدن، من العودة الى معسكر قواته، قال المصدر إن الاشتباكات لا تزال مستمرة داخل المدينة، «في ما يشبه حرب الشوارع والعصابات»، مضيفاً أن هناك انتشاراً واسعاً للمسلحين في شوارع عدن، و«تداولاً واسعاً للسلاح بأسعار رخيصة بين المواطنين أوصل سعر قطعة السلاح ذات سعر 450 ألف ريال في العادة إلى سعر 40 ألف ريال»، في إشارة إلى يدٍ تحرك تلك الميليشيات وتموّلها بشكل سري لتعميق الفوضى في مدينة عدن.
وفي ظلّ ازدياد عمليات النهب للمعسكرات في عدن، شهدت المدينة يوم أمس نزاعاً بين المجموعات المسلحة، أثناء محاولتها نهب أهم مخازن الأسلحة، مخزن «جبل حديد»، ما دفع بعضها إلى إطلاق النار على بواباته وإحراقه. وأفاد شهود عيان بأن انفجار المخزن أدى إلى سقوط العديد من القتلى والجرحى، كما ألحق أضراراً بالغة بالمنازل المجاورة. تجدر الإشارة إلى أن مخزن «جبل حديد» كان يحتوي على أسلحة متوسطة وخفيفة، إضافة الى أنه كان يضم أسلحة قديمة تعود إلى زمن الاحتلال البريطاني لليمن، بحسب مصادر محلية مطلعة.
ويرى مراقبون أن حالة الفوضى التي تعمّ عدن هذه الأيام مفتعلة تديرها «أيادٍ خفية» تمكنت من إرباك «أنصار الله» وتأخير سيطرتهم على المدينة. وفيما يرى آخرون أن عدن قد تتسبب في إعاقة تحرك «أنصار الله» في بقية مناطق الجنوب، خصوصاً أن طريق تعز ـ عدن لا تزال تحت سيطرة الجماعات المسلحة الموالية لهادي، يؤكد القيادي صلاح العزي تقدّم «أنصار الله» على جبهات أبين وشبوة ومأرب.
وأشار العزي، المكلف بالتواصل مع الجبهات في المكتب الاعلامي، إلى أن الجيش و«اللجان الشعبية» يحظيان «بدعم وترحيب المواطنين الجنوبيين في شبوة وغيرها من المناطق، وهو ما يفسر التقدم السريع في الجبهات»، مضيفاً أن الجيش و«اللجان الشعبية» تبادلوا مع المواطنين الجنوبيين الشكر والتقدير والعرفان في لقاءات بهم، بعد فرار العناصر التكفيرية من مديرياتهم». ويؤكد صلاح العزي تمكن الجيش و«اللجان الشعبية» من السيطرة على الشريط الساحلي لأبين وعزل عدن عن شبوة ومحاولة للسيطرة الكاملة على شواطئ عدن.
تأتي هذه المعطيات في ظلّ توقعات بشأن هجوم سعودي برّي من الحدود الشرقية لمحافظة حضرموت، حيث تقع آبار النفط والغاز على الجانبين اليمني والسعودي. ويرى مراقبون أن حضرموت التي أعلن محافظها ومشايخها ومسؤولوها حيادهم في الصراع الدائر حالياً، هي أكثر مناطق الجنوب التي تضم عناصر من «القاعدة»، بعد سيطرة التنظيم على مدينة سيئون ومقار عسكرية في مناطق القطن والشحر والمكلا، إلى جانب تنفيذه هجمات عدة على منافذ حدودية مع السعودية.
وفي ظل مخاوف من سعي سعودي لإعادة هادي إلى عدن عبر حضرموت القريبة من محافظة المهرة الحدودية مع عُمان، يعتقد محللون أن «أنصار الله» والجيش يعدّون خطة لتأمين الحدود مع السعودية من جهة حضرموت. ويرى هؤلاء أن محاولة الجماعة حسم الوضع في شبوة ومأرب تأتي في سياق التوجه نحو حضرموت القريبة من مأرب التي تشهد توتراً على حدودها مع شبوة والبيضاء، رغم مصالحة قبلية نجحت في إبرامها وساطة قبلية بين «أنصار الله» ومسلحي القبائل الموالية لتنظيم «القاعدة» هناك. غير أن القيادي في الجماعة صلاح العزي يؤكد أنه «لا نيات لدى الجماعة للدخول إلى حضرموت».