بردت الجبهة السياسية الداخلية بالتزامن مع الجبهة العسكرية في الشمال. وبدا أن البلاد مقبلة على حروب استنزاف سياسية وأمنية في ظل تراجع قوة المبادرات الداخلية والعربية لمعالجة الأزمة، باستثناء الضغوط الكبيرة التي تمارسها الولايات المتحدة الأميركية ودول غربية وعربية لمنع لجوء المعارضة الى تأليف حكومة ثانية.وذكرت مصادر عربية أن الهدف الحقيقي لجولة الرئيس فؤاد السنيورة الأخيرة في أوروبا ودول «الاعتدال العربي» كان حشد التأييد العربي والدولي لحكومته، من زاوية رفض قيام حكومة ثانية، وهو الموقف الذي تعاقب الأميركيون والحلفاء على إطلاقه منذ مدة، والذي جاء قرار الإدارة الاميركية بتهديد «معارضي» حكومة السنيورة أو الذين يفكرون في تأليف حكومة موازية لها بالتعرض لعقاب على شاكلة ما تقرر في شأن عدد من الشخصيات المعارضة والمعروفة بصلتها القوية بسوريا.
وقالت المصادر إن السنيورة تلقى وعداً من وزيرة الخارجية الاميركية كوندوليزا رايس بأنه في حال قيام حكومة ثانية فلن يعترف بها أحد في العالم، وأن من يقدم على خطوة من هذا النوع سيعرّض نفسه لمشكلة مع الولايات المتحدة نفسها. وعلم أن شخصيات وقوى بارزة في المعارضة تلقت هذا التحذير، وأن الأمر أثّر على المداولات القائمة بين أركان المعارضة بشأن هذه الخطوة، من دون أن يسقط هذا الاحتمال.
أما الجانب الآخر، فهو رفع مستوى التأهب الأمني في البلاد لمواجهة خطر اغتيالات جديدة من جهة، وتعزيز واقع القوى العسكرية في لبنان وربطها كاملة بحكومة السنيورة من أجل مواجهة احتمال «قيام متظاهرين من المعارضة باحتلال وزارات وإدارات عامة» على ما نقل عن السفير الاميركي في بيروت جيفري فيلتمان.

نشاط المر

وفيما ينتظر النائب ميشال المر عودة رئيس كتلة «المستقبل» النائب سعد الحريري ليلتقيه اليوم أو غداً ويبحث معه في ما توصل إليه في شأن البنود التي تضمّنتها «الورقة الزهر» التي أودعه إياها الأمين العام لجامعة الدول العربية عمرو موسى لدى مغادرته بيروت، قصده أمس السفير فيلتمان الذي قال إنه ناقش الورقة «بنداً بنداً، وقد شجعنا على متابعة هذه الجهود من أجل إيجاد حل لبناني ـــــ لبناني يحظى بموافقة جميع الأطراف». أما المر فأكد أنه لمس من فيلتمان «تشجيعاً ودعماً لاستكمال ما بدأت به»، ولفت الى أنه انتهى من أربعة بنود من ورقة موسى «ولا يزال هناك البند الخامس قيد الدرس والمناقشة، وهو يتضمّن عبارة تهيئة الأجواء لإجراء الانتخابات الرئاسية وفقاً للأصول الدستورية». وأضاف: «إذا قرّرنا تهيئة الأجواء، كما يقول البند الخامس حول الانتخابات الرئاسية، فهو لا يعني تأمين الحضور أو توفير النصاب من قبل المعارضة كي تنتخب الأكثرية من تريد بـ70 صوتاً، فهذا أمر لن يحصل. أما إذا دخلنا في النقاش حول التوافق فعندها يتطلب الأمر مزيداً من الوقت ولا يمكن الخروج من هذا البند بسرعة إلا إذا توصّلنا الى قواسم مشتركة بين الجميع. إذاً، نحن لا نبحث في الأسماء أو من هو الرئيس وإنما نبحث الآن في القواسم المشتركة التي تؤمن الحل».
وقال ركن بارز في المعارضة لـ«الأخبار» إنه إذا لم يبذل جهد سعودي ـــــ مصري مشترك في اتجاه سوريا، فإن من الصعب توقع توافر حلول قريبة للأزمة. وشدد على وجوب العودة الى معادلة السعودية وسوريا «لأنها هي القادرة على بلورة حل قابل للتنفيذ، فعندما تنفتح سوريا على دمشق سيكون ذلك مؤشراً على صدور ضوء أخضر أميركي لتسهيل عملية تظهير الحل اللبناني، وعندما يتجاوب السوري مع الانفتاح السعودي فإن ذلك يعني استجابة لضوء أخضر إيراني».

الموقف السعودي

وفي السياق نفسه حذرت السعودية مما يتعرض له لبنان من «ضغوط وتدخلات خارجية» تعوق عمل المؤسسات الدستورية والشرعية «ومن مخاطر تحفّ بالقيادات اللبنانية». وقال بيان لمجلس الوزراء إنه جرى الاستماع من الملك عبد الله الى «ما عرضه رئيس الوزراء اللبناني حول تطورات الساحة اللبنانية، وما يتعرض له لبنان الشقيق من ضغوط وتدخلات تعوق عمل المؤسسات الشرعية الدستورية في لبنان، ومن مخاطر تحف بالقيادات اللبنانية السياسية والإعلامية».

المبادرة الفرنسية

على صعيد المبادرة الفرنسية تلقى السنيورة، مساء أمس، اتصالاً من وزير خارجية فرنسا برنار كوشنير الذي أبلغه أن موفده إلى بيروت جان كلود كوسران سيصل اليوم لتسليم الدعوات إلى ممثلي الموالاة والمعارضة الى مؤتمر الحوار الذي سينعقد منتصف الشهر الجاري في باريس برعاية الدولة الفرنسية.
وسيلتقي كوسران في بداية جولته، الرئيسين نبيه بري والسنيورة اليوم، ثم يجتمع بعدد آخر من القادة اللبنانيين في فريقي الموالاة والمعارضة.