الرياض تدعو لاستئناف الحوار و«الأكثرية» ترفض «حكومة التعطيل» وتعوّل على ضغط دولي وعربي
انقشع غبار الانتخابات مفسحاً المجال أمام استئناف الاتصالات السياسية من أجل التوصّل الى حل يخرج البلاد من مأزقها، مع اقتراب الاستحقاق الرئاسي، وتمهيداً للزيارتين المتوقعتين للأمين العام للجامعة العربية عمرو موسى ووزير الخارجية الفرنسي برنار كوشنير، في الأيام المقبلة، لاستئناف المبادرتين العربية والفرنسية.
وفي هذا الإطار سجّلت أمس حركة لقاءات، أبرزها زيارتان للسفير السعودي عبد العزيز خوجة الى عين التينة والسرايا الحكومية، واتصال أجراه الرئيس فؤاد السنيورة بالعماد ميشال عون مهنئاً بفوز مرشح «التيار الوطني الحر» كميل خوري في الانتخاب الفرعي للمتن الشمالي، ومتمنياً على عون «متابعة لغة الانفتاح التي ظهرت في الخطاب السياسي من الجهتين». وبدا أن «الأكثرية» تعلّق آمالاً على «ضغط محلي وعربي ودولي لتمرير الاستحقاق الرئاسي».
وقالت مصادر مطلعة إن اجتماع الرئيس نبيه بري مع خوجة العائد إلى بيروت بعدما أمضى بضعة أسابيع في الخارج، هو بداية التحرك الذي سيقوم به رئيس المجلس في كل الاتجاهات تحضيراً للمبادرة التي سيطلقها، والتي أطلع السفير السعودي على فحواها، وعلى نتائج زيارة كوشنير الأخيرة لبيروت وما آلت إليه المبادرة الفرنسية. وقالت مصادر قريبة من بري إنه «إذا كان لا يجرؤ على القول إنه متفائل فإنه يجرؤ على القول إنه غير متشائم». فيما نقل الوزير السابق فارس بويز عن رئيس المجلس عقب زيارته انه «لا ينام، وهو يحاول إيجاد الحلول، ولن يوفر جهداً في سبيل ذلك، شرط أن تفتح أمامه ثغرة، ولو متواضعة جداً، إقليمية أو دولية أو داخلية».
وكشف مصدر مطلع لـ«الأخبار» أن بري، إزاء مطالبة المعارضة بحكومة وحدة وطنية قبل انتخابات الرئاسة، مقابل مطالبة الموالاة بانتخاب رئيس ليكون ذلك مدخلاً إلى تأليف حكومة وحدة وطنية، سيعمل على طرح التزامن بين المطلبين في جلسة حوار يدعو إليها للتوافق على الرئيس والحكومة معاً. وأقرّ المصدر بأن الأزمة «معقّدة إلى درجة كبيرة لأن الموالاة لن ترضى بتأليف حكومة وحدة وطنية قبل انتخاب رئيس جديد، وهي تعتبر حكومة السنيورة ضمانتها إذا لم يجر الاستحقاق الرئاسي في موعده، بينما تريد المعارضة سحب هذه الورقة الضاغطة عليها، عبر تأليف حكومة جديدة تتحمّل مسؤولية البلاد إذا ما تعذّر الاتفاق على رئيس جديد»، لافتاً إلى أن البلاد «لا تزال في مرحلة وقت ضائع ستستمر شهراً، في انتظار تبلور ما ستؤول إليه المفاوضات الأميركية مع سوريا وإيران، لأنه إذا لم يحصل حد أدنى من التفاهم في هذه المفاوضات فلن تجري انتخابات رئاسية».
وعلى رغم ذلك، أكد مصدر قريب من بري أن موعد 25 أيلول الذي حدّده لجلسة انتخاب رئيس الجمهورية «ثابت والدعوة قائمة». وكشف أن مبادرة رئيس المجلس تقوم أساساً على التزام نصاب الثلثين لجلسة انتخاب الرئيس، والاتفاق على رئيس توافقي ما لم تكن الأكثرية ولا المعارضة تملك هذا النصاب.
إلا أن الإشارات التي صدرت عن قوى «الأكثرية» أظهرت تمسكاً بطروحاتها ورفضها أي تأليف حكومة جديدة باعتبارها «أمراً مشبوهاً هدفه تعطيل رئاسة الجمهورية وتحويل صلاحيات رئيس الجمهورية الى الحكومة التي يسمّونها حكومة وحدة وطنية، والتي ستكون شبيهة بالحكومات التي تعوّدنا عليها طوال الـ15 عاماً الماضية» بحسب رئيس الهيئة التنفيذية لـ«القوات اللبنانية» سمير جعجع، الذي اعتبر «ان المخرج الوحيد لانتشال لبنان من مأزقه يقتضي إجراء الانتخابات الرئاسية في موعدها المحدد، وفقاً لنظامنا الديموقراطي»، فيما وصف وزير الاتصالات مروان حمادة «ما يسمّى حكومة الاتحاد الوطني» بـ«حكومة التعطيل الوطني»، سعياً إلى «منع قيام انتخابات رئاسية»، معتبراً أن «الاستحقاق الرئاسي أصبح أسهل بعد طيّ صفحة الانتخابات النيابية الفرعية، وسقوط ادعاء البعض أنهم يحتكرون التمثيل المسيحي والماروني تحديداً، وخصوصاً في ما يتعلق بآفاق رئاسة الجمهورية». ورأى أن «الجو المحلي والعربي والدولي سيتوجه حالياً نحو ضغط كبير لتمرير هذا الاستحقاق الرئاسي كي لا يقع لبنان في الفراغ، وبالتالي أرى سيناريو يشبه السيناريو الذي سبق الانتخابات النيابية في ربيع 2005، أي إن اللبنانيين أولاً سيطالبون بإجراء هذه الانتخابات الرئاسية».
السعودية وفرنسا
في غضون ذلك، قال وزير الخارجية السعودي سعود الفيصل، في مؤتمر صحافي في جدّة أمس، إن المملكة تتطلع إلى استجابة «الفرقاء اللبنانيين للمبادرات الرامية لاحتواء الأزمة، واستنئاف الحوار الوطني، واحترام العملية السياسية الشرعية، والامتناع عن أي أنشطة تزعزع أمن لبنان واستقراره، وتهدد استقلاله وسيادته ووحدته الإقليمية، وخصوصاً في ضوء التدخلات الخارجية»، فيما رأت وزارة الخارجية الفرنسية أن الانتخابات الفرعية التي جرت في لبنان تؤكد «رغبة اللبنانيين في استعادة حياة سياسية طبيعية بعيداً عن الضغوط والعرقلة»، داعية الى حل الأزمة السياسية «في روح من الحوار والتسويات».
«معركة» الخارجية
وسط هذه الأجواء، تواصل السجال بين وزيري الخارجية المستقيل فوزي صلوخ والوكيل طارق متري، فيما عقد أمس اجتماع في مكتب الأمين العام لوزارة الخارجية والمغتربين السفير هشام دمشقية، ضم السفراء: جورج سيام، ريمون بعقليني ووليم حبيب، وجرى عرض لقرار صلوخ الأخير الذي قضى بتكليف سفراء مهمات رؤساء أقسام ودوائر لملء الشواغر في الادارة المركزية. وجرى البحث في القرار ككل وإمكان تطبيقه أو عدم تطبيقه أو التوصل الى تسوية بشأنه. إلا أن مصادر دبلوماسية رأت أن اجتماع السفراء يعد «سابقة خطيرة لها تداعيات قانونية يتحمّل أصحابها تبعاتها وفقاً لنظام الموظفين، وأن هذه الخطوة قد تفتح الباب أمام اجتماعات مماثلة»، موضحة أن السفراء لا حق لهم في الاجتماع والبحث والتقرير كمجموعة.
بدوره أكد صلوخ في اتصال مع «الأخبار» أنه «لا يحق للسفراء الاجتماع وإصدار مواقف من قضايا معينة، لذلك فإن ما جرى يستدعي اتخاذ إجراءات قانونية حاسمة وفورية في حقهم كي لا تنتقل هذه الظاهرة الى بقية أعضاء السلك الدبلوماسي وموظفي القطاع العام».
وأكد صلوخ أن قراراته لها قيمة قانونية أعلى من قرار متري مما يلغي قرار الاخير، وأنه أعطى مهلة أيام قبل اتخاذ إجراءات قانونية بحق من لا يلتزم من السفراء وقد تصل الى إحالتهم الى التفتيش المركزي ومجلسي الخدمة المدنية والتأديب.
وقالت مصادر دبلوماسية إن السفراء قد يتعرضون لمساءلة قانونية لاحقة لكونهم أعلم من غيرهم بأحكام القانون الإداري ويمتنعون عن تطبيقه عمداً، علماً بأنهم يدركون أن صلوخ هو الوزير الأصيل ولم تقبل استقالته. ورأت مصادر سياسية أن عرض قرار صلوخ على مجلس الوزراء أول من أمس ومناقشته وإصرار المجلس على تنفيذ قرار متري «أظهر أن الحكومة مصمّمة على الاستفادة من الاستقالة غير المقبولة للوزراء الستة لتمضي في سياسة الاستئثار»، ورأت المصادر أن الحكومة تلقي اليوم المشكلة في داخل الجسم الدبلوماسي واضعة إياه أمام احتمال تكرار تجربة الانقسام على مستوى السلطة مثل تجربة حكومتي الرئيس سليم الحص والعماد ميشال عون، غير أن الجسم الدبلوماسي بقي آنذاك موحداً ولم ينقسم، لكن احتمالات نجاح هذه التجربة اليوم غير مضمونة».
... ومعركة البارد
وعلى جبهة نهر البارد، ارتفعت حدة الاشتباكات أمس، بعد يومين من الهدوء النسبي، فدارت معارك عنيفة على مختلف المحاور، وقالت مصادر لـ«الأخبار» إن المعركة ربما تنتهي «خلال ساعات»، وإن الاشتباكات تدور على أبواب ما يعرف بـ«مقر ياسر عرفات» حيث أقام الرئيس الفلسطيني الراحل في الثمانينات.
وتركزت الاشتباكات على محورين متقابلين داخل المربع الأمني الذي يسيطر عليه المسلحون داخل المخيم القديم، وهما محور التعاونية ـــــ مركز ناجي العلي الطبي ومستوصف الشفاء، ومحور مقر التنظيم الواقع وسط الطريق العام عند مدخل السوق، ويبعد أحدهما عن الآخر قرابة 300 متر، ومن شأن سيطرة الجيش عليهما، ووضع يده بشكل كامل على الشارع العام، تسهيل حسم المعركة.
وفي مواجهة الضغط المركز من جانب الجيش على مواقع مسلّحي «فتح الإسلام»، رد هؤلاء بإطلاق رصاص القنص على مواقع الجيش والمناطق المجاورة، ما أدى الى إصابة خمسة جنود بجروح، إضافة الى إطلاقهم ثلاثة صواريخ على بلدتي دير عمار والعبدة.