امتد الانقسام الحاصل على المستوى السياسي إلى السلك الدبلوماسي في وزارة الخارجية، مع بروز معطيات تشير إلى بوادر «انتفاضة» دبلوماسية في وجه قرارات وزير الخارجية بالوكالة طارق متري، بعدما حذر دبلوماسيون من «الآثار الخطيرة لطريقة إدارة متري للوزارة»، ملوّحين بـ«معركة لكشف ملفات تتعلق بالفساد».أما على الصعيد السياسي، فقد بدا على هامش الزيارات «الاستطلاعية» للسفير السعودي عبد العزيز خوجة، و«آمال» الجامعة العربية بأن تكون الانتخابات الفرعية «خطوة على طريق حلّ الأزمة السياسية»، ومواقف «الأكثرية» الرافضة لأي بحث في تأليف حكومة وحدة وطنية، أن مصير الاستحقاق الرئاسي معلّق على «كلمة السر» الأميركية.
وفيما شملت جولة خوجة، أمس، رئيس «اللقاء الديموقراطي» النائب وليد جنبلاط، وسط استمرار «صيامه» عن التصريح بفحوى اللقاءات التي يجريها، نقلت مصادر مطلعة عن السفير الأميركي جيفري فيلتمان قوله لبعض نواب فريق «14آذار»، إن الأمور «يبدو أنها لن تمشي إلا بالثلثين والتوافق». وقرأت المصادر في هذا الموقف «ميلاً أميركياً مستجداً للتسهيل»، وخصوصاً بعد فشل عملية عزل العماد ميشال عون، والموقف الصلب للمعارضة. وعطفت هذه المصادر إلى إعلان مساعد وزيرة الخارجية الأميركية لشؤون الشرق الأوسط ديفيد ولش أن الولايات المتحدة «تعوّل أساساً على دور للرئيس نبيه بري في إتمام الاستحقاق الرئاسي في موعده».
وقالت مصادر مطلعة لـ«الأخبار» إن بري طلب من خوجة، لدى استقباله أول من أمس، أن تضع الرياض ثقلها لممارسة «سياسة الإقناع» مع «الأكثرية»، من أجل أن تقدم شيئاً في مقابل الإيجابية التي أبدتها المعارضة، وخصوصاً بري نفسه في كل المبادرات التي تقدم بها»، مما قد يسمح بفتح ثغرة في جدار الأزمة. وأكّدت المصادر أن الكلمة السحرية التي يطرحها بري هي «التوازي»، لا التزامن، عبر تأليف حكومة وحدة وطنية ضمن سلة متكاملة، يكون أول بنودها احترام المهل الدستورية، والتوافق على رئيس للجمهورية يجري انتخابه بـ«أكثرية الثلثين من مجموع النواب الأحياء الذين يتألف منهم المجلس»، وتأليف لجنة متابعة من الموالاة والمعارضة لتنفيذ هذه البنود خلال أسبوع واحد، مع تقديم كل الضمانات المطلوبة من فريقي النزاع. وذكّرت المصادر أن هذه الصيغة لقيت استحسان وزيري الخارجية الفرنسي والإسباني برنار كوشنير وميغيل أنخيل موراتينوس، قبل أن تعيد «الأكثرية» الأزمة إلى المربع الأول في غداء قصر الصنوبر برفضها التزام نصاب الثلثين والعودة إلى طرح حكومة 19 ـــــ 10 ـــــ 1.
ونقلت المصادر عن رئيس المجلس تحذيره من لعبة لتضييع الوقت، تمارسها «الأكثرية» للوصول إلى موعد الاستحقاق وتسلم السلطة كاملة من رئيس الجمهورية العماد إميل لحود. وقالت إن بري «يعوّل على الموقفين السعودي والفرنسي للبننة الاستحقاق عبر حوار داخلي».
في غضون ذلك، قالت مصادر مطلعة على موقف البطريركية المارونية، إن رئيس المجلس تلقّى من البطريرك الماروني نصر الله صفير تشجيعاً على القيام بمبادرة لإنهاء الأزمة بما يؤدي إلى إنجاز استحقاق رئاسة الجمهورية على أسس وفاقية تحول دون حصول انقسام جديد في البلاد على مستوى المؤسسات الدستورية. وكشفت المصادر أن صفير تلقّى مناشدات من عدد من القادة المسيحيين والسياسيين، تدعوه إلى المبادرة لإجراء مصالحة مارونية تسبق استحقاق انتخابات رئاسة الجمهورية، لكون هذا الاستحقاق «مارونياً بامتياز» . وتوقعت أن يرسل البطريرك موفدين إلى القادة الموارنة لتسويق مشروع مصالحة لديها، حتى إذا ما نجح الموفدون في مهمتهم، يبادر عندها إلى دعوة هؤلاء القادة إلى لقاء مصالحة برعايته.
من جهة أخرى، رأت الجامعة العربية، على لسان أمينها المساعد للشؤون السياسية السفير أحمد بن حلي، أن الانتخابات الفرعية «خطوة على طريق حلّ الأزمة السياسية التي يشهدها لبنان»، معرباً عن أمله «أن يُبنى على هذه النتائج، من أجل معالجة الأزمة قبل حلول موعد الانتخابات الرئاسية في 25 أيلول المقبل، وعودة مختلف الأطراف السياسية إلى الحوار».
الخارجية
على صعيد آخر، ورداً على الاجتماع الذي عقده عدد من السفراء في الإدارة المركزية أول من أمس، عقد عدد من الدبلوماسيين المعيّنين في الخارج اجتماعاً عبر الهاتف تباحثوا خلاله في مسائل تهم السلك الدبلوماسي. وأبلغت مصادر المجتمعين «الأخبار» أنهم توافقوا على «أن ما يحصل من تضارب في القرارات بين الوزير الأصيل والوزير الوكيل أخذ منحىً خطيراً بات يهدّد وحدة السلك الدبلوماسي المعني بتمثيل لبنان الموحّد في الخارج». وإذ رأوا أن هذا الوضع «ما كان ليحصل لو أن الوزير فوزي صلوخ تصرف بطريقة مختلفة منذ إعلان استقالته التي لم تُقبل»، أكدوا أن «تجاهل متري لخصوصيات السلك وتوازناته، ولأهمية القرارات المتعلقة بالتعيين، هو الذي خلق حال الإرباك الحالية التي كان يمكن تفاديها لو اعتمد التشاور والحرص وسيلةً لاتخاذ القرارات التي يعتقد أنها من صميم حقوقه».
ولفت المجتمعون إلى «ضعف خبرة متري الذي رضي بإرسال السفراء المعينين إلى الخارج من دون أوراق اعتماد، ما ألحق إساءة معنوية، ليس فقط بالسفراء أنفسهم، بل بالسلك الدبلوماسي والدولة اللبنانية، بسبب الطريقة التي عوملوا بها»، مشيرين إلى أنه «كان الأمل أن يتدارك متري هذا الخطأ الجسيم من خلال الامتناع عن اتخاذ قرارات غير مدروسة والتمادي في الإساءة، غير المقصودة بالضرورة، إلى السلك الدبلوماسي، على غرار قرار تعيين مدراء الوحدات المركزية في الإدارة، والذي ظهر وكأنه إرضاء لمحسوبين».
واستغربوا «اجتماع عدد من السفراء للتباحث في كيفية التعامل مع قرار الوزير صلوخ وامتناعهم عن تنفيذه. والاستغراب الأكبر يعود إلى استضافة الأمين العام لوزارة الخارجية هشام دمشقية لهذا الاجتماع، الذي يعرف المشاركون فيه أنه مخالف للقانون ولنظام الموظفين ويستدعي المحاسبة الفورية». ولاحظ الدبلوماسيون «أن ثلاثة من السفراء الذين اجتمعوا، على الأقل، معروفون بمخالفاتهم المتمادية للقانون، وخصوصاً لجهة سوء التصرف بالمال العام، ما كان يوجب محاسبتهم ومعاقبتهم منذ فترة بعيدة».
ونقلت المصادر عن الدبلوماسيين تأكيدهم «أن الكيفية التي ستعالج فيها الأزمة الحالية ستترك أثراً كبيراً وخطيراً على التطورات التي قد تشهدها الوزارة. فالسفراء المجتمعون في مكتب دمشقية يعلمون جيداً أن عدم قبول استقالة الوزير الأصيل وبالتالي عدم نفاذها، يجعل قراراته قانونية مئة في المئة، ولا يحق لهم عدم تنفيذها تحت طائلة المحاسبة القانونية والمسلكية»، لافتين إلى «أن الذي استباح المال العام طيلة سنوات خدمته ولم يتعرض للمساءلة، ما زال يتصرف كأنه فوق القانون وتحت الحماية السياسية»، ومعتبرين أنه «آن الأوان لوضع حد لهذه المهزلة التي أساءت إلى سمعة السلك بسبب التواطؤ على تغطية الفساد، وإذا كان هؤلاء السفراء سيذهبون إلى حد تهديد وحدة السلك، من خلال تمردهم على قرار الوزير صلوخ لأسباب نعلم جيداً أنها شخصية ونفعية، فعليهم ألا يتوقعوا أن تمر خطيئتهم مرور الكرام، وإنما الاستعداد للمعركة الحقيقية المتمثلة بكشف ملفاتهم المتعلقة بالفساد أمام الرأي العام اللبناني».
إلى ذلك، علمت «الأخبار» أن صلوخ قرر الحضور بشكل دائم في مكتبه في الوزارة حتى تطبيق قراره المتعلّق بتعيين مديري الوحدات المركزية في الوزارة. فيما أكدت مصادر دبلوماسية أن قرار متري تعيين السفير وليم حبيب مديراً للشؤون السياسية والقنصلية في الوزارة جاء بطلب مباشر من رئيس الهيئة التنفيذية في «القوات اللبنانية» سمير جعجع. ووصفت المصادر هذا القرار بـ«بالكارثي».