لا تكتفي كفريا بعبق زهر الإكي دنيا في سمائها. تعتني بثمره حتى ينضج، فتقطفه وتضعه في سلال قصب صنعها أبناؤها. البلدة الواقعة على كتف الطريق بين صيدا وجزين، نذرت نفسها لتلمّ ثمر المنطقة من الحمضيات إلى اللوزيات والزهور. مثلما حجزت لها طقساً في عيد الفصح. يتأبط الأطفال سلالهم الصغيرة ويتنقلون بين الحقول يبحثون عن البيض الملون الذي فرشه ذووهم.
كفريا الصغيرة تنتج سلالاً تكفي مدناً. من بين سكانها الـ 750، يقيم فيها 400 شخص. بعضهم لا يزال متمسكاً بالحرفة المتوارثة منذ أكثر من مئة عام. من أعتق المتمسكين، أيوب أبي رافع (82 عاماً). يذكر أنه تعلّم الصنعة من والده «عندما كنت في السابعة من عمري كأترابي من أبناء القرية». علّمه ليساعده في مهنته. «لم تكن الوظائف متوافرة، ما دفع بكل العائلات إلى العمل بها». العائلة كلها كانت تتعاون في إنتاج السلال. لكن مشاركة النساء لم تكن أساسية، كانت بعض النساء يساعدن رجالهن فحسب.
بخلاف حرفة السلال الآيلة إلى التلاشي حالياً، يشير أبي رافع إلى أن عصرها الذهبي سجل في أواخر الثلاثينيات والأربعينيات. «معظم الإنتاج كان يصدّر إلى فلسطين». ولتلبية الطلب الكثيف «كانت أكثر من مئة عائلة تعمل ليلاً ونهاراً لتلبية حاجة السوق الفلسطيني، أما الباقي فيباع في السوق اللبناني».
مع بداية الستينيات، توجه شباب القرية إلى الوظائف والمهن الحرة. أخذ العاملون في صناعة السلال يتناقصون. «لكن ذلك لم يقلل من كمية الإنتاج لأن جميع أفراد العائلة كانوا يساهمون فيها».
في أحداث شرقي صيدا في عام 1985، لحق التهجير بأهالي كفريا. هجروا سلال القصب. بعد عودتهم بدءاً من عام 1991، انتعشت السلال مجدداً، لكن بعدد أقل بكثير. حالياً، لا يزيد عدد الصامدين على اثنين: أبي رافع ومتى مخول. الثمانينيان ينتجان ألفي سلة سنوياً. تراجع الإنتاج يعود إلى «ارتفاع سعر السلة الواحدة بسبب ارتفاع كلفتها والمعيشة وتراجع المساحات الخضراء في الجنوب والمساحات المزروعة بالثمرات التي تحتاج إلى سلال». وبهدف التوفير، يستورد التجار السلال من الصين.