مع ضبابية مصير المبادرتين العربية والفرنسية ومسارهما، بدأت تلوح في أفق الأزمة اللبنانية مبادرة فاتيكانية، عنوانها الرئيسي هو الاستحقاق الرئاسي، وهدفها التخفيف عن بكركي عبء اقتراح اسم مرشح توافقي يتمتع بصدقية لدى المسيحيين وبقدرة حوارية، ويكون في الوقت نفسه مقبولاً من المعارضة والموالاة.في غضون ذلك، قالت مصادر مطّلعة على التحرك الفرنسي لـ«الأخبار» إن مجيء وزير الخارجية الفرنسي برنار كوشنير في 23 الجاري غير مضمون، ولفتت إلى أن موفده جان كلود كوسران غير متحمس لعودته إذا لم تكن مضمونة النتائج. وأوضحت أن الجانب الفرنسي يحاذر أن تلقى مبادرته المصير نفسه الذي لقيته مبادرة الأمين العام لجامعة الدول العربية عمرو موسى الذي تلقّى أمس اتصالاً من رئيس الحكومة فؤاد السنيورة.
ومما يعزز احتمال المبادرة الفاتيكانية، بحسب مصادر مطلعة، أن الخارجية الأميركية تلحّ على الفاتيكان للقيام بهذا الدور، إضافةً إلى أن الكرسي الرسولي استعجل مجيء القائم بالأعمال الجديد للسفارة البابوية الذي سيصل نهاية الأسبوع الجاري الى لبنان آتياً من العراق. وترى هذه المصادر أن الدوائر الدبلوماسية الفاتيكانية أوعزت إليه الالتحاق السريع بمنصبه الجديد ليتسنى له الاستعداد الكافي والتعرف عن كثب على الواقع اللبناني، قبل أن يحين وقت إطلاق المبادرة التي «يمكن القول إنها في مرحلة انتظار إشارة البدء من بكركي».
ومن جهتها، أكدت دوائر دبلوماسية فاتيكانية وقوفها خلف البطريرك الماروني، واستعدادها لمؤازرته في الوقت الذي يطلب فيه منها ذلك. وقالت: «عندما تدق ساعة الحقيقة، ويلوح شبح الفراغ الرئاسي مصحوباً بذكرى الأحداث الأليمة التي حصلت نتيجة عدم إجراء انتخابات رئاسية سنة 1988، سيجد البطريرك صفير ضرورة للتدخل بقوة حتى لا يتكرر المشهد نفسه. ذلك أنه لا يمكن التكهن بما يمكن أن يتسبب به فراغ رئاسي آخر من تداعيات على مستوى الحضور المسيحي في لبنان وبالتالي في الشرقين الأدنى والأوسط برمتهما». وأضافت: «عندما يبلغ دور البطريركية المارونية حد التعاطي بالأسماء، بعد قيامها بتهيئة المناخ الملائم في مختلف الأوساط المسيحية السياسية وغير السياسية، يأتي دور الفاتيكان لأخذ الدور الصعب عنها، في ظل تفضيلها عدم تسمية مرشح والدخول في خصومة مع سائر المرشحين، كما حصل سنة 1988». وختمت هذه المصادر بالقول: «هذه المرة، لا مفر لبكركي من التدخل، وللفاتيكان من مساندتها لإنجاح عملية انتقال السلطة إلى رئيس جديد للجمهورية».
بري
الى ذلك، حذّر رئيس المجلس نبيه بري من مغبة دفع الاستحقاق الرئاسي ليكون ورقة في ساحة الصراعات الإقليمية والدولية ومركز الاستقطاب لمشاكل متعددة في المنطقة. وقالت مصادر قريبة منه إنه «إذ يجهد حالياً للعثور على نافذة للعمل على توسيعها، يأمل ألا يبادر الآخرون للسعي إلى إغلاقها»، لافتةً إلى أن «الارتهان للإرادات الخارجية هو الذي قاد إلى الوضع المأزوم الذي تعيشه البلاد حالياً».
وفيما يحاذر بري، الذي حدّد النصف الثاني من هذا الشهر لبدء تحركه واتصالاته مع الكتل النيابية والمرجعيات السياسية والروحية لبحث إنجاز الاستحقاق الرئاسي، كشف مضمون المبادرة التي تردد أنه سيطلقها، فإن التقديرات ترجّح ألّا تختلف في جوهرها عن الأفكار التي طرحها على وزيري خارجية فرنسا وإسبانيا برنار كوشنير وميغيل أنخيل موراتينوس ولاقت استحسانهما واعتبراها قاعدة يمكن البناء عليها، وهي تقوم على أساس أن مبدأ تأليف حكومة وحدة وطنية لم يفت أوانه بعد، «إذ إن أربعة أشهر لا تزال تفصلنا عن نهاية الفترة الدستورية لانتخاب رئيس جديد للجمهورية». ولأن فريق السلطة، على ما يبدو، لم يحسم بعد في نقطتين لم تعودا قابلتين للنقاش بالنسبة الى المعارضة هما: نصاب جلسة الرئاسة، وحكومة شراكة على قاعدة 19 ـــ 11، يرى المراقبون أن مهمة بري لن تكون سهلة، «لكنه مصمم على المضي بها مهما كانت الظروف»، وهو يدرك أنها تحتاج إلى جهد ومتابعة مع الجهات الداخلية والخارجية.
وتشير المصادر الى أنه، على المستوى الخارجي، تتزايد الإشارات إلى حركة دولية ضاغطة باتجاه إنجاز الاستحقاق الرئاسي على قاعدة التوافق والأصول الدستورية. ووفق المعطيات المتوافرة فإن الولايات المتحدة تميل الى الاقتناع بذلك. وبحسب المصادر، فإن «هذه التوافقات الدولية تمثّل قاعدة إسناد حقيقية لمبادرة بري الهادفة إلى تأمين ظروف مناخات سياسية منفتحة تفتح الأبواب على حوارات هادئة تقود إلى إنهاء الأزمة، لأن جمود المواقف والبقاء في الدائرة المغلقة ذاتها يقفل نوافذ التسويات ويحكم ربط الأزمة بصراعات المنطقة».
نهر البارد
ميدانياً، شهدت الاشتباكات في نهر البارد حماوة، وقد دخل أمس عنصر جديد على المعركة بمشاركة طائرات تابعة لسلاح الجو في الجيش اللبناني في قصف مواقع مسلّحي تنظيم «فتح الإسلام»، على دفعتين، ما أسفر عن إلحاق إصابات مباشرة بالملاجئ والأبنية التي يتحصّن فيها المسلّحون داخل المربع الأمني من المخيم القديم. وعلمت «الأخبار» أن الصواريخ التي استخدمها الجيش بواسطة طائرة الغازيل تعود إلى طائرات الهوكر هنتر المتوقفة عن الطيران منذ مطلع التسعينات وقد تم تركيب أجهزة إطلاق خاصة بها على طائرات هليكوبتر شوهدت أمس تحلق في الأجواء فوق المخيم.
وترافق الهجوم الجوّي مع اشتباكات عنيفة اندلعت صباحاً، وخفّت ظهراً قبل أن تعاود وتيرتها المرتفعة عصراً، ما أسفر عن تقدّم الجيش داخل السوق القديمة مسافة قُدّرت بنحو 70 متراً، وأدّى الى شقّ المخيم القديم الى نصفين.