في خطوة وصفها الجميع بالانتصار الساحق، أنهى الجيش اللبناني أمس معركة نهر البارد بتصفية آخر مجموعات من تنظيم فتح ـــــ الإسلام وقتل قائده شاكر العبسي في معركة استمرت ساعات قليلة خارج المخيم. وأعلن الجيش سيطرته على المخيم داعياً الأهالي الى تأجيل العودة حتى إنجاز عمليات التنظيف التي بدأت بها فرق متخصّصة، بينما أعلن الرئيس فؤاد السنيورة أن المخيم سوف يبقى تحت سيطرة القوى الأمنية اللبنانية وحدها دون أي شريك.وفي انتظار الكثير من الكلام السياسي عن هذا الإنجاز، فإن قيادة الجيش سوف تصدر بياناً تعرض فيه مراحل المواجهة، ويجري البحث في الاستعاضة عنه بمؤتمر صحافي قرّر وزير الدفاع الياس المر عقده غداً، بينما سارعت كل المرجعيات السياسية الرسمية والحزبية الى تهنئة الجيش وإلى الإعلان عن اعتبار ما حصل درساً في مواجهة الإرهاب. لكن ما تميّز به بيان الرئيس السنيورة كان الآتي:
اعتباره معركة نهر البارد استكمالاً لمعركة المقاومة بوجه العدو ونجاح الجيش في بسط سيطرته استكمالاً لعملية انتشاره في الجنوب، وأن المخيم سوف يكون تحت سلطة الدولة دون سواها وأن الجيش سوف يواصل بسط سلطته ليكون وحده مسؤولاً عن الأمن في لبنان دون أي جهة أخرى، وأن إعادة إعمار المخيم سوف تكون تحت إشراف الحكومة، وأنها سوف تكون ضمن عملية إعادة إعمار لمحيط المخيم أيضاً، متحدثاً عن مؤتمر للدول المانحة في العاشر من هذا الشهر.
وفي انتظار تبلور الأسئلة السياسية حول ما جرى وأبعاده، تحدث مصدر عسكري لـ«الأخبار» عن أن الجيش ليس مستعداً لخسارة إضافية في معارك غير محددة، وهو لا يتصرف مع بقية مخيمات لبنان على أنها مسرح مقبل لمعاركه. وقال إن الجيش يدرس منذ الآن حاجاته وهو سيعمل على تعزيز قواته بما يساعده على منع أي تعرّض له أو للأمن القومي اللبناني في أي مكان من لبنان. وقال المصدر إن تحقيقاته سوف تتواصل مع العناصر التي أُسرت من المسلحين بغية الوقوف على كامل التفاصيل، وسوف يحيل الملفات الى القضاء المختص في أقرب وقت.
آخر المعارك
وبالعودة الى الشريط الميداني، فإن المواجهة الاخيرة بدأت بين الثالثة والخامسة من فجر أمس، حين شنّ من بقي من مسلحين داخل المخيم هجوماً على مواقع الجيش على أكثر من محور، وتحديداً في العبدة والمحمرة وتل المحمرة وبحنين، بهدف فك الطوق الأمني المضروب حول المخيم، مستعينين بعناصر مسلحة قدمت من خارج المخيم، واستقلت، بحسب شهود عيان، ثلاث سيارات وباصاً صغيراً ورانج روفر، وعمد هؤلاء إلى إطلاق النار على مواقع الجيش حول المخيم، قبل الفرار في اتجاه عكار والمنية. وتمكن الجيش من قتل أربعة منهم وأسر خامس تردّد أنه يدعى عبد الله الأحمد ويحمل الجنسية اليمنية. وسرعان ما اندلعت معارك عنيفة، ترافقت مع محاولة من بقي من عناصر التنظيم داخل المخيم الفرار الى خارجه.
وبدأ الجيش عملية تعقب لمن تمكنوا من الفرار، وضرب طوقاً أمنياً واسعاً، ونفذ عملية تمشيط مستعيناً بالمروحيات العسكرية والزوارق البحرية. وشملت الإجراءات القرى والبلدات المجاورة، وصولاً إلى طرابلس، وامتدت لتشمل معظم أنحاء الشمال، وصولاً إلى بيروت والجنوب والبقاع، كما أغلق الطرق الرئيسية في المنطقة، وخصوصاً طريق المنية ـــــ العبدة الدولي.
وأوضحت أوساط عسكرية أن المسلحين أقدموا على هجومهم بوصفه «آخر خرطوشة»، في محاولة للفرار. وأفيد بأن عدد القتلى في صفوف المسلحين بلغ حتى عصر أمس 34 قتيلاً قالت مصادر عسكرية إن من بينهم قائد التنظيم شاكر العبسي والناطق الإعلامي «أبو سليم طه». وقال شهود إن بعض المسلحين قتلوا على أيدي مواطنين حملوا أسلحتهم الفردية وواكبوا الجيش في عملية المطاردة.
وأوضحت أوساط متابعة لجهود الوساطة الأخيرة التي كانت تقوم بها «رابطة علماء فلسطين» لإجلاء الجرحى من المسلحين، أن رفض الجيش هذا الأمر إلا عبر سلة كاملة تتضمّن تسليم المسلحين أنفسهم، كان الدافع الأساس لقيام المسلحين بخطوتهم.
وقد خرج المواطنون في أكثر من منطقة لبنانية للاحتفال بانتهاء المعارك. وأطلقت العيارات النارية في الهواء وسارت مواكب سيارة ترفع الأعلام اللبنانية وأعلام الجيش، فيما باشر الجيش حملة أمنية لتعقب الفارين من المسلحين في الشمال وعلى الطرقات المؤدية الى بقية المناطق اللبنانية، كما اتخذت إجراءات خاصة عند جميع المعابر الحدودية لمنع أحد من الهرب.