علمت «الأخبار» أن اتصالات بدأت محلياً وإقليمياً ودولياً تحضيراً لمؤتمر إقليمي ـــــ دولي لمعالجة الأزمة اللبنانية تقرر في ضوئها إلغاء زيارة وزير الخارجية الفرنسي برنار كوشنير التي كانت مقررة إلى بيروت في 23 من الجاري، والاستعاضة عنها بتنشيط هذه الاتصالات تحضيراً لهذا المؤتمر.وذكرت المعلومات أن هذا المؤتمر الذي ستشارك فيه جامعة الدول العربية، ستحضره مصر وسوريا والسعودية وفرنسا وإسبانيا وألمانيا. وقالت مصادر مطّلعة على التحرك الفرنسي لـ«الأخبار» إن فرنسا تدفع بقوة لعقد هذا المؤتمر، انطلاقاً ممّا لها من مصالح في لبنان وهي في ضوء العلاقة المتينة التي تربطها بالولايات المتحدة، تعمل على إقناع واشنطن باستثناء لبنان من «مشروع الفوضى الخلّاقة» الذي تنفذه في المنطقة.
وأشارت هذه المصادر إلى أن فرنسا متخوّفة جداً على لبنان، لأن المعطيات المتوافرة لديها تشير إلى أن واشنطن غير عابئة بأي شيء في المنطقة لا يخدم أمن إسرائيل، وقالت إن باريس تمارس ضغوطاً على واشنطن لتجنيب لبنان «الكأس المرّة» وإنها بعد أن كانت قد تحمست للقرارين 1559 والـ1701 تجد نفسها الآن في موقع يفرض عليها التحاور مع جميع الأطراف اللبنانية وإقامة علاقات متوازنة معها، بدليل أن الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي بادر إلى الاعتراف بحزب الله فريقاً سياسياً رئيسياً في المعادلة السياسية اللبنانية، نازعاً عنه صفة الإرهاب التي تطلقها الولايات المتحدة الأميركية عليه.
في غضون ذلك، شهدت عطلة نهاية الأسبوع تصعيداً في المواقف بين الموالاة والمعارضة جاء بعد 24 ساعة على ما أعلنه رئيس مجلس النواب نبيه بري في حديثه الإذاعي من مواقف يرجّح أن تكون عناوين المبادرة التي ينوي إطلاقها بعد مشاورات سيبدأها مع الطرفين ابتداءً من منتصف الجاري.
وأعادت هذه المواقف التصعيدية الذاكرة إلى ما كان قد سبق من مبادرات، والمواقف التي أدّت إلى تعطيلها، لكن لم تستهدف صاحب المبادرة مباشرة وإنما استهدفت أطرافاً سياسية بارزة معنيّة بها، وتحديداً «حزب الله» و«التيار الوطني الحر» وحلفاءهما، وسوريا.
فالرئيس أمين الجميّل تحدث أمام أنصاره في بكفيا لمناسبة «اليوم المتني وفاءً للشهيد بيار الجميّل» مهاجماً «التيار الوطني الحر» من دون أن يسمّيه من زاوية «التفاهم» القائم بينه وبين «حزب الله»، فتوجّه إلى الحاضرين قائلاً «لا يقنعنّكم أحد بأن أوراق التفاهم خارج الشرعية تحمي أمنكم ووجودكم، وخصوصاً عندما تتجاوز منطق الدولة السيدة وتفتح المجال لكل الانتهاكات للسيادة الوطنية والقرار اللبناني الحر». وأصرَّ على «إجراء الانتخابات في مواعيدها الدستورية، وأن يحظى الرئيس الجديد بالتفاف واسع لكي يمثل طموحات الشعب اللبناني». وأعلن «أننا سنتصدى لكل محاولات تأجيل هذه الانتخابات».
في موازاة ذلك، شنّ رئيس «اللقاء الديموقراطي» النائب وليد جنبلاط هجوماً عنيفاً على رئيس الجمهورية إميل لحود وعلى الرئيس السوري بشار الأسد، فوصف الأول بـ«المجرم الصغير والأهبل الصغير»، ووصف الثاني بـ«المجرم الكبير والأهبل الكبير». وتوقع «مزيداً من الاغتيالات والتفجيرات ما دامت الحدود اللبنانية ـــــ السورية مشرّعة». ورأى «أن السلاح الذي يحمي أنظمة الحقد والاستبداد ويتواصل من بيروت إلى إيران عبر نظام دمشق ليس بمقدّس، ولن يكون كذلك أياً كانت مآثره في مواجهة إسرائيل» وقال: «حذار من أي جهة كانت، محلية أو أجنبية، فرداً أو دولة، من محاولة مقايضة المحكمة على حساب العدالة والسيادة والحرية. لن نسمح لهم أياً كانوا بالدخول في هذه اللعبة القذرة، لكن هذا يتطلب منا ومنكم أيها الرفاق مزيداً من التصميم ومزيداً من التضحية والوعي والعناد (...) فلنكمل المشوار ولنعبر الجسر إلى لبنان الجديد ـــــ ربما شرق جديد ـــــ وخائن في صفوفنا الذي قد يفكر على طريقته من قريب أو من بعيد من فريق 14 آذار بالمساومة أو التسوية، أصلاً سيحكم بالإعدام المعنوي والسياسي».
ودعا رئيس كتلة الوفاء للمقاومة النائب محمد رعد «الفريق الحاكم إلى انتهاز الفرصة والقبول بالشراكة الوطنية قبل أن يفوت الأوان، لأن كل عناصر الإمداد والدعم والقواعد الدولية والإقليمية التي أمدت هذا الفريق من أجل أن يصادر القرار السياسي في هذا البلد، ويأخذه إلى الضفة التي يريدها الأميركيون والإسرائيليون، بدأت تتهاوى وتتراجع على المستوى الدولي والإقليمي».
مخيم البارد
إلى ذلك، تواصلت العمليات العسكرية في مخيم نهر البارد، ودخلت في مرحلة بالغة الدقة، بعدما استمر اشتراك المروحيات العسكرية في المعارك إلى جانب القوات البرية التابعة للجيش اللبناني، فضلاً عن انضمام الزوارق الحربية في تضييق الحصار على مسلحي تنظيم «فتح الإسلام» المتحصنين في مربع أمني صغير في الجهة الغربية الجنوبية للمخيم.
وقبل ظهر أمس، دارت اشتباكات متقطعة في عمق المخيم، وتحديداً في محيط أحياء سعسع والغوارنة والجاحولا، وأفيد عن مقتل عدد من المسلحين. وبينما كانت الاشتباكات تعنف بين حين وآخر على مختلف المحاور، استكمل الجيش قصف المواقع الباقية لـ«فتح الإسلام» داخل المخيم.
وفي الوقت الذي تجمّع فيه عشرات المواطنين قرب مدافن منطقة باب التبانة في طرابلس احتجاجاً، بعدما تلقوا معلومات مفادها أن ذوي شهاب قدور (أبو هريرة) ينوون دفنه في تلك المدافن، أوضح عضو رابطة علماء فلسطين الشيخ محمد الحاج أن «الجيش اللبناني قدم كل التسهيلات من أجل إجلاء من بقي من المدنيين داخل مخيم نهر البارد، وخصوصاً عوائل مسلحي تنظيم «فتح الإسلام»، إلا أن أي نتيجة ملموسة لم نتوصل إليها بعد».