محمد زبيب
تتراكم يوماً بعد يوم المؤشّرات والوقائع التي تعزّز مخاوف نازحي مخيم نهر البارد من وجود نيات لإبعادهم عن مخيمهم المدمّر، أو أقلّه تغيير خريطة هذا المخيم وحدوده الجغرافية وهويته. ففي ظل ضبابية مطلقة تتعامل بها السلطات المعنية مع ملف إعادة إعمار المخيم، ظهرت في الأيام الأخيرة معطيات متناقضة جداً في شأن المخطّط الجاري تنفيذه لتأمين المساكن والمدارس المؤقّتة للنازحين... ففيما يجري التداول بمعلومات عن اختيار عقارات لإقامة المساكن المؤقتة فيها بالقرب من معمل السكر في عكار وبلدة بحنين ومحيط المخيم الجديد، اتخذ مجلس الوزراء في جلسته الأخيرة في الأسبوع الماضي قراراً يقضي بإعطاء التسهيلات الإدارية والإعفاءات المالية اللازمة من أجل قيام «الأونروا» بتأمين مساكن ومدارس مؤقتة لمهجري نهر البارد على عقارات تستأجرها مؤقتاً لهذه الغاية، بالتنسيق مع الجيش اللبناني وبإشراف رئيس مجلس الوزراء، على أن تُعطى الأولوية لإخلاء المدارس الرسمية... إلا أن اللافت في هذا القرار هو تحديده لمنطقة البداوي العقارية حصراً كموقع مقرر لاستئجار حوالى 27 عقاراً بمساحة إجمالية تبلغ نحو 53175 متراً مربّعاً.
وتفيد المعلومات أن قرار مجلس الوزراء استند إلى مذكرة سابقة أرسلها المدير العام لمكتب شؤون الأونروا في لبنان ريتشارد كوك إلى رئيس لجنة الحوار اللبناني ـــــ الفلسطيني السفير خليل مكاوي بتاريخ 24 آب الماضي، وقد أحال مكاوي هذه المذكّرة على رئيس مجلس الوزراء فؤاد السنيورة بتاريخ 1 أيلول الجاري، وجرى تسجيلها في ديوان رئاسة مجلس الوزراء بتاريخ 6 أيلول، ووافق عليها مجلس الوزراء في جلسته المنعقدة بتاريخ 12 أيلول، وسُجّلت في محضر هذه الجلسة.
وقال مصدر وزاري لـ«الأخبار» إن قرار مجلس الوزراء لا يعني أن إسكان النازحين سيقتصر على العقارات في محيط مخيم البداوي الواردة في القرار، بل سيجري توزيع النازحين على أكثر من منطقة في محيط مخيم نهر البارد وبالقرب من مطار القليعات. وأشار المصدر نفسه إلى أن التقارير الواردة إلى مجلس الوزراء تفيد أن إعادة إعمار المخيم قد تستغرق ما بين سنة وثلاث سنوات، وبالتالي لا بد من اتخاذ إجراءات سريعة لإيواء النازحين، معتبراً أن هناك صعوبات تقنية في إيوائهم في مكان واحد قريب من مخيمهم.
وتنصّ المذكرة التي أقرّها مجلس الوزراء صراحةً على «السماح للأونروا بإنشاء مساكن مؤقتة على العقارات الواقعة في منطقة البداوي العقارية على أن تُبنى هذه المساكن من قواطع خشبية أو من أحجار إسمنتية»... والمعروف أن هذا الاقتراح سبق أن رفضه النازحون من المخيم، وقاموا بتحركات ضاغطة لتعديله باتجاه إسكانهم في محيط مخيمهم لضمان عودتهم إليه لاحقاً بعد إعادة إعماره، وقد أوقفوا تحركاتهم بناءً على وعود رسمية من جانب الأونروا والحكومة تقضي بتبني وجهة نظرهم وتبديد هواجسهم من وجود مخططات لإسكانهم نهائياً في «مساكن إسمنتية» دائمة تقام على عقارات مستأجرة ملاصقة لمخيم البداوي، أو في أي مكان آخر غير مخيمهم الأصلي.
وجاء في النص الحرفي لقرار مجلس الوزراء ما الآتي:
1ـ السماح للأونروا بإنشاء مساكن مؤقتة على العقارات الواقعة في منطقة البداوي العقارية المرفقة تفاصيلها ربطاً، على أن تُبنى هذه المساكن من قواطع خشبية أو من أحجار إسمنتية ويكون سقفها من الشرائح المعدنية الرقيقة (توتيا) وهي مؤلفة من طابق أرضي لا غير.
2ـ استثناء هذه المساكن من قوانين الاستثمار السطحي والتراجعات وغيرها حيث إنها مساكن مؤقتة ستجري إزالتها بعد الانتهاء من استعمالها، وذلك عند إعادة المهجرين إلى مساكنهم في مخيم نهر البارد، الأمر الذي سيتم على مراحل عدة تلي البدء بإعادة إعمار المخيم.
3ـ الإيعاز إلى دوائر القرار في منطقة الشمال من بلديات ومكتب التنظيم المدني والقوى الأمنية لتقديم التسهيلات لوكالة الأونروا من أجل الإسراع بتنفيذ عملية إنشاء هذه المساكن قبل بدء فصل الشتاء وبدء العام الدراسي المقبل.
4ـ إعفاء هذه المشاريع من الضرائب والرسوم المطلوبة لاستصدار تراخيص لبنائها.
ويخشى النازحون من أن يكونوا ضحايا خديعة، ولا سيما أن المعلومات المجمّعة لدى العديد من القادة الفلسطينيين تفيد أن الأشغال المقررة لبناء أول دفعة من المساكن المؤقتة على عقار في عكار على بعد قرابة كيلومترين من المنطقة في مكان يعرف بمعمل السكر، لا تلحظ بناء سوى 800 وحدة سكنية، على أن تكون مساحة كل وحدة أربعة أمتار عرضاً و10 أمتار طولاً، وتتألف من غرفتين (6 أمتار) ومطبخ (2،75 م) وحمام (1،25 متر). ولكل مئتي وحدة ستُخصّص الأونروا خزان مياه يسع 50 ألف متر مكعب... وبالتالي فإن طبيعة هذه الأشغال توحي بإقامات طويلة للنازحين، فضلاً عن أن أي معلومات لم تتوافر عن عقارات أخرى سيتم استئجارها لبناء المزيد من المساكن، ما عدا العقارات الموجودة بالقرب من مخيم البداوي، التي نظّم أصحابها، وهم من آل غمراوي ومرعي، وكالات لدى الكاتب العدل تسمح للأونروا بالتصرف بها. وتقول مصادر فلسطينية إن هناك «انطباعاً» بأن مواصلة حملات التحريض ضد عودة النازحين في محيط مخيم نهر البارد، هدفه فرض أمر واقع يرمي إلى إسكان النازحين نهائياً في محيط مخيم البداوي، ولا سيما أن هناك شائعات عن تحضيرات جارية مع عدد من ملّاك العقارات في ما يسمّى المخيم الجديد والواجهة البحرية للمخيم القديم لرفع دعاوى من أجل استرداد عقاراتهم، ومنها عقارات سبق أن باعوها لفلسطينيين بموجب وكالات بيع أو تنازل منظمة لدى الكتّاب العُدول.
ويشير النازحون إلى جملة واسعة من الوقائع الإضافية التي ترسم علامات استفهام كبيرة حول مصير عودتهم الى مخيمهم، ومنها:
- مواصلة تفجير مبان غير مدمّرة داخل المخيم، كان آخرها أول من أمس إذ جرى تفجير مبنى من طبقتين بحجة أنه مفخّخ، علماً أن الخبراء العسكريين يجزمون بوجود حلول مغايرة لمعالجة العبوات الموجودة في الأبنية القائمة.
- تلزيم إزالة الردم من المخيم لمقاول مقرب جداً من قائد القوات اللبنانية سمير جعجع.
- كلام وزير الشباب والرياضة أحمد فتفت أمام وفد يمثّل لجنة مالكي العقارات في المخيم وجواره في اجتماع ضمهما يوم الجمعة الماضي،حيث قال بوضوح إن المباني القائمة في ما يسمّى بـ«المخيم الجديد» كانت غير قانونية، وكل منزل دمر ستعاد الأرض التي بني عليها إلى مالكها الأساسي. علماً أن الفلسطينيين يجمعون على أنهم اشتروا الأراضي التي شيّدوا منازلهم عليها بأسعار باهظة جداً (المتر بمئة دولار).
- إبلاغ الأونروا أن الحكومة ترفض كل الأفكار لإسكان النازحين في نطاق المخيم الجديد بحجة ما يسمّى «السلة المتكاملة» لإعادة إعمار وإنهاء ذيول الحرب في مخيم نهر البارد، علماً أن الدمار اللاحق بالمخيم الجديد لم يطل سوى أقل من 40 في المئة فقط من مبانيه، وبالتالي فهو قادر على استيعاب سكانه الأصليين وجزء مهم من سكان المخيم القديم.
هذه الوقائع تزامنت مع بدء إعداد «أفكار» هندسية لإعادة إعمار مخيم نهر البارد ترتكز على إنشاء أبنية من طبقات عدّة تصل الى 6 طبقات، في إطار ما يسمّى بـ«السكن الاقتصادي»، اذ سيضم كل مبنى ما بين 15 و20 شقة، وقالت مصادر متابعة إن الغرض من ذلك هو تقليص المساحة التي يقوم عليها المخيم من أجل إبعاده عن الواجهة البحرية، وحصره في نطاق جغرافي ضيق.