عون يتحدّث عن «تغيير أميركي»... وكوسران يعود إلى لبنان قريباً تمهيداً لزيارة جديدة لكوشنير
لم يوفّق مسيحيو فريق 14 آذار في عكس تفاهم جدّي فيما بينهم على الوجهة المقبلة في ما خص الملف الرئاسي. وفي ما عدا توافقهم جميعاً على إضافة العماد ميشال سليمان خصماً بعد العماد ميشال عون، فإن التباين حول طريقة التعامل مع موقف الكنيسة المارونية من الاستحقاق ظل قائماً كما الحال بالنسبة إلى الموقف النهائي من مسألة النصاب الدستوري، علماً بأن جوانب أخرى برزت في هذا الاجتماع تتعلق بتوتر ضمني ساد شخصيات بارزة إزاء محاولة قائد القوات اللبنانية سمير جعجع تكريس نفسه مرجعيةً لمسيحيي السلطة.
وكشفت مصادر مطلعة أن النتيجة الأكيدة من الاجتماع أمس كانت في توافق الحاضرين على رفض تسوية تأتي بقائد الجيش إلى رئاسة الجمهورية، وأن الترتيبات الخاصة بتعديل الدستور يجب أن تسحب من التداول، وأن يتم تنشيط الاتصالات مع البطريرك الماروني نصر الله صفير لإقناعه بالعودة إلى موقفه السابق الرافض لأي تعديل للدستور. لكن النقاش الذي جرى حول آلية النظر في الترشيحات المقدمة من شخصيات في 14 آذار، والاتفاق على تسمية مرشح واحد تركت إلى وقت لاحق «لأجل التشاور مع بقية الحلفاء من جهة ومع القوى الفاعلة» حسبما قال أحد المشاركين.
غير أن ما خرج به الاجتماع لم يضف عنصراً جديداً إلى السجال المستمر في البلاد حول مشروع التسوية المقترح من الرئيس نبيه بري، الذي يبدو أنه استمع إلى «مقررات» اجتماع معراب، لكنه ظل مشغولاً بمتابعة اتصالات معظمها خارجي. وهو حرص في المقابل على رفض جرّه إلى سجال من النوع الذي يريده جعجع وآخرون من قوى 14 آذار وخصوصاً أنه يتسلح الآن بدعم كبير من البطريرك الماروني نصر الله صفير بشأن نصاب الثلثين وحتى احتمال تعديل الدستور إذا ما اقتضت التسوية ذلك.
وقد استقبل بري، أمس، القائم بأعمال السفارة الفرنسية أندريه باران، الذي قال إنه أبلغ رئيس المجلس «تقدير الإدارة الفرنسية للجهود التي يبذلها من أجل إنهاء الأزمة».
وقالت مصادر قريبة من بري إنه يتابع الآن المشاورات الجارية بين فرنسا والولايات المتحدة وبين فرنسا وإيران، وهو ينتظر عودة السفير الأميركي جيفري فيلتمان قبل نهاية الشهر الجاري حاملاً الأجوبة عن الأسئلة التي حمّله إياها بري، وخصوصاً أن الفرنسيين قد نسّقوا الخطوات المقبلة في شأن لبنان مع الولايات المتحدة خلال اللقاء الذي انعقد أخيراً بين الرئيسين جورج بوش ونيكولا ساركوزي، ويتابعها مساعد وزيرة الخارجية الأميركية ديفيد ولش مع المسؤولين في الخارجية الفرنسية.
وقالت مصادر مطلعة على الموقف الفرنسي لـ«الأخبار» إن الموفد الفرنسي جان كلود كوسران سيقوم بجولة الأسبوع المقبل تشمل دمشق وطهران والرياض والقاهرة ومقر جامعة الدول العربية، ويعرّج بعدها على بيروت، وأن جولته تأتي استناداً إلى نتائج اللقاءات التي عقدها وزير الخارجية الفرنسي برنار كوشنير في العاصمة المصرية إثر زيارته الأخيرة لبيروت، حيث اتفق مع نظيريه المصري والسعودي سعود الفيصل وأحمد أبو الغيط والأمين العام للجامعة عمرو موسى على عقد لقاء لبناني ـــــ إقليمي في القاهرة أو جدة أو باريس. وأشارت المصادر إلى أن كوشنير الموجود في بغداد حالياً سيزور لبنان في ختام جولة كوسران.
لقاء معراب
بالعودة إلى لقاء معراب، فإن اللافت ما قاله أحد الأقطاب المشاركين عن هدف الاجتماع بـ«سحب ملف الاستحقاق الرئاسي من قريطم، وجعله في يد مسيحيي 14 آذار ليكون القرار في الاستحقاق مسيحياً، مثلما كان القرار شيعياً في اختيار رئيس المجلس، وسنّياً في اختيار رئيس الحكومة». إلا أن الاجتماع، بحسب معلومات توافرت لـ«الأخبار»، لم يخلُ من تسجيل تحفّظات بعض المشاركين. وأوضحت المصادر أن الرئيس أمين الجميل الذي تردّد كثيراً قبل أن يقرر المشاركة في اللحظات الأخيرة التي سبقت انعقاد الاجتماع، انسحب منه في منتصفه بعد اعتراضه على الفقرة التي تضمنها مشروع البيان الختامي بالنسبة إلى «رفض تعديل الدستور»، مقترحاً أن تربط هذه الفقرة بالموقف النهائي للبطريرك الماروني نصر الله صفير. كذلك اعترض بشدة على الإشارة إلى نصاب «النصف زائداً واحداً» ما دامت أبواب المفاوضات مفتوحة مع الرئيس بري وغيره، ملمحاً إلى ضرورة التمسك بنصاب الثلثين.لكن مداخلات حصلت من قياديين في 14 آذار لمنع حصر الاجتماع بالموارنة، وتردد أن الوزير مروان حمادة ضغط لتوفير مشاركة النائبين غسان تويني وميشال فرعون من أجل إضفاء الطابع المسيحي العام على اللقاء، برغم عدم مشاركة غالبية النواب المسيحيين في كتلتي سعد الحريري ووليد جنبلاط.
وأعلن المجتمعون في بيان بعد اللقاء الذي دام أكثر من ست ساعات «تبنّيهم لآلية محددة لبتّ الترشيحات لمنصب رئاسة الجمهورية داخل قوى 14 آذار»، و«أن هذه الآلية ستؤدي إلى تقديم مرشح واحد باسم قوى 14 آذار، في الوقت المناسب». ولفتوا إلى «ضرورة حصول الانتخابات الرئاسية في موعدها الدستوري وفق النصوص الدستورية ودون أي تعديل». وشددوا على دور البطريركية المارونية في هذا الاستحقاق «المفصلي» لأنه الأول «بعد انتهاء عصر الهيمنة السورية».
وفي ردّ على أسئلة الصحافيين، أكد جعجع أن التمسك بعدم تعديل الدستور «ليس موجهاً ضد شخص، بل مرفوض بالمبدأ». وبرر «غياب بعض النواب المسيحيين في قوى 14 آذار بوجودهم في كتل أخرى»، معلناً «الإعداد للقاءات أخرى يحدد موعدها في وقت لاحق»، مستغرباً الطرح الداعي إلى اختيار مرشح من خارج قوى 14 و8 آذار، ورأى أن قائد الجيش «غير مرشح، وأعلن ذلك مراراً»، مذكّراً بأن «الدستور اللبناني لا يسمح لموظف الفئة الأولى بالترشح قبل سنتين من ترك مهماته». وأكد: «سننتخب رئيساً جديداً مهما كانت الظروف قبل 24 تشرين الثاني 2007». وعلّق على ما نُسب إلى رئيس المجلس النيابي «إنهم سيرون نبيهاً آخر، إذا انتخب رئيس بالنصف زائداً واحداً»، بالقول: «إن الرئيس بري سيرى أشياء جديدة إذا حاول أحدهم تعطيل الاستحقاق الرئاسي».
عون والموقف الأميركي
من جانبه، قال العماد ميشال عون: «إذا أرادوا انتخاب رئيس غير شرعي، فعندها سنتصرف بطريقة أخرى، وكل الخطوات ستكون محللة»، واصفاً المجتمعين في معراب بأنهم ليسوا «أصحاب قرار» و«يفتشون عن أسماء راسبة في الانتخابات النيابية ليعطوها رئاسة الجمهورية».
وأعلن عون أنه تبلّغ من «بعض المصادر في واشنطن إعادة تقويم أميركية للواقع اللبناني»، وأنه لمس «بعض التفهّم الذي نتمنى أن يتسع ويتبلور بمبادرات عملية». ورأى أن تلقيه شخصيّاً «رسالة من هذا النوع، يفسّر أن ثمة مقاربة جديدة وإعادة تقويم». فيما قالت مصادر لـ«الأخبار» إن الرئيس نبيه بري كان قد تبلّغ من السفير الأميركي جيفري فيلتمان أن واشنطن «تثني على جهوده، وهي مع رئيس توافقي بنصاب الثلثين».