موســى إلــى دمشـــق قـــريباً وبـــرّي يدعـــم قائـــد الجيـــش فـــي الدعـــوة إلــى تســـوية سيــاسيّة داخــليّة
مع استمرار جهود الرئيس فؤاد السنيورة وفريق 14 آذار منصبّة على توسيع دائرة التدخل الخارجي عبر الاستنجاد بقوات عربية لنشرها على الحدود مع سوريا، ظلت الأنظار مركزة على نهر البارد، وواكبت الأبعادُ السياسية والإعمارية للأزمة الأعمالَ الأمنية المتواصلة، فيما انحصر الكلام السياسي الداخلي في توقع استئناف الأمين العام للجامعة العربية عمرو موسى اتصالاته العربية الخاصة بالأزمة اللبنانية.
وعلمت «الأخبار» أن موسى سيزور دمشق قريباً، وأنه أبلغ هذا الأمر إلى بعض الشخصيات اللبنانية، التي التقته في القاهرة خلال عطلة نهاية الأسبوع، مشدداً على أن «المبادرة العربية لحل الأزمة اللبنانية مستمرة خلافاً لما يشاع عن أنها فشلت أو توقفت». وأفادت المعلومات بأن «جميع الاطراف يخوضون مفاوضات حافة الهاوية، ولكن لا أحد منهم في وارد التهوّر بما يؤدي الى السقوط في هذه الهاوية».
ونقل زوار رئيس المجلس نبيه بري عنه قوله إنه «على رغم الصورة السوداوية والمشهد السياسي المكفهر والقطيعة السياسية وسماكة الجدران الفاصلة بين طرفي الازمة، لا يزال لديه أمل وهو يفتش عن مخارج ويعمل على تدوير الزوايا حرصاً منه على عدم الوصول الى المحظور».
وعن الحوار الذي دعت إليه الادارة الفرنسية في باريس، قال بري، بحسب المصادر نفسها، إنه «لا يعلق أملاً كبيراً عليه ولكنه يعتبره خطوة إذا لم تعط مردوداً إيجابياً فإنها لن تسيء أو تضر». وكرر بري القول إن قائد الجيش العماد ميشال سليمان تمنى عليه، عندما زاره، أن يعمل بما يملك من احترام وصدقية وأن يضع ثقله من أجل إقامة حكومة وحدة وطنية لأنها تحصن الجيش وتصونه كما تصون وحدة البلد.
قائد الجيش
وكان العماد سليمان قد وجه بياناً الى العسكريين قال فيه انه «في سياق التجاذب السياسي الحاد الذي تشهده البلاد حالياً، كثرت الأحاديث عن مسألة السلاح الفلسطيني خارج المخيمات وداخلها، ما أثار قلق المواطنين من احتمال حصول مواجهة بين الجيش وبعض التنظيمات الفلسطينية خلال المراحل اللاحقة، وكذلك كثر التساؤل عن دور الجيش إزاء الاستحقاقات والتحديات القائمة». وأوضح سليمان أن «أحداث نهر البارد، لم تبدأ بناءً على توقيت من الجيش، وإنما بفعل إقدام تنظيم ما يسمّى «فتح الإسلام» على الغدر بالعسكريين، ومن أبسط واجبات الجيش ملاحقة القتلة»، مشيراً إلى «ان موضوع أي سلاح لبناني أو فلسطيني مقاوم، يتم البحث به ومعالجته من خلال الحوار والتوافق، ولا يقدم خدمة مجانية للعدو الاسرائيلي».
وأكد قائد الجيش أن «دماء الشهداء لن تدخل في معادلة الثأر والانتقام، وهي تستصرخ المرجعيات السياسية والدينية وأصحاب القلم والكلمة، إدراك حجم ما بذله العسكريون من جهود وتضحيات وما كابده المواطنون من جراح وآلام، لا يمكن أن توفى حقها إلا من خلال الوحدة الوطنية والتوافق الداخلي بعيداً عن ثقافة التصادم والتجاذب السياسي العبثي. وإن التنازل من هنا أو هناك، ليس ضعفاً بل كبر وترفع وشعور عال بالمسؤولية».

إعادة إعمار أم توطين؟

يقطع الرئيس فؤاد السنيورة، أمام زواره من الفصائل الفلسطينية، وعداً «بالعودة وإعادة إعمار مخيم نهر البارد وسأجعله نموذجاً»، فيستوضحه أبو عماد الرفاعي من حركة الجهاد الاسلامي عما يقصده تماماً بقوله نموذجاً، وهل ستكون إعادة الإعمار نموذجية وشاملة؟ فيستدرك رئيس الحكومة «لا، أنا لم أقل ذلك، أنا قصدت إعمار ما تهدم وإنشاء شبكات مجار وشق طرق، ولا يمكنني أن أدخل في إعادة إعمار وتطوير، اللبنانيون سينتقدونني عندها».
كان الوفد الفلسطيني قد سمع كلاماً قبل ثلاثة أسابيع أثار خشيته وخوفه من مفتي الجمهورية الشيخ محمد رشيد قباني، الذي قال مسروراً إن ثمة أرضاً يمكن استخدامها بديلاً لمخيم نهر البارد، وهي في عكار. ويفيد مصدر فلسطيني شارك في الاجتماع بأن الأرض هي عبارة عن ملك لمنظمة التحرير الفلسطينية في عكار، وضعتها بتصرف دار الافتاء بعد عام 1982 وقد اقترحها أحد علماء عكار لتكون بمثابة بديل لمخيم البارد.
إلا أن الوفد الفلسطيني استشعر خطراً من مبدأ البحث. ويقول أحد قياديي الفصائل الفلسطينية إن «الفصائل تحذر كل الوقت من خطورة إيجاد بدائل للمخيم، وإن كان رئيس الحكومة قد وعد بالعودة فهو لم يحدد موعداً، انطلاقاً من تاريخ وقف الأعمال الحربية، ثم إذا ما تغيّرت الحكومة الحالية، فما الذي يضمن أن تفي الحكومة المقبلة بوعود السنيورة. ثم إنه لا شيء قانونياً يلزم الرجل نفسه بالتزام وعده».
وكان نائب رئيس جبهة العمل الإسلامي الشيخ عبد الناصر جبري قد أعلن عبر شاشة تلفزيون «المنار» أن «كلام مرجعية دينية الى الوفد الفلسطيني يعني عملياً توطين الفلسطينيين». وأضاف إن «القوى الفلسطينية كما جبهة العمل الاسلامي تنظران بقلق الى هذا الامر».
ويضيف المصدر نفسه ان «الأونروا أرسلت مدير دائرة الهندسة فيها الى الشمال للتفاوض على شراء ثلاثة عقارات (سبق لـ«الأخبار» أن أشارت في مقالة للزميل عبد الكافي الصمد بتاريخ 19 حزيران الماضي الى هذه النقطة) مساحتها 53 ألف متر مربع، أولها بمساحة 25 ألف متر مربع، والثاني 14500 متر مربع والثالث 14000 متر مربع» وأضاف إنها «تقع في محيط مخيّم البدّاوي، الأول في المنطقة الواقعة مقابل دار الأيتام الإسلامية، والثاني خلف مستشفى صفد التابع لجمعية الهلال الأحمر الفلسطيني، والثالث في منطقة جبل البدّاوي عند المدخل الشمالي للمخيّم، وكان يفترض أن توضع بيوت ومساكن جاهزة فيها لإيواء النازحين، بعدما تبرّعت دول عربية، في مقدمتها السعودية والإمارات، بتقديم هذه المنازل لحلّ الأزمة، وتخفيف الاكتظاظ السكّاني الحاصل في مخيّم البدّاوي، الذي ضاق بساكنيه».
ويؤكد المصدر نفسه أن «ردة فعل الناس هي ما أوقف إرسال المنازل الجاهزة الى المنطقة، وخاصة أن القلق الفلسطيني من هجرة أخرى يتفاقم ويدفع الأمور الى حد الصدام، عدا عن الخوف المقيم لدى النازحين من ردة فعل اللبنانيين الذين يخضعون لدعاية معادية للفلسطينيين في الشمال».
ويقول المصدر إن «جرافات كبيرة استقدمت لجرف المخيم الجديد في نهر البارد، وإن وضع مخيم نهر البارد كله قيد البحث، وقد قُسم الى 30 مربعاً في اتفاق بين الحكومة اللبنانية وفريق ماغ الدولي لنزع الألغام وشركة هندسية متخصصة ووكالة الأونروا». ويضيف إنه «مباشرة بعد وقف الاعمال الحربية ووفق آلية الاتفاق بين هذه الجهات الاربع، ستدخل الأطراف المعنية واحداً تلو الآخر لنزع الألغام والفخاخ والقذائف غير المنفجرة، ثم تقييم الأضرار ومسحها، ثم إعادة ترميم ما هو متضرر من أبنية ومساكن وبعدها إعادة السكان إليه، ولن يتم الانتقال الى مربع ثان قبل الانتهاء من المربع الاول، على أن تبقى المنطقة عسكرية ومغلقة لغاية إنجاز الخطوات المحددة».
وبرز، في مداولات ضيقة، أن هناك توصيات ذات طابع أمني وردت من عواصم غربية بضرورة إبعاد سكان المخيم عن البحر، وإلغاء نقاط التماس القائمة، وهي مداولات طابقت رغبات مصادر نافذة في فريق رئيس الحكومة في استعادة الدولة للخط الساحلي بعمق واضح يتيح استخدامها للاستثمار الاقتصادي والإعماري.
ويقول مصدر فلسطيني إن الواجهة البحرية للمخيم، بغالبيتها، ملك للبنانيين يستخدمونها للزراعة، وإن الارض الممتدة من الجهة الجنوبية في المخيم (من المقبرة الى مسجد فلسطين شمالاً) يملكها فلسطينيون. والى شمالي هذه الاراضي لغاية مبنى الجبهة الشعبية سابقاً ملك للبنانيين، وفي شمالها، بمحاذاة البحر الى حدود المخيم الجديد، أراضي منشآت للأونروا تابعة للهيئة الدولية. وهي أراض قد تتغير طبيعة استخدامها.
ويؤكد مصدر فلسطيني شارك في الاجتماع مع الرئيس السنيورة أنه «لا يمكنه السماح بعودة الأمور الى ما كانت عليه في نهر البارد، ولا عودة السلاح والمسلحين إليه، وأن مخيم البارد سيكون بهذا المعنى نموذجاً لما سيُقدم للمخيمات الأخرى، بداية بمخيم شاتيلا في بيروت، حيث تعتمد الخطة التي أعلنها السفير خليل مكاوي يوم الجمعة على تطوير المخيمات».
وبحسب رأي احد مسؤولي الفصائل الفلسطينية، فإن ذلك يعني «السماح بدخول القوى الأمنية اللبنانية الى المخيمات، عبر توسيع الشوارع وغيره من التعديلات، التي قُدمت بصفتها إجراءات لرفع مستوى التقديمات في هذه المخيمات لمنع إغراء الإرهابيين للسكان الفلسطينيين مالياً».