باريس ــ بسّام الطيارة
بدأ وزير الخارجية الفرنسي برنار كوشنير، أمس، زيارة إلى بغداد، هي الأولى من نوعها منذ احتلال العراق عام 2003. ورغم إعلان باريس أن هدف الزيارة هو «نقل رسالة تضامن من فرنسا إلى الشعب العراقي والاستماع إلى ممثلي جميع الأطراف من دون استثناء»، إلا أن المراقبين يجمعون على أن تأثير الدبلوماسية الفرنسية شبه معدوم في بلاد الرافدين في ظل الفريق الحاكم اليوم، ويعطون برهاناً على ذلك إعلان الحكومة العراقية عن زيارة رسمية يقوم بها رئيس الحكومة نوري المالكي إلى سوريا غداً الإثنين.
فالوزير الفرنسي يحمل هموم ملفات كثيرة، إلا أن «الهم اللبناني» لا يزال، بحسب مصادر مقربة منه، في مقدم قائمة هذه الهموم. ومع اعتراف مصادر دبلوماسية بـ«ضعف التأثير الفرنسي في العراق»، إلا أن الدبلوماسية الفرنسية ترى إمكان فتح كوة لعودة فرنسا إلى أداء دور في المنطقة بعدما «أخرجها الرئيس الأميركي جورج بوش عنوة».
وترى المصادر نفسها أن المحاولة الفرنسية تسعى إلى الدخول في اللعبة من خلال دور في «المثلث الإيراني ـــــ العراقي ـــــ السوري»، ويمكنها الاستفادة من «موقع الضعف هذا لتحويله إلى ورقة رابحة»؛ ففي بغداد يمكن أن تجد باريس حلفاء لها، كونها عارضت بقوة الغزو الأميركي للعراق، وهي اليوم تتمنع عن الموافقة على إشراك الحلف الأطلسي في مهمات قتالية فيه.
وفي الملف النووي، ورغم موقفها المتضامن مع المجموعة السداسية، إلا أنها تظهر بعض الليونة التي تتجسد في معارضتها للخطوات الأحادية الجانب من قبل واشنطن، ولا تزال تدعو إلى الحوار مع طهران للخروج بحل مرضٍ للجميع. أما في ما يتعلق بسوريا، فـ«الدبلوماسية الفرنسية تجاوزت القطيعة التي فرضها شيراك على دمشق»، وأرسلت سفيرها فوق العادة جان كلود كوسران للتشاور في الملف اللبناني.
ولعل بين هذه الأوراق الثلاث يكمن طريق الكوّة لعودة باريس إلى أداء دور ما، وخصوصاً أن تمرير القرار الرقم ١٧٧0 في مجلس الأمن لم يكن ممكناً من دون توافق الول الخمس الكبرى، ويعدّ اعترافاً بما طالبت به فرنسا سابقاً مراراً: إعطاء دور للأمم المتحدة في العراق وبرمجة انسحاب أميركي.
وتتابع المصادر الدبلوماسية أن بعض الخبراء في باريس يرون أن المباحثات حول العراق بين الإيرانيين والأميركيين، مثلها مثل مباحثات دول الجوار التي دارت في دمشق، لن تصل إلى أي نتيجة بسبب «ميزان القوى الزمني» الذي لا يلعب لمصلحة واشنطن. وترى أن «دمشق وطهران لن تعطيا بوش المنتهية ولايته ما لم تعطياه عندما كان في أوج قوته».
وتقول هذه المصادر إن غياب السعودية عن اجتماع دمشق، إذ يعبر عن تباعد سعودي سوري، فهو ينعكس على مجمل الملفات في المنطقة بما فيها الملف اللبناني. وتشير إلى أن «الرياض تنظر إلى الملف اللبناني عبر مجهر يكبّر صراعها مع طهران، ما يجعل هذا الملف بين محور سعودي أميركي يواجه محوراً إيرانياً سورياً، وأن من أهداف كوشنير اليوم محاولة إخراج هذا الملف من بين فكي هذين المحورين عبر تبادل خدمات مع الإدارة الأميركية».
وتأتي زيارته هذه إلى بغداد في وقت ملائم جداً لواشنطن لتظهر «رغبة فرنسية بالعودة إلى مساعدة بوش على الخروج من العراق عبر تعزيز الأمم المتحدة»، وخصوصاً أن أصواتاً في بريطانيا ترتفع يومياً للمطالبة بخروج القوات البريطانية من جنوب العراق والتركيز على أفغانستان.
ولا تستبعد هذه المصادر أن يقوم كوشنير في الأيام المقبلة بزيارة إلى سوريا سعياً للوصول إلى هدف إبعاد لبنان عن «شمولية الملف العراقي في المنطقة»؛ فكل العاملين على الملف اللبناني في الدبلوماسية الفرنسية، مع اعترافهم بأن «دمشق لم تعط شيئاً للموفد كوسران»، يرون أنه «لا مجال لتجاوز دمشق في هذا الملف» مع تأمين دعم أميركي لتليين موقف الرياض بعد الحصول على «ضمانات سورية تتعلق بالعراق».
ويرى المراقبون أن التشدد السعودي يمكن أن يخف إذا وجد انفتاحاً سورياً في الملف العراقي.
ويتوقع أن تكون مجمل هذه الطروحات على طاولة المباحثات بين الدبلوماسية الفرنسية ومساعد وزيرة الخارجية الأميركية ديفيد ولش المنتظر وصوله إلى باريس في منتصف الأسبوع الجاري؛ فكما قال كوشنير أمام مساعديه إن «الوقت يداهمنا». وحسب مقربين منه، فهو يرى «صعوبة الوصول إلى حل في هذه الظروف يجنب لبنان حكومتين»، إلا أنه أكد أكثر من مرة أنه «لا خوف من انفجار أمني» نتيجة هذا «الوضع الذي يتوجه نحوه لبنان». غير أن الجميع يتّفق على عدم إمكان ترك الأمر مجمداً على ما هو، وخصوصاً أن التاريخ يشير إلى أن «الخروج من مآزق طويلة الأمد ينتهي دائما بانفجار».
وكان كوشنير قد استهلّ زيارته بدعوة العراقيين إلى إيجاد حل سياسي لوقف العنف في بلادهم، مشدّداً على استبعاد أي حل عسكري. وقال، في مؤتمر صحافي عقده في ختام اليوم الأول من زيارته إلى بغداد، «إنها مسألة عراقية، ولا بد أن يجد العراقيون حلاً لها. ما أعتقده وما يعتقده (الرئيس الفرنسي نيكولا) ساركوزي أنه لا مجال للحل العسكري وهذا موقف ثابت لبلادنا». وتابع «لقد عارضنا الديكتاتور (صدام حسين) إلا أننا ضد الطريقة التي جرت فيها الأمور».
وقال كوشنير إن زيارته تستهدف الاستماع وليس تقديم أي مبادرة دبلوماسية. وأضاف «أريد الاستماع إلى الناس. يجب أن نفهم هذا البلد. يجب أن نفهم ما يحدث بين الشيعة والسنة. ليس فقط في العراق»، مشيراً إلى أنه سيلتقي مع ممثلين من كل الطوائف العراقية وأعضاء الحكومة على مدى اليومين المقبلين.
إلى ذلك، رحب المتحدث باسم مجلس الأمن القومي في البيت الأبيض غوردن جوندرو بزيارة وزير الخارجية الفرنسي، معتبراً أنها مؤشر إلى عزم الأسرة الدولية على دعم العراق. وقال «بعد تعزيز مهمة بعثة الأمم المتحدة في العراق والمؤتمرات الأخيرة مع دول جوار العراق وقرار السعودية فتح سفارة في بغداد وإلغاء الدين العراقي العائد إلى عهد صدام (حسين)، إن (الزيارة) مثال جديد على إرادة الأسرة الدولية المتزايدة على مساعدة العراق حتى يصبح دولة مستقرة وآمنة».