أقطاب المعارضة المسيحية: أي خطوة أحادية سيقابلها تصعيد نوعي في الشارع
حسمت واشنطن الجدل حول موقفها من الاستحقاق الرئاسي، نافية كل التأويلات، بإعلانها رفض أي تعديل للدستور ودعوتها الى إجراء الانتخابات الرئاسية في موعدها الدستوري، فيما لفت مناخ تصعيدي أحاط بلقاء مسيحيي المعارضة في الرابية «قد يتجاوز الاعتصام المفتوح والعصيان المدني إذا أقدم فريق السلطة على انتخاب رئيس بنصاب النصف زائداً واحداً»، بحسب ما قالت مصادر لـ«الأخبار». ويأتي ذلك في وقت نقل فيه سياسيون وإعلاميون عن النائب وليد جنبلاط قوله إن «فريق 14 آذار سينتخب رئيساً من صفوفه بالنصف زائداً واحداً».
وإذا كان الموقف الأميركي واضحاً لجهة تعديل الدستور وموعد الاستحقاق، فإنه لم يقدّم إجابة عن الموقف من احتمال لجوء «الأكثرية» إلى خطوة أحادية بانتخاب الرئيس، فيما تؤكد أوساط هذا الفريق أن الادارة الأميركية «ستوفّر كل ما يلزم لشرعنة خطوة من هذا النوع، بما في ذلك توفير عناصر اعتراف دولي وعربي بالرئيس المنتخب»، كما أنها أبلغت «الأكثرية» أنها ستكون جاهزة لنزع أي شرعية دولية عن أي إجراء تلجأ إليه المعارضة، وهي مستعدة لتوسيع نطاق العقوبات ضد كل معارض للسلطة المنتخبة. وبحسب مطّلعين، فإن موقف واشنطن الموجه أساساً ضد احتمال ترشيح قائد الجيش العماد ميشال سليمان، سيكون له أثره على الخطوات اللاحقة من جانب قوى السلطة.
وبين الموقف الأميركي، وارتفاع منسوب التوتر في العلاقات السورية ـــــ السعودية، تبقى الآمال، وإن ضعيفة، معلقة على الجهود الفرنسية من أجل اجتراح مخرج من المأزق. وقد نقلت أوساط مطلعة أن الرئيس نبيه بري يبدي حذراً كبيراً على رغم كل التفاؤل الذي يتحدث عنه، وأنه يدرك أنه لم يعد لديه من خيار سوى انتظار المساعي الفرنسية، فيما بدا أن نسبة التفاؤل لدى الجانب الفرنسي ليست أكبر من تلك الموجودة لدى رئيس المجلس. ونقل عن مسؤول فرنسي مطلع تحذيره من مخاطر الأزمة وصعوبة توفير توافق جدي قريباً جداً، واصفاً الجهود المكثفة القائمة الآن بأنها «محاولة لمنع الانهيار من جهة، ولبناء جسور قوية مع جميع الأطراف اللبنانيين، بما يتيح لفرنسا أداء دور مركزي في احتواء الأزمة لاحقاً».
في ظل هذه الأجواء استضاف العماد ميشال عون اجتماعاً لمسيحيي المعارضة ضم النواب ميشال المر والياس سكاف وآغوب بقرادونيان والوزير السابق سليمان فرنجية والأمين العام لحزب «الطاشناق» هوفيك مختاريان والوزير السابق سيبوه هوفننيان والمسؤول السياسي في «التيار الوطني الحر» جبران باسيل. وقالت مصادر لـ«الأخبار» إن المجتمعين «انطلقوا من ثابتة أساسية هي أنهم يمثلون الغالبية المسيحية، وأنهم ناقشوا احتمال لجوء السلطة الى انتخاب رئيس بالنصف زائداً واحداً، وسبل الرد على أي خطوة من هذا النوع لأنها بمثابة إلغاء لهم كممثلين فعليين لغالبية المسيحيين، وبمثابة إلغاء لموقع الرئاسة، وتستوجب بالتالي رداً قاسياً ونوعياً». وأوضحت المصادر أنه «إضافة الى خيار الحكومة الثانية، جرى بحث في خيارات عدة بعضها سياسي وبعضها جماهيري، بما يحول دون تحقيق أهداف الأكثرية».
ونفى عون أن يكون الاجتماع رداً على لقاء معراب، مشيراً الى أن موعده حدّد منذ تسعة أيام، مؤكداً أن «الذين اجتمعوا هنا يمثلون أكثرية المسيحيين، وهم هنا ليدعموا ترشيح رئيس يمثل المسيحيين، لا رئيس معلّب»، مؤكداً أن اللقاء «سيتوسع ليشمل بقية المسيحيين وأحياناً الحلفاء». وقال رداً على سؤال عن التدابير التي ستتخذ في حال عدم احترام نصاب الثلثين: «فلتلعب المخيّلة دورها»، مشيراً الى «أننا درسنا سيناريوهات عدة وسنبحثها مع الحلفاء»، ومؤكداً أن «النصاب هو الثلثان، ومن يخرق ذلك فليتحمل مسؤوليته». وعلّق على الكلام الأميركي عن رفض رئيس على علاقة بـ«حزب الله» بالقول: «هل نحذف ثلث الشعب اللبناني من الخريطة؟ وهل تتخيّلون رئيساً لا رأي فيه للشيعة؟».
الموقف الأميركي
في غضون ذلك، أكدت واشنطن أن «الانتخابات الرئاسية في لبنان يجب أن تجري في الوقت المحدد وبالتوافق مع الدستور». وقال الناطق باسم الخارجية الاميركية ديفيد فولي «يجب ألا يكون هناك تعديل للدستور وليس من الضروري تعديله».
وبدورها أصدرت السفارة الأميركية في بيروت بياناً شددت فيه على «إجراء الانتخابات الرئاسية في موعدها ووفقاً للدستور»، مشيرة الى أنه «عام 2004 كانت الولايات المتحدة أحد رعاة قرار مجلس الأمن الدولي 1559، الذي دعا الى إجراء انتخابات رئاسية خالية من أي تدخل خارجي، وهذه الانتخابات لم تتم بعد. إن القرار 1559 الصادر عن مجلس الأمن لا يزال يعبّر عن تفكيرنا في شأن الانتخابات المقبلة التي ينبغي أن تكون حرة ونزيهة وفي موعدها».
وجاءت هذه المواقف الاميركية توضيحاً لتصريحات أدلت بها مديرة مكتب شؤون المشرق في الخارجية الاميركية جينا ابركومبي وينستانلي وقالت فيها إن «الإدارة الأميركية لا تعارض تعديل الدستور» لتمكين بعض الأشخاص من الترشح. وأكدت أن «أولوية واشنطن هي في وصول مرشح ليست له ارتباطات مع منظمات إرهابية ولن يرهن سيادة لبنان للمطامع الخارجية».
ووصف «حزب الله»، في بيان، تصريحات وينستانلي بأنها «تدخل سافر» و«سياسة وقحة بحيث يشعر اللبنانيون كأنهم تحت الاحتلال الأميركي وكأن فريق السلطة هو تعبير عن سلطة احتلال». ورأى «ان تحديد الاميركيين مواصفات الرئيس وعلاقاته مع المكوّنات السياسية للشعب اللبناني يعني أنهم يريدون فرض رئيس بالمواصفات الأميركية ــ الإسرائيلية».
نهر البارد
وفيما شهدت جبهة نهر البارد هدوءاً حذراً عكرته اشتباكات محدودة بين الجيش ومسلحي «فتح الاسلام»، أعلن الناطق باسم «رابطة علماء فلسطين» الشيخ محمد الحاج أن تنظيم «فتح الإسلام» طلب ترتيب «إجلاء عائلات المسلحين» من المخيم. وأصدرت قيادة الجيش بياناً مساءً أعلنت فيه أنها «وافقت» على الطلب.
وفي وقت لاحق أكد الحاج «أن أبو سليم طه اتصل مجدداً وأبلغناه موقف الجيش القاضي بتسهيل خروجهم (المدنيين). وهم يقومون حالياً بتحديد عدد الأطفال والنساء وبتحديد وقت الخروج» مرجحاً أن يتم الأمر «الأربعاء».
وأفاد مصدر قريب من المفاوضات أن العلماء في الرابطة وضعوا لائحة من 50 امرأة و20 طفلاً بينهم زوجة شاكر العبسي قائد «فتح الإسلام» وأرملة «أبو هريرة» الرجل الثاني في المجموعة الذي قتل مطلع الشهر الجاري. وأوضح المصدر ان المدنيين موجودون في ثلاثة ملاجئ تحت الأرض.
في غضون ذلك، لفت موقف ممثل منظمة التحرير الفلسطينية في لبنان عباس زكي الذي نبّه من «خدعة يمارسها مسلحو ما يسمى تنظيم فتح الإسلام عن طريق القول إنهم يطلبون تسهيل خروج المدنيين». وقال: «نحن نرى أن الهدف إحلال هدنة لالتقاط الانفاس وتنظيم الصفوف من أجل جولة جديدة من الاعتداءات على الجيش اللبناني». وأضاف: «إذا كان الطلب صحيحاً، فليطلبوا إشراف منظمة التحرير على إجلاء المدنيين من داخل المخيم».