مع انتهاء الانتخابات الفرعية، بدت قوى «14 آذار»، من المختارة إلى بكفيا ومعراب مروراً بقريطم، مشغولة بتسويق النتائج، وخصوصاً في المتن، على أنها «انتصار سياسي» على رغم خسارتها الانتخابية، لتفتح «بازار» الرئاسة بحملة عنيفة على العماد ميشال عون، معلنة انتهاء «أسطورة التمثيل العوني الحصري للمسيحيين»، بما يعطيها الأرجحية الحاسمة في اختيار رئيس الجمهورية من صفوفها، وخصوصاً بعدما اعتبر الرئيس أمين الجميّل نفسه «ممثلاً حصرياً» للموارنة، لافتاً الى أن أصوات المسلمين رجحت كفة مرشح «التيار الوطني الحر». وفيما كان رئيس الهيئة التنفيذية في «القوات اللبنانية» سمير جعجع أكثر تحديداً عندما اعتبر «أن مرشح العماد عون فاز بأصوات الشيعة»! رأى النائب سعد الحريري أن «نغمة الاستئثار بالتمثيل المسيحي سقطت على أيدي الصوت المسيحي الأصيل».إلا أن هذه «الاحتفالية» لم تحل دون استمرار الارتدادات على «الأكثرية» المتناقصة، التي يبدو أن أمامها أكثر من ملف ستعكف على معالجته خلال الفترة المقبلة، وخصوصاً على مستوى علاقة هذه القوى بجمهورها الذي أظهر فتوراً تجاه قيادته، وهذا ما تبدّى في انتخابات المتن التي لم تنجح من خلالها قوى 14 آذار في تظهير قوتها الشعبية وإكسابها مقعداً نيابياً، فضلاً عن الصفعة التي تلقتها في بيروت من خلال تدني نسبة التصويت.
وزاد من تعقيد الوضع، السخط الأرمني، بأطيافه الدينية والسياسية، من المواقف العنيفة والاتهامات التي وجهها الجميّل الى الأرمن، ما حدا بالبطريركية الأرمنية وحزب «الطاشناق» الى توجيه انتقاد عنيف الى الرئيس الأسبق، فيما سجل تململ في أوساط القوى والشخصيات الأرمنية في تحالف 14 آذار. وأسفت اللجنة المركزية لحزب «الطاشناق» لـ«المواقف البغيضة والمهينة التي يتعرّض لها الأرمن من قبل الرئيس الجميل»، معتبرة «أن هذا الأسلوب العدائي والرخيص في التخاطب والتعرّض لكرامة الأرمن لن يساعد على تخطي هذه المرحلة وإعادة الأمور إلى نصابها بين الطرفين، بل تزيد من التشنج الحاصل». وأكدت استعداد الحزب «لإعادة خوض المعركة غداً بالذات ليظهر من جديد الحجم التمثيلي الحقيقي للطاشناق، لأن الأرمن سيتوجهون إلى صناديق الاقتراع بنفس الكثافة والزخم، وربما أكثر، ليكرروا الثقة التامة لقرار حزبهم الحر والسيادي وتوجهاته الديموقراطية».
وفي ظل الصمت الذي اعتصم به البطريرك نصر الله صفير، برزت دعوات مسيحيي «الأكثرية» الى إجراء مصالحة مسيحية على أساس «ثوابت بكركي» التي تمنى الجميّل على سيّدها أن «يواصل مساعيه من أجل إعادة جمع الصف»، معوّلاً في هذا المجال على مبادرة صفير عشية الانتخابات، مكرراً الدعوة «الى الاجتماع في بكركي مدخلاً لمصالحة حقيقية»، فيما رأى جعجع أن نسبة تمثيل العماد عون وحلفائه مسيحياً هي 50 في المئة، ومسيحيو قوى 14 آذار يمثلون 50 في المئة أيضاً، داعياً إلى ضم «الخمسينتين» معاً للتوافق على مرشح واحد للرئاسة.

عون

وفي المقابل، كان جواب عون بما مفاده أنه لا أحد قادر على تخطّيه، مكرراً أن الحلّ «يبدأ بتأليف حكومة وحدة وطنية والإقرار بصلاحيات رئاسة الجمهورية»، لافتاً من يتحدث عن ثوابت بكركي الى «أننا وافقنا عليها وعلى ميثاق الشرف، وإن من يدعونا الى مناقشتها عليه التوقيع عليها أولاً. وبعدها نصعد الى بكركي للبحث فيها».
ووصفت مصادر قريبة من عون الحملة التي تشنّها الأكثرية بأنها «غبار لحجب الخسارة التي مُنيت بها، وستستمر لبضعة أيام»، مشيرة الى أن الكلام عن خسارة الرابية التمثيل المسيحي «فيه الكثير من التجني والأرقام المغلوطة»، ومتسائلة عما إذا كانت «أصوات ثلاثة آلاف درزي في المتن وثلاثة آلاف مجنّس في ساحله تدخل في حسابات الأصوات المسيحية للجميّل». ورأت أن المرحلة المقبلة قد تشهد «دينامية معينة من أجل التوصل الى تسوية ما بعدما أخفقت محاولات عزل عون وغيره». ورأت أنه «لم يبق أمامهم إلا التسوية، عبر التوافق على رئيس للجمهورية أو على حكومة إنقاذ وطني تضمن الحد الأدنى من استمرارية المؤسسات ريثما يتم الاتفاق على الرئيس العتيد، وإلا فإن البلد ذاهب الى الفراغ».
بري
ومع تراجع المبادرات العربية والدولية واقتراب موعد دخول البلاد في المهلة الدستورية لانتخابات رئاسة الجمهورية في 23 الشهر المقبل، فإن الأنظار تتجه الى عين التينة حيث يترقّب الجميع انطلاق رئيس مجلس النواب نبيه بري في تحرك ـــــ مبادرة ابتداءً من 20 الجاري يركّز فيه على تأمين تفاهمات بين الموالاة والمعارضة على تمرير الاستحقاقات المقبلة في أجواء وفاقية، مستعيناً ببعض الدعم العربي.
وقال مصدر مطلع لـ«الأخبار» إن «الوضع السائد يدفع إلى توقّع أن يبادر أكثر من فريق سياسي أساسي الى طرح أفكار معيّنة من شأنها أن تكون دافعاً للفريقين المتنازعين إلى التلاقي في منتصف الطريق والاتفاق على خريطة طريق لتجاوز المرحلة المقبلة واستحقاقاتها».

مجلس الوزراء

وعقد مجلس الوزراء أمس جلسة في السرايا برئاسة الرئيس فؤاد السنيورة الذي رأى «أن الحكومة استرجعت (بعد إجراء الانتخابات الفرعية) اعترافاً حقيقياً مدوياً من الذين كانوا يشككون في دستوريتها وشرعيتها». وقال وزير الإعلام غازي العريضي، رداً على سؤال، إن المجلس «وافق على مبدأ سفر رئيس الجمهورية الى نيويورك لحضور جلسات الجمعية العامة للأمم المتحدة، وهذا حق من حقوق رئيس الجمهورية» مشيراً الى أن الوفود التي ترافق الرئيس الى الخارج «عادة لا تحصى. والطلب المقدم الى مجلس الوزراء يضم 84 شخصاً مرافقاً لرئيس الجمهورية، إضافة الى حجوزات في فنادق وأجنحة وغرف وما شابه وإقامة لمدة 11 يوماً. لذا كان هناك اعتراض من البعض على الكلفة وعلى طريقة التعاطي مع هذا الموضوع، وسيعالج هذا الأمر بين المؤسسات المعنية».
واستغربت مصادر قصر بعبدا إثارة مجلس الوزراء هذا الموضوع، وقالت لـ«الأخبار» إن وزير الخارجية بالوكالة طارق متري أثار الموضوع «من قبيل التكتكة السياسية غير الناجحة، ذلك أن لحود لم يطلب إثارة الموضوع، وأن ما فعله لا يعدو توجيه كتاب الى سفارة لبنان لدى الأمم المتحدة عبر الأمانة العامة لوزارة الخارجية من أجل إجراء حجز احتياطي في فندق من أربع نجوم لئلا يفقد الوفد اللبناني إمكان حجز مقر الإقامة مع اقتراب موعد اجتماعات الجمعية العامة». ولفتت المصادر الى «أن رئيس الحكومة لا يقيم في سفره سوى في أغلى فندق نيويوركي هو وولدورف استوريا».