عـــون عنـــد بـرّي للمـــرّة الأولى... وإبعـــاد إليــاس عيــد عن ملــفّ التحقيـــق في جريمـــة الحريـــري
في تطوّر وُصف بالسلبي، كشفت مصادر واسعة الاطّلاع لـ«الأخبار» أمس أن المداولات التي جرت في المنطقة وفي أوروبا، وتلك التي جرت بين فرنسا والولايات المتحدة الأميركية لم تفتح الأبواب نحو تسوية سريعة. وقالت المصادر إنه في ظل المناخات القائمة ليس متوقعاً أن يكتمل نصاب جلسة الخامس والعشرين من أيلول المقبل التي دعا الرئيس نبيه بري الى عقدها من أجل انتخاب رئيس جديد للجمهورية.
وكشفت المصادر لـ«الأخبار» الوقائع الآتية:
1 ـــــ حديث فرنسي واضح عن رفض الولايات المتحدة الدخول في تسوية للملف اللبناني الآن، وأن فرنسا سوف تسعى الى ملء الفراغ بالاتصالات الهادفة الى تحقيق تسوية، لكنها لا تعد بنتائج مسبّقاً، وإن شددت على سعيها الى توافق على الرئيس المقبل.
2 ـــــ إبلاغ المملكة العربية السعودية أنها لا تتدخل في المداولات الجارية، وهي لا تفرض على أحد من اللبنانيين رأياً في مسألة ذات طابع داخلي. وهذا الموقف يعني عملياً رفض تدخل السعودية الآن من أجل التوافق على رئيس جديد.
3 ـــــ ورود معلومات عن موقف إيجابي، لكنه عام، للنائب سعد الحريري من مبادرة الرئيس بري، مقابل تحفّظ كبير من جانب لقاء 14 آذار، وأخذ بملاحظات وضعها كل من وليد جنبلاط وسمير جعجع، ما يفرغ المبادرة من مضمونها.
4 ـــــ استمرار الانقطاع في التواصل بين القوى كافة، ونفي مصادر عين التينة حصول اتصال بين الرئيس بري والحريري، كما نفت المصادر نفسها أن يكون بري قد كلف النائب بطرس حرب إدارة حوار غير مباشر مع جنبلاط.
وحسب المصادر، فإن الأجواء لا تزال ملبّدة، وإن آفاق التسوية مسدودة حتى الآن، وإن السبب يعود الى قرار أميركي بعدم التورط في قرار حاسم منذ الآن. وقالت المصادر نفسها إنها تتوقّع تأزّماً للوضع السياسي في المرحلة المقبلة، وهجوماً جديداً من أركان فريق 14 آذار، وهو الذي بدأت ملامحه في المواقف السلبية الصادرة عن كل من جنبلاط وجعجع.
وظلت روما، أمس، مسرحاً لعدد كبير من الاتصالات السياسية والدبلوماسية شارك فيها البابا وفريقه، ونائب الرئيس السوري فاروق الشرع ووزير الخارجية السعودية سعود الفيصل والموفد الفرنسي جان كلود كوسران. وتردّد أن البطريرك نصر الله صفير وهو الشخصية اللبنانية المحورية في روما حذّر بقوة من أن يمر الاستحقاق الرئاسي دون انتخاب رئيس، وتأثير ذلك على الحضور المسيحي في لبنان.
جنبلاط والأكثرية
وقال أحد أقطاب الموالاة لـ«الأخبار» إن قوى 14 آذار «ستجتمع قريباً جداً» لتحديد موقفها من مبادرة بري، وأشار إلى أن هذا الموقف بات معروفاً وهو «نعم للمبادرة، ولا للشروط أو التخلّي عن حق دستوري في انتخاب رئيس جمهورية جديد».
وفي موقف «شخصي» استبق النائب جنبلاط القرار «النهائي» لقوى 14 آذار حيال مبادرة برّي، فقال إنها تختزن «طلباً مسبّقاً بإسقاط الحق الشرعي للنوّاب، وإلزاماً بنصاب فيه التباس»، بما يعني «طلباً بثلثي التعطيل في المجلس، على غرار الثلث المعطّل في الحكومة». ورأى في حوار أجرته معه «المؤسّسة اللبنانية للإرسال»، أن التحذيرات التي أطلقها الرئيس برّي، إذا جرى انتخاب الرئيس على أساس النصف زائداً واحداً، تستبطن «معرفته (أي برّي) بمعلومات تفيد بإمكان حصول اغتيالات، شغب، وتظاهرات»، وهو الذي «يريد أن يكون الرئيس توافقياً»، بما «يجعلنا نقبل برئيس تسوية، على حساب الحرية والسيادة والاستقلال، يقبل بالوصاية، وقد يطعن بالقرارات الدولية». وجدّد جنبلاط من باب «التحفّظ» تأكيده أنه لن يقبل برئيس توافقي أو برئيس من خارج 14 آذار. وذلك، من زاوية إصراره على عدم «إسقاط» حقه».
برّي ـــــ عون
وفي لقاء لم يعلن عنه مسبّقاً لأسباب أمنية، زار العماد عون أمس عين التينة، والتقى الرئيس بري وتناول العشاء الى مائدته. وحسب مشاركين في اللقاء بين بري وعون، وهو الأول من نوعه بين الرجلين، فإن قسماً كبيراً من الوقت استهلكه الحديث الشخصي الذي تميّز بدرجة عالية من الودّ. وعندما جرى التطرق الى الأوضاع الراهنة تحدّث عون بإيجابية عن الموقف الأوروبي الذي يتمايز شيئاً فشيئاً عن الموقف الأميركي، وأن المسؤولين هناك بدأوا يستمعون بصورة مختلفة، كما جدّد عون دعمه لمبادرة الرئيس بري، وأمله أن تقبل بها قوى الأكثرية.
إعفاء عيد
وفي تطور قضائي له بُعده السياسي كما له خلفيته السياسية، قرّرت الغرفة السادسة في محكمة التمييز، برئاسة القاضي رالف رياشي قبول طلب نقل ملف التحقيق في قضية اغتيال الرئيس رفيق الحريري للارتياب، ونقل الدعوى إلى قاض آخر يعيّن بقرار من مجلس الوزراء، بعد موافقة مجلس القضاء الأعلى الذي يتلقّى الاقتراح بشأنه من وزير العدل.
وكان المحامي محمّد مطر قد تقدّم بتاريخ 12/7/2007 بطلب نقل الدعوى العالقة أمام القاضي عيد، «للارتياب المشروع في حياديته». ومن الأسباب التي ذكر المحامي مطر في طلبه أنها تدعو إلى الارتياب، استفادة القاضي عيد من «منحة بنزين هي عبارة عن 300 ليتر مخصصة له شهرياً من المديرية العامة للأمن العام، وذلك منذ بدء عهد اللواء جميل السيد». وأرسلت محكمة التمييز كتاباً إلى الأمن العام «لتأكيد أو نفي» الخبر. وجاء جواب وفيه أن القاضي عيد قد استفاد عام 2004، من قسائم المحروقات، وأنه ظلّ يستفيد حتى شهر تموز 2007، وقد أرفق الردّ بنسخة عن صفحات السجلات التي ورد اسم القاضي عيد فيها. وتبيّن هذه السجلات أن القضاة الذين استفادوا من قسائم محروقات الأمن العام خلال عام 2005 هم: عدنان عضوم (حتى أيار 2005)، خليل أبو رجيلي (ابتداءً من حزيران)، فوزي داغر (حتى حزيران)، نصري لحود (حتى تشرين الأول)، جوزيف معماري، طانيوس الخوري (حتى حزيران) وإلياس عيد إضافة إلى المدّعي العام التمييزي (ابتداءً من حزيران).
وبعدما تبلّغ أفرقاء الدعوى والمدعي العام التمييزي والقاضي إلياس عيد طلب نقل الدعوى وردّ الأمن العام، قرّرت المحكمة يوم 31/7/2007 وقف السير في الدعوى المتعلقة باغتيال الرئيس رفيق الحريري وآخرين حتى صدور قرار مخالف عنها.
من جانبه، رفض وكيل اللواء علي الحاج، النقيب عصام كرم، التعليق على القرار المذكور لأنه لم يطّلع عليه أمس. أمّا وكيل اللواء جميل السيد، المحامي أكرم عازوري، الذي رفض التعليق على مضمون القرار حيث لم يكن قد تبلّغه بعد، فذكر لـ«الأخبار» أن قرار نقل الدعوى من القاضي عيد هو «استمرار في سياسة الإفراغ القضائي التي يجري العمل بموجبها منذ حزيران الماضي». وقال عازوري إن القانون لا يحدّد مهلة لتعيين محقّق عدليّ جديد، ولا ينص على مهلة على المحقّق الجديد أن يلتزمها لبت طلبات إخلاء السبيل التي تقدّم بها وكلاء الضباط الأربعة على مدى العام الماضي. ورأى عازوري أن وكلاء الدفاع عن الضباط الأربعة «انتصروا عندما لم تعد هناك آلية للاستمرار بتوقيف موكليهم سوى نقل الدعوى من قاضي التحقيق».