تجرّعت «قوى 14 آذار»، مرة أخرى، الكأس المرة على يد العماد ميشال عون، الذي سجّل فوزاً، وإن ليس ساحقاً، في المتن، ليحسم الجدل الذي أثير حول تراجع شعبيته وزعامته للشارع المسيحي بسبب خياراته السياسية، وخصوصاً أن الهزيمة لحقت بخصم غير عادي هو رئيس سابق والرئيس الاعلى لحزب الكتائب أمين الجميل، ووسط تعاطف شعبي معه لكون المقعد المتنافس عليه يعود لنجله الشهيد بيار الجميل. وبالرغم من محاولات «قوى 14 آذار»، التي حصدت فوزاً هزيلاً في بيروت، الالتفاف على هذه الهزيمة بالتشكيك في نزاهة الانتخابات من خلال اتهام حزب «الطاشناق» بعملية تزوير في أحد أقلام برج حمود، فإن المؤكد أن المشهد السياسي بعد اليوم سيكون مختلفاً لجهة التداعيات والنتائج، وستكون له آثاره في المرحلة المقبلة بحسب ما أجمع عليه مختلف الأفرقاء.
اليوم الانتخابي الطويل الذي أرهق الماكينات الانتخابية والمرشحين والحلفاء الذين واكبوا تطوّرات «أم المعارك» في المتن لحظة بلحظة، انتهى الى أرقام متضادة واحتفالات في كل من الرابية وبكفيا، في ظل الغموض الذي اكتنف النتائج. ومع اقتراب منتصف الليل، ظهرت النتيجة معلنةً فوز مرشح «التيار الوطني الحر» كميل خوري، فيما بدا فوز مرشح تيار «المستقبل» محمد الأمين عيتاني باهتاً، اذ أقبل البيروتيون على صناديق الاقتراع في مناطق المصيطبة والباشورة والرميل بنسب ضئيلة، لم تتعدّ 18.9 في المئة، على رغم النداءات المتواصلة التي أطلقها تيار «المستقبل» لحثّ الناخبين على الاقتراع، وسط مقاطعة شيعية وأرمنية وشبه مقاطعة مسيحية.
وفتحت صناديق الاقتراع وسط إجراءات أمنية مشددة نفذتها وحدات من الجيش اللبناني وقوى الأمن الداخلي. وفيما غلب الفتور في الدائرة الثانية في بيروت، خاض المتنيون الانتخابات وسط حملات إعلامية مضادة وتبادل للاتهامات وارتفاع منسوب الخطاب السياسي. ولعل أبرز ما ميّز هذا الاستحقاق هو التزام حزب الطاشناق ككتلة واحدة بالتصويت لمصلحة التحالف مع العماد عون والنائب ميشال المر الذي خاض المعركة بحزم إلى جانب حليفيه عبر قوته التجييرية، وكان كافياً أن تحسم هاتان القوتان النتيجة.
وإذا كان إعلان فوز عيتاني قد جاء رسمياً على لسان وزير الداخلية حسن السبع، قرابة الأولى فجر اليوم، أعلن عون والمر قبيل العاشرة فوز خوري «بفارق مئات الأصوات». وأكد رئيس تكتل «التغيير والإصلاح» أن «هذه المعركة ما كانت ضد شهيد، نجلّ ونحترم، بل كانت لاختيار خط سياسي»، مشيراً الى «محاولات لإلغاء أحد الأقلام ونتمنى ألا يتكرّر ما حدث في المتن سابقاً»، ودعا أنصاره الى التجمع في ساحة سرايا الجديدة للاحتفال بالفوز.
وبالفعل تجمّع هؤلاء في المكان، وما لبث أنصار الجميّل أن تجمعوا في المكان نفسه، فارتفع مستوى التوتر واضطر الجيش الى الفصل بين الطرفين للحؤول دون حصول أي احتكاك بينهما قبل أن يلتزما دعوات قيادتيهما الى الانسحاب من الساحة.
وأشار المر الى «محاولات لإلغاء أقلام اقتراع، ولكن هناك قضاة أوادم يفرزون الأصوات وقضاة رفضوا هذه المحاولات ولم يجدوا مبرّراً للإلغاء».
وقبيل منتصف الليل عقد عون مؤتمراً صحافياً كرّر فيه إعلان فوز مرشح «التيار الوطني الحر». واتهم عناصر من «القوات اللبنانية» بإطلاق النار على أحد أنصاره وإصابته في يده في عين علق، فضلاً عن ظهور مسلح في برمانا، ودعا أنصاره الى الانسحاب بهدوء من الساحات «بلا ابتهاج»، وأسف لتعرّض الجميّل للطائفة الأرمنية، مشيراً الى «موجة غضب اجتاحت الشيخ أمين إثر معرفته بالنتائج»، ومشدداً على أن «الطاشناق مكوّن حي من الشعب اللبناني ولهم الحق مثل حزب الكتائب في أن يكون عندهم حزب أو مرشح أو حليف يؤيّدونه واستغرب أن يكون هناك تطلع عنصري إليهم». وإذ هنأ المتنيّين بـ«ثباتهم وبتجديد الثقة» قال «إن المعركة أحدثت أحجاماً غير طبيعية بحجم الكرة الارضية، ولم يبق أحد إلا تدخل فيها، وكان الفعل كبيراً علينا، لكن ردة فعلنا أكبر».
وكان الجميّل قد تحدث عن تزوير في أقلام اقتراع في برج حمود وحمّل المسؤولية لحزب «الطاشناق» الذي «يريد أن يفرض إرادته على الشعب المتني، وسيكون لنا حساب معه»، قبل أن يوضح في كلمة في بكفيا لاحقاً، الى جانب رئيس الهيئة التنفيذية في «القوات اللبنانية» سمير جعجع، أنه لم يقصد إهانة أحد، «والطاشناق حزب لبناني ولا أحد يشكك في هذا الأمر»، وأعلن باسم «كل قوى 14 آذار» أن «هذه الانتخابات انتصرنا فيها، وجبل لبنان، ولا سيما المتن، قال كلمته وما هي توجهاته».
وتحدث جعجع بدوره فقال: «مثلما نحترم حساباتهم يجب أن يحترموا حساباتنا وليفصل القضاء في القضية ونحن نحترم قرار القضاء». وتمنى على «الكتائبيين والقواتين والأحرار وكل المؤيّدين التزام الهدوء وعدم الإقدام على أي رد فعل، وفي نهاية المطاف نحن أكيدون أننا بالقانون وحده قادرون على ربح كل شيء».
من جهته، رأى رئيس «اللقاء الديموقراطي» النائب وليد جنبلاط «أن أسطورة عون في التمثيل المسيحي الأحادي سقطت»، ورأى أن الجميّل «ربح المعركة في السياسة، فيما سقط عون في السياسة على رغم كل تحالفاته الداخلية والخارجية وإدلب وغير إدلب». وقال: «المرحلة المقبلة تعطي قوى 14 آذار فرصة أكبر لاختيار رئيس الجمهورية من صفوفها، هذا إذا سمح النظام السوري، وفق المواعيد الدستورية، وهذا أمر مرهون بالظروف». ورداً على سؤال كيف سيرد عون؟ أجاب: «كالعادة غوغائية ومزايدات وتحريض، فنحن نعرفه جنرالاً ورقيباً أول فاشلاً». وأشار الى أن الناس «صوّتوا للخط السيادي، بصرف النظر عن التفاصيل أعادوا النصاب الى صوت الحرية والحقيقة في وجه الذين حاولوا احتكار الصوت المسيحي».