لم تفتح زيارة وزير الخارجية المصري أحمد أبو الغيط الأبواب الموصدة أمام تفاهم سريع على الملف الرئاسي. وما أثاره من أفكار ثبّت ما هو واضح في عقول اللبنانيين من أن المشكلة لها وجهها الداخلي حيث الصعوبة في توافق مسيحي ـــــ مسيحي على مرشح واحد، واستمرار التوتر في علاقات الدول العربية المؤثرة في الملف اللبناني. وقد برز ذلك بوضوح في الاجتماعات التي عقدها الوزير المصري امس، ولا سيما تلك التي حصلت مع الرئيس نبيه بري والبطريرك الماروني نصر الله صفير والنائب سعد الحريري.وعلمت «الأخبار» أن صفير أبلغ أبو الغيط أنه ليست لديه القدرة مارونياً على بلورة مرشح رئاسي توافقي، ولكنه في الوقت نفسه لا يقبل بأن يسمّي المسلمون رئيس الجمهورية الماروني، معتبراً أن تفاهم بري والحريري غير كاف لاختيار الرئيس العتيد.
وفي موضوع تعديل الدستور أكد صفير للوزير المصري أنه يؤيّد هذا التعديل لمصلحة انتخاب قائد الجيش العماد ميشال سليمان إذا كان من شأنه أن يحفظ حقوق المسيحيين ومصلحة لبنان، ولكن ليس على أساس أن تكون ولايته سنتين فقط. وأكد صفير لأبو الغيط أنه يقبل بأي حل يؤمّن مشاركة المسيحيين في القرار الوطني ويحفظ السلم الأهلي في لبنان، لأن تداعيات عدم انتخاب رئيس في الشارع المسيحي خصوصاً، ستكون أكبر من التداعيات في الشارع اللبناني عموماً.
وقد نقل أبو الغيط موقف صفير إلى بري والحريري فكان ردهما أنهما علّقا لقاءاتهما لمدة أسبوعين إفساحاً في المجال أمام مبادرة بكركي لكي تبلور مرشحاً توافقياً. وسألا: إذا لم يكن في استطاعة صفير والقيادات المارونية الوصول إلى هذا المرشح، فما هو البديل؟
وفي ضوء ذلك، طرحت فكرة أن تبادر القيادات المارونية أو النواب المسيحيون الـ64 إلى انتخاب أو الاتفاق على ثلاثة مرشحين للرئاسة والنزول بهم إلى مجلس النواب لكي ينتخب أحدهم رئيساً للجمهورية، وعندها يكونون قد ساعدوا بكركي وأراحوا الكتل النيابية الأخرى. وسأل رئيس المجلس الوزير المصري عن حقيقة المعلومات حول دعم القاهرة لترشيح قائد الجيش العماد ميشال سليمان، فرد الأخير بأنه «ليس من مهمتنا أن ندعم أحداً، وتعديل الدستور شأن داخلي لبناني».
وعلمت «الأخبار» أن أبو الغيط شدد خلال محادثاته، وخصوصاً مع بري والحريري، على أن لا يحصل تهديد بعد جلسة 12 تشرين الثاني بأن تلجأ الموالاة إلى انتخاب رئيس بالنصف زائداً واحداً لأن ذلك سيؤدي إلى الفوضى، ولذا قال في مؤتمره الصحافي إنه يتطلع إلى انتخاب رئيس قبل 24 تشرين الثاني، كما شدد على أنه في حال تشكيل حكومتين فإن جامعة الدول العربية لن تعترف بهما وستعلق علاقتها معهما، لأنها لا تريد أن تخلق سوابق يمكن أن تحصل في دول عربية أخرى.
وفي المعلومات أيضاً، أن بري عاد وأكد لأبو الغيط أن مفتاح الحل في لبنان هو أن يحصل اتفاق سعودي ـــــ مصري ـــــ سوري، وقال «افتح يا سمسم». ودعا أبو الغيط الى زيارة سوريا والسعودية من أجل تحقيق التوافق بين أركان هذا المثلث، مؤكداً أنه من دون حصول اتفاق بين أركان هذا المثلث «عبثاً تحاولون إيجاد حل».
فأشار أبو الغيط إلى أن هذا الاتفاق ما زال متعذّراً، أولاً نتيجة القطيعة القائمة بين دمشق والرياض، وثانياً لأن مصر لم تنفتح كلياً بعد على دمشق، واقترح على بري أن يزور دمشق للوقوف على على المطالب السورية في شأن الاستحقاق الرئاسي ومستقبل العلاقة اللبنانية ـــــ السورية، فرد بري بأنه ليس على خلاف مع دمشق، «وهذا شغلكم»، فرد الوزيلر المصري بأن العمل جار مع الأمين العام للجامعة العربية عمرو موسى على هذا الملف.
وكان وزير الخارجية المصري قد أعلن في سلسلة تصريحات أن بلاده تقف «إلى جانب شعب لبنان لتجاوز هذه المرحلة الدقيقة من تاريخه، وليس لديها مرشح معيّن للرئاسة»، داعياً الموارنة إلى تقديم مجموعة من الأسماء التوافقية للرئاسة الأولى. ورأى أن «مساحة التفاهم عريضة» بين بري والحريري، مشيراً إلى أن الحركة الإيجابية قد تظهر قريباً على صعيد الأزمة اللبنانية. وأكد أن زيارته إلى سوريا ليست مطروحة حالياً.

لجنة بكركي

الى ذلك تتبلور قبل ظهر اليوم صورة ما ستنتهي إليه اللجنة الرباعية المنبثقة من مبادرة بكركي في المرحلة الثانية بعد إقرار المواصفات الواجب توافرها في الرئيس العتيد، على أن تبحث اللجنة في اجتماعها بعد الظهر، في الصرح البطريركي، في تفاصيل الخطوة التالية، في ضوء حصول الممثلين عن القيادات المسيحية الموالية والمعارضة على الضوء الأخضر منها للمضي قدماً في الحوار، وبالتحديد المباشرة في مقاربة أسماء المرشحين وإعداد لائحة منهم تكون متمتعة، بنظر القيادات المسيحية المعارضة والموالية، بالمواصفات المتفق عليها بينهما.
وأكد ممثلا المعارضة ناجي حايك ويوسف سعادة لـ«الأخبار» أنهما حصلا على التفويض المطلوب، فيما تصر البطريركية المارونية على وجوب الشروع في عملية جوجلة الأسماء لأن ذلك هو صلب المبادرة التي لن تكون إذذاك مجدية، وإلا «ما الفائدة منها»، بحسب أوساط قريبة من بكركي، إن لم تسفر عن مجموعة أسماء تُعرض على بري والحريري لكي يتوافقا على واحد منها أو أكثر.
وعلم أن الاجتماع سيكون حاسماً بعدما تفاهم الأعضاء مسبقاً على إنهاء مهمة اللجنة غداً السبت وفق آلية تم الالتزام بها حتى اليوم. وعلم أن اللائحة الاسمية التي ستولد اليوم ستكون فضفاضة وتضم عن قوى 14 آذار الرئيس أمين الجميّل، الوزيرة نائلة معوض، النائب بطرس حرب، النائب السابق نسيب لحود، وعن المعارضة العماد ميشال عون، وعن خط الوسط كلاًّ من النائب بيار دكاش، الوزير شارل رزق، النائب روبير غانم، الوزير السابق ميشال إده، النائبين السابقين جان عبيد وفارس بويز، العماد سليمان وحاكم مصرف لبنان رياض سلامة.

طبارة

على صعيد مواقف النواب من نصاب جلسة الانتخاب، أبلغ النائب بهيج طبّارة النائب سعد الحريري امس أنه لن يشارك في جلسة انتخاب رئيس جديد ما لم يكن الرئيس بري حاضراً. وقال طبّارة لـ«الأخبار»: «أنا غير منكفئ، وأجرّب طرح مساعيّ التوافقية في نطاقي، ولو كان ضيّقاً. وبيني وبين النائب الحريري العديد من الاتصالات غير المعلنة في هذا الشأن»، ولفت طبّارة الى استمراره في مقاطعة اجتماعات كتلة «المستقبل»، مؤكداً: «أنا لست مقاطعاً للمجلس النيابي. أشارك في أي جلسة يدعو إليها الرئيس برّي. ولكنني لن أشارك في جلسة انتخاب الرئيس ما لم يتوافر فيها نصاب الثلثين».