انتقلت المداولات السياسية بشأن الاستحقاق الرئاسي أمس إلى الفاتيكان التي وصل إليها على التوالي البطريرك الماروني نصر الله صفير والعماد ميشال عون والموفد الفرنسي جان كلود كوسران، ويتوقع أن يصل إليها النائب سعد الحريري من باريس. وفيما لم يتأكد بعد احتمال لقاء بين عون والحريري، فإن اللقاءات الثنائية ستشمل صفير والموفد الفرنسي الذي تردد أنه قد يجتمع بنائب الرئيس السوري فاروق الشرع الموجود في العاصمة الإيطالية. وتحدثت مصادر مطلعة عن «إرباك» يسود فريق 14 آذار، وأوضحت أن السبب يعود إلى الموقف السعودي الداعم للتعامل بإيجابية مع مبادرة الرئيس نبيه بري، وهو الموقف الذي انتقل مباشرة إلى الرئيس فؤاد السنيورة الذي قال إنه هو «صاحب فكرة عدم ربط مصير الحكومة الجديدة بالاستحقاق الرئاسي» وبموقف الحريري الذي تمنى على النائب وليد جنبلاط التحدث اليوم بهدوء عن الموضوع وعدم تفجير الموقف. في المقابل، يبدو جنبلاط «متوتراً» إزاء ما يجري من اتصالات يخشى أن تكون مقدمة لصفقة على حساب ما يراه وسمير جعجع «ثوابت». وقالت مصادر قريبة من جنبلاط إنه سبق أن أعلن موقفه من مبادرة بري الذي يتضمن رفض ربط التوافق بنصاب الثلثين، وعدم رهن البلاد لقرار الأقلية. وقد أعد مشروع بيان لقوى 14 آذار وأُرسلت نسخة منه إلى الحريري الذي ردَّ عليها بملاحظات خطية أُرسلت عبر الفاكس من باريس. كما نقل عن جنبلاط «احتجاجه على استمرار وجود الحريري في الخارج ومطالبته إياه بأن يكون في بيروت في هذه المرحلة الدقيقة». لكن المقربين لم يؤكدوا ما إذا كان جنبلاط سيفجر الموقف اليوم في حديثه إلى المؤسسة اللبنانية للإرسال. العبسي حي أم ميت؟
في هذه الأثناء طرأ تطور أمني مثير للاستغراب تمثّل في الخبر الذي أذاعه تلفزيون «O.T.V» عن ظهور نتائج فحص الحمض النووي للجثة التي قيل إنها تعود إلى قائد «فتح الإسلام» شاكر العبسي، وجرت مطابقتها مع الفحوصات الخاصة به والموجودة لدى الجهات المعنية، وتبين أن النتيجة سلبية.
وعلمت «الأخبار» أنه أُجريَ فحصان استناداً إلى ما أُخذ من ابنة العبسي. وكانت النتيجة في المرتين سلبية، ما دفع بالجهات المعنية إلى طلب عيِّنة من فحص الحمض النووي الخاص بأحد أفراد أسرة العبسي، وقد وصلت إلى لبنان أمس العيِّنة العائدة إلى شقيقه. ويفترض أن تُجرى المحاولة الثالثة اليوم قبل الوصول إلى النتيجة الحاسمة، وخصوصاً أن لدى الجيش اللبناني قرائن أخرى تدفع إلى الاعتقاد بأن الجثة تعود للعبسي نفسه.
ومع أن الجهات الأمنية المعنية أعربت عن تحفظها ودعت إلى الانتظار، فإن مصادر مطّلعة أكدت أن تحقيقات بوشرت لتحديد سبب «تعرّف» زوجة العبسي وابنته وأحد أعضاء رابطة علماء فلسطين إلى جثته، وعما إذا كان ذلك مدبراً وإذا كان هناك من وسيلة تعاون حظي بها هؤلاء، أم أن العبسي نفسه قد هرب أو لا يزال مختبئاً داخل مخيم نهر البارد.
الفاتيكان
وبالعودة إلى الاتصالات السياسية في روما، قالت مصادر في بيروت إن الهدف من هذه الاجتماعات هو التوافق على أن تُمنح مبادرة بري فرصة، وأن تتولى فرنسا الاتصالات مع كل من الولايات المتحدة والسعودية وسوريا وإيران، وأن تكون الوجهة التوافق على خيار من اثنين: إما العودة إلى فكرة الرئيس الانتقالي التي ترشح قائد الجيش العماد ميشال سليمان، أو التوافق على رئيس يحظى بدعم غالبية الأفرقاء اللبنانيين.
وكان صفير قد كرر أمس قبل سفره قوله إن الدستور ينص على أن الجلسة الأولى لانتخاب رئيس الجمهورية «لا تنعقد إلا إذا توافر ثلثا النواب»، واصفاً مبادرة بري بأنها «حسنة ولا سيما مع سقوط مطلب تأليف حكومة جديدة»، وموضحاً أنه كان دائماً ضد تعديل الدستور «إلا إذا كان هذا التعديل ينقذ لبنان».
وينتظر أن «تتظهّر» المواقف بعد عودة صفير، واللقاء المرتقب بينه وبين بري لجوجلة حصيلة الاتصالات التي أجرياها، علماً بأن الدوائر المختصة في الفاتيكان على اتصال مستمر بالدبلوماسيّتين الفرنسية والأميركية انطلاقاً من خصوصية الاستحقاق الرئاسي في لبنان وخصائص الوجود المسيحي فيه.
وفي انتظار الرد الموحّد لـ«الأكثرية»، و«الجواب الشخصي» لجنبلاط اليوم، على مبادرة بري، رأى المرشح الرئاسي النائب بطرس حرب أن التحفّظات التي أُبديت على المبادرة «لا تسقطها»، وأن «لدى الجميع الرغبة في التعامل معها بما يضمن إخراج البلد من أزمته الراهنة». وأكد لـ«الأخبار» أنه لم يجد «شياطين في تفاصيل» المبادرة، «لكن لترجمتها عملياً ينبغي البحث في هذه التفاصيل».
ويعلّق المتابعون أهمية على موقف الحريري الذي لم يتخذ حتى الآن مواقف قاطعة لجهة تأييد المبادرة، لكن الرسالة الإيجابية التي تلقّاها رئيس المجلس من السفير السعودي عبد العزيز خوجة تبعث على الاعتقاد بأن موقف الحريري سيكون متجاوباً مع المسعى الوفاقي، وإن كان ينتظر إشارة صريحة من السعودية للمضي قدماً في هذا الخيار.
في غضون ذلك، بدأ رئيس مجلس النواب أولى الآليات الدستورية لانتخاب رئيس جديد ضمن المهلة المحددة لذلك، عبر تحديد موعد رسمي لجلسة الانتخاب «في تمام الساعة العاشرة والنصف من قبل ظهر الثلاثاء الواقع فيه 25 أيلول 2007»، وتوزيع الدعوة على النواب لحضورها و«انتخاب السيد رئيس الجمهورية». وفور تحديد الموعد وتوجيه الدعوة، بادر رئيس الجمهورية إميل لحود، إلى الترحيب بهذا الإجراء الذي ينطبق «ومضمون المادة 73 من الدستور»، متمنياً «أن يتم الاستحقاق الرئاسي وفقاً للأصول والقواعد الدستورية والأعراف المعتمدة منذ الاستقلال».
الموقف الأميركي
وذكرت مصادر مطلعة لـ«الأخبار» أنه رغم «أن أياً من السياسيين اللبنانيين، ممن يجتمعون دورياً بالسفير الأميركي جيفري فيلتمان، لم يلمسوا نزوعه حتى الآن، وعلناً إلى مرشح ما، إلا أنه لا يتردّد في التشبّث بمواصفات رئيس «لا يدافع عن حزب الله أو يمثله أمامنا، ولا يكون مرشحاً لسوريا أو تُسهم هي في وصوله، ولا أن يقف ضد السياسة الأميركية في لبنان، وضد المحكمة الدولية». وهم بذلك يتحدثون عن رئيس لم يكن في صلب واقع النفوذ السوري في لبنان. ويحرص بعض الدبلوماسيين الأميركيين في بيروت على وضع خط أحمر تحت اسم العماد سليمان على أنه عُيّن في منصبه بتشجيع سوري مباشر (راجع ص2).