مع مواراة النائب الشهيد أنطوان غانم ومرافقيه في الثرى، تتجه الأنظار الى جلسة الثلاثاء التي دعا إليها الرئيس نبيه بري لانتخاب رئيس للجمهورية، والمرشحة للتأجيل، فيما يتوقّع أن يحضر الملف اللبناني، بقوة، في أروقة مجلس الأمن مع بدء أعمال الدورة الـ62 للجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك، التي يتوجه إليها الرئيس إميل لحود اليوم مترئساً وفد لبنان الذي يضمّ الوزيرين المستقيلين فوزي صلوخ ويعقوب الصراف. وعلمت «الأخبار» أن قيادة الجيش اتخذت قراراً، سيصدر الاثنين المقبل، بجعل محيط ساحة الاعتصام وحتى البحر منطقة عسكرية، يتولى فيها الجيش الأمن وتأمين انتقال النواب الى المجلس وحمايتهم، في وجه ما أثير عن أن المنطقة خارجة عن سلطة الدولة.في غضون ذلك، واصلت قوى 14 آذار دعواتها الى تدويل الاستحقاق، وذلك على لسان الرئيس أمين الجميل الذي ناشد المجتمعين العربي والدولي حماية انتخابات الرئاسة، معتبراً أن من يقاطع جلسة انتخاب رئيس الجمهورية «يغتال غانم وسائر الشهداء مرة أخرى»، وكذلك على لسان النائب وليد جنبلاط الذي أرجأ مؤتمره الصحافي للمرة الثانية، اذ قال «إننا سنذهب ديموقراطياً سلمياً الى الاستحقاق (...) ولن نركع»، منبّهاً «مَن هم في الشام، في دمشق، أو حلفاءهم في لبنان من أن يظنوا أننا سنركع». وعن مبادرة الرئيس نبيه بري قال: «إذا كان هناك من مبادرة فهم قتلوها باغتيال أنطوان غانم، إذا كان هناك من مبادرة».
وفي المقابل، بدا من أجواء نيويورك أنه لا نية قريبة للاستجابة لدعوة التدويل، وهو ما عبّر عنه مجلس الأمن أول من أمس بحضّه اللبنانيين على معاودة الحوار لإتمام هذا الاستحقاق بعيداً من أي تدخّل خارجي، كما عبّر عنه البيان الذي صدر إثر اجتماع وزيري الخارجية الفرنسي برنار كوشنير والأميركية كوندوليزا رايس في واشنطن، مشدداً على أن هناك «ضرورة ملحة لإجراء الانتخابات الرئاسية في لبنان وفقاً للمعايير والمهل التي ينص عليها الدستور اللبناني»، وأن «الولايات المتحدة وفرنسا مع شركائهما داخل مجلس الأمن حريصون على حماية هذه العملية وحماية الحوار اللبناني ـــــ اللبناني». ودان البيان اغتيال غانم وما يمثّله من «مساس بالحياة الدستورية في لبنان»، مشدداً على أن إقرار المحكمة الدولية في قضية اغتيال الرئيس رفيق الحريري «يدل على تصميم المجتمع الدولي على عدم السماح ببقاء هذه الجرائم من دون عقاب».
كذلك أعرب رئيس الوزراء الايطالي رومانو برودي، بعد استقباله أمس رئيس الرابطة المارونية جوزيف طربيه عن أمله ألا تتمخض الأزمة السياسية القائمة في لبنان عن «قيام سلطتين تنفيذيتين»، معتبراً «أن من شأن مثل هذه الخطوات أن تعزز التشظي ضمن الإطار الدستوري اللبناني وتعطّل المسيرة المشتركة التي ستفضي في النهاية إلى انتخاب رئيس جديد للجمهورية في البلاد».
الى ذلك، نفت الأمانة العامة للأمم المتحدة تلقيها أي طلب من الحكومة اللبنانية في شأن الدعوات التي أطلقها فريق 14 آذار للحصول على «حماية دولية» للانتخابات الرئاسية. وقال الناطق باسم الأمين العام، فرحان الحق، لـ«الأخبار»: «لم تبعث حكومة فؤاد السنيورة برسالة لهذه الغاية، كما لم يتلق الأمين العام بان كي مون اتصالاً يطلب منه ذلك». كذلك نفى مندوب لبنان الدائم في الأمم المتحدة نواف سلام أن يكون قد تبلّغ من بيروت أية تعليمات للقيام بأي مبادرة في هذا الشأن. إلا أن مصادر مطلعة في نيويورك أكدت لـ«الأخبار» أن أمل مدللي، مستشارة رئيس تيار «المستقبل» النائب سعد الحريري، لم تتوقف عن إجراء المشاورات في مجلس الأمن وخارجه سبراً للمواقف إذا ما طرح خيار إجراء الانتخابات برعاية دولية على قاعدة «بمن حضر».
سيناريو «أكثري»
ووفق معلومات تلقّاها أحد المراجع السياسية، فإن فريق الموالاة أعدّ العدّة لانتخاب رئيس بالنصف زائداً واحداً في قاعة مجلس النواب أو خارجه يوم الثلاثاء المقبل، وقد مهّد لذلك بمحاولة «فرط» عقد «التكتل الطرابلسي» الذي يعارض مثل هذا الانتخاب (راجع ص3). وبحسب السيناريو، فإن نواب الموالاة سيدخلون إلى قاعة الجلسات في المجلس الثلاثاء المقبل، وينتظرون إعلان بري الذي سيداوم في مكتبه تأجيل الجلسة إلى ما بعد عيد الفطر بسبب عدم اكتمال النصاب، فيبادر عندها نائب رئيس المجلس فريد مكاري إلى ترؤس الجلسة في القاعة أو في فندق «فينيسيا» في حضور نواب «الأكثرية» ويدعو إلى انتخاب رئيس بالأكثرية المطلقة يرجّح أن يكون النائب السابق نسيب لحود.
وقالت مصادر بري إنه كان ولا يزال يراهن على بعض العقلاء في صفوف الموالاة الذين يتصلون به ويتصل بهم، من أجل التوصّل إلى حل توافقي، كما يراهن على موقف سعودي ضاغط، وعلى موقف للبطريرك الماروني نصر الله صفير «من أجل عدم توريط البلاد في هذا السيناريو». وأشارت المصادر إلى أن بري يطرح علامات استفهام كبيرة حول جريمة اغتيال غانم، وخصوصاً أنه كان قد أعدّ خطة لإنجاز الاستحقاق في جلسة الثلاثاء، إلا أن وقوع الجريمة خرّب هذه الخطة.
وأكد بري أنه مستمر في مسعاه، ولكن ينتابه قلق «من أن تتغلب نوازع الشر على الحكمة بما يأخذ البلد إلى مهوار كبير». وأشار إلى أنه سيستنفد الأيام الفاصلة عن موعد الجلسة «في محاولة للجم الانفعالات وقطع الطريق على أي خطوة متسرّعة لن تكون في مصلحة أحد».
وعلّق بري على البيان الأميركي ـــــ الفرنسي المشترك الذي صدر أمس ووصفه بأنه «أفضل من بعض البيانات الداخلية، وينطوي على حد أدنى من التعقّل وخصوصاً أنه يتحدث عن الحوار اللبناني ـــــ اللبناني»، وأشار إلى أن البيان «لم يسقط احتمال الاتفاق اللبناني ـــــ اللبناني على الخروج من الأزمة».
من جهة أخرى، قالت مصادر دبلوماسية أوروبية لـ«الأخبار» إن اللقاء الذي كان متوقعاً أن يجمع كوشنير مع نظيره السوري وليد المعلم، على هامش أعمال الجمعية العمومية للأمم المتحدة، «لم يعد مطروحاً». ولم تشر المصادر الى ما إذا كانت لذلك علاقة باغتيال النائب غانم.