الحريري يدعو لـ«وقف المقاطعة السياسية» وساركوزي يعتبر حزب اللّه «حزباً مؤثّراً يملك قاعدة اجتماعيّة قويّة»أجمعت المعلومات المتوافرة حتّى ليل أمس على أنّ حظوظ نجاح المساعي والوساطات العاملة على تأجيل الانتخابات الفرعية في دائرة المتن الشمالي قد تضاءلت الى الدرجة الدنيا، وأنها لا تزال معلقة على «جواب نهائي» سيبلغه الرئيس أمين الجميل إلى البطريرك الماروني نصر الله صفير بعد أن يكون قد «استعان بصديق». وتدلّ كل المؤشرات على أن فرص التوافق باتت ضئيلة جداً، وأنّ الفريقين المتنافسين انطلقا إلى الاستعداد لـ«المنازلة الكبرى» يوم الأحد المقبل. وعلمت «الأخبار» أنّ المبادرة البطريركية التي كتبها صفير بخطّ يده تضمّنت ثلاث نقاط ومقدّمة قصيرة جداً، ويقترح البطريرك فيها:
أوّلاً: أن يصار الى انسحاب المرشّحين الثلاثة المعنيّين بانتخابات المتن الشمالي بغية تأجيلها، وهنا نتمنى أن يبقى المقعد الشاغر لآل الجميّل.
ثانياً: أن يصار الى الإعلان أن مرسوم دعوة الهيئات الناخبة الصادر في الجريدة الرسمية لم يحمل توقيع رئيس الجمهورية.
ثالثاً: بعد تنفيذ البندين الآنفين، نتمنّى انعقاد لقاء مصالحة بين الرئيس أمين الجميل والعماد ميشال عون لإعادة الأمور إلى نصابها وتجديد الوئام بين العائلات.
وقالت مصادر «التيار الوطني الحر» لـ«الأخبار» إن البطريرك صفير اتصل مساء امس بعون الذي وافق على المبادرة البطريركية، وأبلغه أن الجميل الذي كان قد أبدى «موافقة مبدئية» عليها، وعده بإبلاغه جوابه النهائي على هذه المبادرة اليوم. وتمنى على عون ألا يتخذ أي موقف نهائي قبل تلقيه جواب الجميل الذي كان قد زاره صباحاً في الديمان وعقد معه خلوة قال بعدها إنه طرحت خلالها «مجموعة أفكار من شأنها أن تعزز التوافق المسيحي، على ألا تمس بثوابت وأسس سياسية من شأنها الإساءة الى الوضع العام». وأشار في الوقت نفسه الى أن «تحضيرات المعركة الانتخابية في المتن، جارية على قدم وساق»، ليضيف لاحقاً بعد عودته إلى بكفيا: «ليس هناك مبادرة محدّدة ومكتوبة من بكركي، هناك أفكار ونوايا صادقة لغبطة البطريرك لإيجاد توافق حول الموضوع. هناك أفكار طرحها أمامه فريق وعرضت علينا، وتضمنت شروطاً تعجيزية، ونحن على استعداد لمناقشة كل الأمور، وكان غبطة البطريرك متفهماً لموقفي وأعلن أنه سيستمر في مساعيه». وأضاف: «هذه المبادرة التي طرحها الفريق الآخر كانت عشية بيان المطارنة لبلبلة الأجواء عند صياغة هذا البيان».
وليل أمس قالت مصادر كتائبية إن الرئيس الجميّل توافق مع البطريرك في اللقاء الصباحي على رفضهما اعتبار الحكومة غير دستورية لأن في هذا الموقف إسقاطاً للحكومة وسلسلة قراراتها الأخيرة من 11/11/2006 إلى اليوم.
أما بيان المطارنة فقد أوحى ضمناً أنّ المبادرة البطريركية لم تنجح، إذ ورد فيه: «إنّ الانتخابات النيابية الفرعية في بيروت والمتن يجب أن تتمّ بروح التوافق بالأولوية ووفق القواعد الموضوعة لها في الدستور اللبناني والقوانين المرعية والتقاليد المألوفة، ولكن ما نسمعه ونراه يبدو لنا أنّه ينأى بها عمّا يجب أن تكون عليه من منافسة ديموقراطية راقية من دون أن يشوبها ما نراه من تراشق لا يليق بأناس على جانب كبير من الرقي والرصانة. ومعلوم أن هذا الجو المحموم قد ينعكس سلباً على المواطنين».
وقالت مصادر التيار الوطني الحر إن المبادرة تعثرت عند رفض الجميّل قبول البند الثاني منها الذي يشير الى صلاحية رئيس الجمهورية في توقيع مرسوم دعوة الهيئات الناخبة، وانه استمر على رفضه رغم أن التيار أبدى استعداده لشطب هذا البند الثاني.
الى ذلك، فإن المراهنة على قرار من مجلس الشورى يبطل الانتخابات او يؤجلها سقطت امس مع صدور قرار عن المجلس رد فيه الطعن المقدم من مرشح «التيار الوطني الحر» بمرسوم دعوة الهيئات الناخبة واعتبر نفسه جهة غير صالحة للبت بأمر هذه الانتخابات إجراءً أو إلغاءً.

أزمة الحكم

وعلى صعيد الأزمة بين الموالاة والمعارضة، لم يسجّل أمس أي تطوّر إيجابي في اتجاه معالجتها، لكن رئيس الحكومة فؤاد السنيورة اتّصل هاتفياً بكل من الأمين العام لجامعة الدول العربية عمرو موسى، ووزراء خارجية السعودية الأمير سعود الفيصل، ومصر أحمد أبو الغيط، والإمارات العربية المتحدة الشيخ عبد الله بن زايد وإسبانيا ميغيل أنخيل موراتينوس، واطلع منهم على آخر التطورات ونتائج الاجتماعات العربية وما يتّصل منها بلبنان.
وفي غضون ذلك دعا رئيس كتلة «المستقبل» النائب سعد الحريري في لقاء انتخابي تحضيري للانتخابات الفرعية في بيروت الى «تجديد الحوار حول الحكومة وحول الرئاسة وحول كل الامور». وقال: «لا يجوز أن نتوقف أمام شروط مسبقة وأن نعطل البلد لأن وجهة نظرنا هي التي يجب أن تسود. لقد آن الأوان لوعي أهمية تجديد الحوار ووقف المقاطعة السياسية، وقد سبق لي أن مددت يدي أكثر من مرة، ومع الأسف كان الجواب سلبياً أكثر من مرة». وأضاف: «ليس معقولاً أن تستمر القطيعة ويستمر الاعتصام في قلب بيروت ويستمر شلل المؤسسات والنزف الاقتصادي والاجتماعي، لأنّ الناس ملّت وتعبت وتريد أن تلتفت الى مستقبلها».

ساركوزي وحزب الله

الى ذلك، وصف الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي الوضع في لبنان بأنه مثير للقلق. ودعا الاطراف اللبنانية الى العمل على التوصل الى حل وسط للأزمة، حتى ولو تطلب الأمر تدخلاً إقليمياً ودولياً.
وقال ساركوزي في مقابلة مع صحيفة «الأهرام» نشرت أمس: «إن قرب موعد الاستحقاق الأساسي المتمثل في الانتخابات الرئاسية يجعل من الضروري الوصول الى حل وسط للخروج من تلك الازمة، وهذه مسألة ملحة». وأشار الى أن «لبنان منقسم بشدة ولا تستطيع كتلة أن تسود على كتلة أخرى. ومن هنا تأتي ضرورة العودة الى الحوار بين اللبنانيين أولاً، حتى لو تطلب ذلك في الوقت نفسه تدخّل بعض الأطراف الاقليمية المعنية والمجتمع الدولي».
ولم يشر ساركوزي الى القوى الإقليمية المعنية، إلا أنه قال إن حزب الله يرتبط بإيران وسوريا. وأكد ضرورة أن تكون مشاركة حزب الله في حل الأزمة بنفس مستوى الأطراف الاخرى. وقال «إن حزب الله ممثل رئيسي لواحدة من أولى المجموعات اللبنانية. يجب أن تكون له مكانة فيه بنفس المستوى مثل سائر التشكيلات». وأضاف «إن حزب الله تشكيل لبناني ارتبط بلاعبين إقليميين، إيران وسوريا، ومنذ نهاية الحرب الأهلية أصبح حزباً سياسياً مؤثراً يملك قاعدة اجتماعية قوية، وهو ممثل فى البرلمان اللبناني. وحتى استقالة وزرائه، كان أيضاً في الحكومة التي تألفت عام 2005».
غير أن ساركوزي أشار الى أن الحزب لا يزال يثير المخاوف بسبب احتفاظه «بتشكيل ميليشياوي كبير ومسلح تسليحاً قوياً». وقال: «من وجهة نظرنا من المهم أن نفعل كل ما بوسعنا من أجل تفضيل إرساء حزب الله ليصبح تشكيلاً لبنانياً حقاً وسياسياً فقط... ليس لدينا موقف متعصب حياله، ليس أكثر من أي طرف لبناني آخر. سنظل نقوّم موقفنا من حزب الله حسب ما تمثله تلك المنظمة والطريقة التي تعمل بها».