ساحل العاج | مطلع الشهر الجاري، نشرت مجلة جون أفريك الفرنسية، المتخصصة بالشأن الأفريقي، قائمة بخمسين شخصية وجدتها مؤثرة وفاعلة في المجالات كافة في ساحل العاج خلال عام 2014. القائمة تضمنت الطبيب اللبناني جوزف خوري، رئيس غرفة التجارة والصناعة اللبنانية في الكوت ديفوار. لم يكن تصنيف خوري ضمن المؤثرين والفاعلين في البلاد، ثمرة نجاحه الشخصي في الطب طوال أكثر من أربعين عاماً فحسب، بل أيضاً بسبب ترؤسه الغرفة التي تختصر الإمبراطورية الاقتصادية والاجتماعية التي شيدها اللبنانيون منذ بداية اغترابهم نهاية القرن التاسع عشر.
خوري نموذج للبنانيين الذين اختمرت نجاحاتهم بعيداً من وطنهم الذي لم يمنحهم الفرص الكافية للتعبير عن قدراتهم. ولد في راشيا الفخار الحدودية (قضاء حاصبيا) وهاجر مع عائلته عام 1969، إلى ساحل العاج حيث درس الطب والجراحة وشرع بممارستها حتى أدار مستشفى خاصاً به. فاعليات الجالية ورجال الأعمال توافقوا على اختياره رئيساً منذ تأسيسها في تشرين الأول عام 2010. تميز الغرفة في وقت لاحق، دفع بالرئيس الإيفواري الحسن واتارا في تشرين الثاني من العام الفائت، إلى منح الغرفة مقعداً دائماً في المجلس الاقتصادي والاجتماعي الإيفواري. وحمل خوري منذ ذلك الحين لقباً إضافياً: مستشار حكومي اقتصادي واجتماعي.
واتارا وعدد من المسؤوليين المحليين اصطحب خوري معه في زيارات رسمية لعدد من البلدان في إطار التعاون الاقتصادي. شهد على مناقشة مصالح اقتصادية وتوقيع اتفاقيات تدعم تنمية وتطوير بلده الثاني. لكن ماذا عن بلده الأول؟
يحفظ خوري من لبنان أرض أجداده في راشيا الفخار التي يحرص على عدم بيعها وتشييد منزل صغير يقضي فيه إجازاته. فقط لا غير. هو ـ وكثير سواه ـ لا يتخيل العودة للإقامة والعمل في لبنان. في القارة السوداء "ساعدت الظروف الميدانية وسياسات الدول في تحقيق النجاحات اللبنانية، إنما في لبنان السياسات تسرق الأحلام والطموحات" يقول خوري. يشير إلى أن ما حققه اللبناني "ثمرة جهود فردية لم تسهم فيها الدولة اللبنانية بأي شيء بخلاف فرنسا أو المغرب أو الصين وغيرها من الحكومات التي ترعى استثمارات مواطنيها بشكل مباشر".

لا مصارف

على سبيل المثال، يتوقف خوري عند عدم افتتاح أي من المصارف اللبنانية فرعاً لها في ساحل العاج على الرغم من الفروع المتعددة حول العالم التي تروج لها. يتمنى المستثمر اللبناني بحسب خوري، أن يتعامل مع مصارف لبنانية ويودع أمواله فيها. في هذا الإطار، يتساءل عن عدم حماسة أصحاب الأموال لاستثمارها في لبنان؟، "لماذا لا تحفزهم الدولة والقطاع الخاص؟ ولماذا لا تفتح الوزارات المعنية وغرف التجارة اللبنانية قنوات اتصال معهم حتى تشكيل لوبي يستطيع الضغط لتعيين وزير لبناني؟ ولماذا لم تتم متابعة الاتفاقيات الست التي وُقّعت بين الحكومة الإيفوارية ورئيس الجمهورية السابق ميشال سليمان خلال زيارته مع وفد وزاري واقتصادي وتجاري؟"

خريطة الاستثمارات

بالنظر إلى خريطة الاستثمارات اللبنانية في ساحل العاج، نجد أن اللبناني اقتحم كل القطاعات، من صناعة أكياس النايلون إلى تشييد الأبراج ومد الجسور.
مقر الغرفة ذاته في أبيدجان، يقع في مول تجاري (أوركا) يملكه لبناني ويزدحم بالمحال التي تقدم بضاعة وماركات لبنانية من مجوهرات زغيب إلى بن نجار ونراجيل المعسل والتنباك. في الجهة المقابلة لـ(أوركا)، هناك متجر (حياة) ومول (بريما) ومكاتب لشركات ومعامل ومعارض وصالات مفروشات...

يشير خوري إلى وجود 175 عضواً في الغرفة يمثلون أبرز الشركات، منهم 17 في الهيئة التأسيسية. ويلفت إلى وجود حوالى 3 آلاف مؤسسة تعود للبنانيين. الاقتصاد اللبناني في ساحل العاج يقدره خوري بحوالى 400 مليار فرنك.
نائب رئيس الغرفة، رجل الأعمال ناصيف سقلاوي أشار إلى أن 90 في المئة من قطاع البلاستيك يسيطر عليه اللبنانيون في مقابل سيطرتهم على 70 في المئة من قطاع المواد الغذائية والتصنيع الغذائي و70 في المئة من قطاع البناء والمقاولات و50 في المئة من قطاع التجارة و20 في المئة من حركة تصدير الكاكاو. أما المتاجر الكبرى فهي للبنانيين مئة في المئة. يستعرض سقلاوي لائحة لا تنتهي من القطاعات التي يسهم فيها اللبناني في أبيدجان والمناطق الريفية: البترول والمشروبات الغازية والمطاعم والأحذية والحديد والكاجو والكاوتشوك والأرز وتكرير المياه وصناعة أكياس المياه التي يستخدمها المواطن الأفريقي للشرب وتصليح السيارات والأقمشة... استثمارات يحسبها سقلاوي تؤمن حوالى 40 في المئة من الاقتصاد الإيفواري وتنفق حوالى ثمانية مليارات سنوياً.
نالت غرفة التجارة والصناعة اللبنانية في ساحل العاج الترخيص من وزارة الداخلية العاجية في تشرين الأول من عام 2010 بدعم من السفير اللبناني السابق علي عجمي. القائم بأعمال السفارة اللبنانية السابق أحمد سويدان تابع مع السلطات المحلية إجراءات تثبيتها ودعم انطلاقتها. قبل الغرفة، جرت محاولات عدة لتضافر جهود اللبنانيين في بوتقة واحدة منها لجنة الدراسات الاستراتيجية التي دام نشاطها لنحو عام. تخطو الغرفة حالياً اولى خطواتها لتصبح قوة مؤثرة لدى السلطات المحلية. تستقوي بمواقف المسؤولين بتأكيد أهمية العنصر اللبناني في الاقتصاد الإيفواري.