نيويورك ــ نزار عبود
شهدت أروقة الأمم المتحدة الأسبوع الماضي محاولة لاستغلال الاعتداء على الوحدة الإسبانية في الجنوب في تحقيق أهداف عسكرية وأمنية لإسرائيل تطلق يدها في الجنوب تحت مظلة المنظمة الدولية وبتسهيل لبناني رسمي، ما أثار علامات استفهام كبرى حول خلفيات استهداف «اليونيفل» والضالعين فيه.
يوم الجمعة الماضي عقدت الجمعية العامة للأمم المتحدة جلسة لإقرار ميزانيتي القوات الدولية في الجولان السوري المحتل، وقوات الطوارئ العاملة في جنوب لبنان، ولم يعر الإعلاميون أهمية لهذا الموضوع الروتيني، إلا أنهم فوجئوا لاحقاً بتقرير ثمانية آلاف كلمة يوزع عليهم باكراً بعد تأخيره عدة أسابيع. التقرير يتعلق بتطبيق القرار 1701. فانكبوا عليه يشرحونه، ويترجمون فقراته إلى كل اللغات.
في هذه الأثناء تسربت إلى خارج جدران القاعة العامة أجواء نقاشات حامية بين مندوبي سوريا ولبنان وإسرائيل حول فقرة تعطي لتل أبيب دوراً في تنفيذ القرار المذكور. وعلم أن البعثة اللبنانية اقترحت تعديلاً للقرار لم تؤيدها فيه إلا إسرائيل والولايات المتحدة بإضافة توصيف بسيط لمهمة القوات الدولية ضمن ما يسمى في لغة الأمم المتحدة بـ«إنجاز متوقع».
فالتجديد لـ«اليونيفيل» في الجنوب ورصد الاعتمادات اللازمة لها لمرحلة ما بعد تموز، هو إجراء روتيني يتم عادة بالإجماع في لجنة الاعتمادات الخامسة التابعة للجمعية العامة. لكنه منذ عدة أعوام يتعثر بسبب مبلغ بسيط قدره 1.2 مليون دولار، نفقات إعادة بناء مقر قوات الطوارئ في قانا الذي دمرته إسرائيل عند ارتكاب مجزرة قانا الأولى في 18 نيسان 1996. ومنذ ذلك الحين تتهرب إسرائيل من الدفع، لأن فيه إقراراً بجريمة ثبتت مسؤوليتها عنها رسمياً ودولياً. ولا بد من إرغامها بقرار من الجمعية العامة بإعادة بناء المقر.
لكن هذه المرة طلب لبنان إضافة عبارة صغيرة حظيت بدعم الولايات المتحدة وإسرائيل وامتناع أوستراليا عن التصويت تنص على ضرورة «تهيئة بيئة مستقرة وآمنة في جنوب لبنان».
وسجل المندوب السوري في الأمم المتحدة بشار الجعفري اعتراضه في اللجنة الخامسة التابعة للجمعية العامة أولاً، وقال في معرض الاحتجاج خلال جلسة الجمعية العامة في 29 حزيران الفائت: «هذه العبارة لا تنسجم مع الولاية المنوطة بالقوة من قبل مجلس الأمن، وإن القرار 1701 (2006) الذي عزز ولاية اليونيفيل المنشأة أساساً بموجب القرار 425 (1978) لا يحتمل مثل هذا التفسير. وقد أوضحنا أن عبارة «تهيئة بيئة مستقرة وآمنة في جنوب لبنان» كإنجاز متوقع expected accomplishment قد يعني إعطاء حق ارتفاق أمني لإسرائيل داخل الأراضي اللبنانية مفتوحاً زمنياً ومكانياً، الأمر الذي يبرر لإسرائيل الاستمرار في القيام بالخروقات الجوية والبرية والبحرية لسيادة لبنان بذريعة عدم توافر بيئة مستقرة وآمنة في جنوب لبنان وفقاً للشروط الإسرائيلية التي لا تتطابق ولا تنسجم ولا تحترم ولاية اليونيفيل ولا القرار 1701 كما هو معروف ومثبت».
وكانت الجمعية العامة قد أقرت في الثاني من نيسان الماضي القرار 61/250 المتعلق بتمويل اليونيفيل، وعندها أثارت سوريا هذه النقطة. وأثناء انعقاد الجزء الثاني من الدورة المستأنفة للجنة الخامسة أعاد الوفد السوري إثارة الموضوع جدياً بسبب عدم قيام الأمانة العامة بإعادة صياغتها بما ينسجم مع ولاية مجلس الأمن وفقاً لقرار الجمعية العامة.
وقال الجعفري في مطالعته: «لقد أقرت الجمعية العامة، مرة أخرى، قلقنا الجدي حول الإنجاز المتوقع 1ـــــ1 عن طريق إدراجها للفقرة (12) في القرار الذي سنعتمده للتو، حيث أعادت الجمعية العامة تأكيد الفقرة (12) من قرارها 61/250ب وطلبت إلى الأمين العام قياس الإنجازات المتوقعة للقوة بما يتفق تماماً مع الولاية التي حددها مجلس الأمن. وبناءً على ذلك، فإن وفد بلادي يتوقع من الأمين العام أن يقوم بإعادة صياغة الإنجاز المتوقع 1ـــــ1 بطريقة تنسجم فيها مع ولاية قراري مجلس الأمن 425 (1978) و1701 (2006)».
ورأى المندوب السوري أن عبارة «تهيئة بيئة مستقرة وآمنة في جنوب لبنان لا تشير إطلاقاً إلى الهدفين الأساسيين لإنشاء قوة اليونيفيل في جنوب لبنان، وفقاً لما ورد في القرار 1701 (2006) وهما: مراقبة الاحترام التام للخط الأزرق بين الطرفين، ووقف الأعمال العدائية (الفقرة 11). والإصرار على ذكر هذه العبارة إنما يمكِّن إسرائيل من استخدام مضمونها للاستمرار في تبرير عدم التزامها بالقرار 1701 (2006) كما يمكِّن إسرائيل من تقويض صدقية اليونيفيل في الجنوب اللبناني ومن ثم إطلاق يد التدخلات والانتهاكات الإسرائيلية في لبنان بدون رقيب أو حسيب»، مشيراً إلى الخروق الإسرائيلية الدائمة التي تؤكدها تقارير قيادة اليونيفيل المرفوعة إلى الأمم المتحدة والمذكرات الرسمية اللبنانية المتتالية. كما لفت إلى أستهداف إسرائيل المتكرر لقوات اليونيفيل منذ تأسيسها. وذكّر بمذبحتي قانا، الأولى عام 1996 والثانية عام 2006. وأشار إلى أن المذكرات اللبنانية قد أحصت خلال الفترة من 14 آذار إلى 14 حزيران 2007 ما مجموعه 155 انتهاكاً جوياً و34 انتهاكاً بحرياً و48 انتهاكاً برياً.

مندوب لبنان

وتصدى عضو الوفد اللبناني مجدي رمضان للموقف السوري بقوة، وسخر الهجوم الذي تعرضت له الكتيبة الإسبانية لتبرير التعديل الذي تتبناه إسرائيل والولايات المتحدة في قرار الجمعية العامة وقال: «إن الهجوم على الوحدة الإسبانية يؤكد أهمية قيام بيئة مستقرة وآمنة في جنوب لبنان بما يتفق مع ولاية مجلس الأمن».
وأضاف: «إن الجمعية العامة طلبت في الفقرة 12 من قرارها 61/250 في 2 نيسان 2007 إلى الأمين العام للأمم المتحدة قياس إنجازاتها بما في ذلك الإنجاز المتوقع 1ـــــ1، بما يتفق مع الولاية التي حددها».
بدوره شن المندوب الإسرائيلي دان غيلرمان هجوماً على الجعفري مدافعاً عن «حرية لبنان وسيادته»، وطلب من الجمعية العامة عدم الاستماع لملاحظات مندوب سوريا أو أخذها في الاعتبار متهماً دمشق بمواصلة التدخل بالشأن الداخلي اللبناني. واستشهد بخطابات رئيس الحكومة فؤاد السنيورة التي اتهم فيها سوريا بدعم وتمويل مجموعة فتح الإسلام، وكذلك ببيانات الحكومة للأمم المتحدة التي تتحدث عن تهريب السلاح والعتاد والمقاتلين إلى لبنان. وأضاف: «إن موقف سوريا يعرض لبنان والمنطقة للخطر... لذلك تدعم إسرائيل بقوة الإنجاز المتوقع 1ـــــ1 لأنه يمثل بيئة مستقرة وآمنة في جنوب لبنان».

التصويت

وطرحت مسودة قرار وضعته باكستان نيابة عن مجموعة الـ 77 للدول النامية ومعها الصين، في اجتماع اللجنة الخامسة الذي ترأسه مندوب اليونان الكسيوس ميتسوبوليس الذي أكد أنه يدرك «أن القرار لن يمر بالإجماع كما كان يتم لسنوات خلت». ففي قرارات اللجنة السابقة وكان آخرها القرار 61/250 ب، طلب من إسرائيل سداد المتوجب عليها لمقر قانا. وهذه السنة تكرر هذا الطلب من خلال الفقرة الرابعة من الديباجة، والفقرات 4 و5 و20 من القرار. فصوتت الجمعية العامة على هذه الفقرات، وأقرت بأغلبية 98 صوتاً مقابل امتناع 47 دولة عن التصويت، فيما وقفت الولايات المتحدة وكندا وأوستراليا وإسرائيل ضده. أما القرار الإجمالي فقد فاز بأغلبية 141 صوتاً، وامتنعت أوستراليا عن التصويت، فيما عارضته إسرائيل والولايات المتحدة.

رد سوري

واحتفظ الجعفري بحق الرد على المندوب الإسرائيلي متهماً إسرائيل ضمناً باغتيال الجنود الإسبان وقال: «إن العمل الإجرامي الذي حصل في منطقة عمل اليونيفيل قد حدث على بعد 600 متر فقط من الحدود الإسرائيلية. أي إن بالإمكان إجراء هذه العملية بتكنولوجيا حديثة تملكها إسرائيل عن بعد».
ثم تحدث المندوب اللبناني عن عدم تعاون إسرائيل مع «اليونيفيل» وعن تحليق الطائرات الإسرائيلية على علوٍّ منخفض في الأجواء اللبنانية، ناصحاً الممثل الإسرائيلي بعدم التدخل في العلاقات السورية ـــــ اللبنانية، مشيراً إلى أن سوريا ليست عدواً للبنان، بل بلد شقيق، وأن اللبنانيين يعرفون جيداً من هو عدوهم.