موسى في دمشق بعد جدّة ومعارضون يضعون اتصال الحريري بعون في إطار تضييع الوقت
لم يُحدث اتصال النائب سعد الحريري بالعماد ميشال عون خرقاً جدياً في جدار الأزمة الداخلية، وظلّت المواقف تراوح مكانها في الانتقاد المتبادل، فيما شرعت القوى بالاستعداد لرحلة باريس الأسبوع المقبل، علماً بأن الجميع يهتم أكثر بنتائج الجولة الجديدة للأمين العام للجامعة العربية عمرو موسى، التي شملت حتى الآن السعودية وسوريا، من دون أن يتأكد ما إذا كان سيعود إلى لبنان.
في هذا الوقت، برز تطوّر على صعيد التحقيقات الأمنية الخاصة بالجرائم الإرهابية التي استهدفت عدداً من سياسيي فريق 14 آذار. وذكرت مصادر مطّلعة أن التحقيقات مع عنصر «القاعدة»، أحمد مرعي، أفضت إلى تقديمه معلومات عن وليد البستاني، الذي تبيّن أن لديه معلومات عن علاقة مجموعة إسلامية متشدّدة بعملية اغتيال الوزير بيار الجميل.
ونُسب إلى مرعي قوله إنه سمع من قيادات في «فتح ـــــ الإسلام»، وبينها أبو يزن، الذي قتل في شارع المئتين، أن هناك تحضيرات لعملية اغتيال من دون أن يجزم بأن المستهدف هو الوزير الجميل. وأضاف أنه طلب إليه، بعد عملية الاغتيال، تهريب السيارة التي استقلها منفذو العملية. وذكرت المصادر أنه أبلغ فرع المعلومات بأنه هو من أخذ السيارة وهرّبها إلى سوريا عبر قرية بريتال البقاعية.
أما وليد البستاني، فقد أفادت المعلومات بأنه تحدث عن معطيات عن المجموعة المتشددة من دون أن يقدم تفاصيل حاسمة عن هويتها، ما دفع الجهة التي تحقق في جريمة الاغتيال إلى جمع عناصر أدلة جنائية على شكل بصمات وفحوص «دي ان ايه» تعود إلى الموقوفين من «فتح ـــــ الإسلام» وإلى الأفراد الذين قتلوا في كل من شارع المئتين والزاهرية والقلمون، وأنه تجري مطابقتها مع عينات أخذت من مقود السيارة ومن مقاعدها ومع البصمات التي أخذت عن الرصاصات الفارغة التي وجدت في أرض العملية.
وتابعت المصادر أن عملية مطابقة تجري حالياً من طلاء السيارة، التي عُثر عليها في سوريا وسلمت إلى السلطات اللبنانية، مع آثار طلاء خلفته سيارة منفذي عملية الاغتيال على سيارة الوزير الجميل عندما اصطدمت بها. وأفادت المصادر أن كل هذا الجانب التقني من عملية التحقيق يتم بإشراف لجنة التحقيق الدولية.
ومع أن مراجع قريبة من فريق 14 آذار تحدثت عن اعترافات تقود الى علاقة بين هؤلاء والمخابرات السورية، ربطاً بما كان قد ذُكر سابقاً عن علاقة «فتح ـــــ الإسلام» بالمخابرات السورية، فإن المصادر المطّلعة كشفت عن أن الإنتربول الدولي كان قد تلقّى قبل مدة اتصالاً من الجانب السوري أبلغه فيه عن وجود سيارة الـ«هوندا CRV» في سوريا وأنها بلا أوراق رسمية، وتم إبلاغ الجانب اللبناني بالأمر وحُدّدت هوية صاحب السيارة قبل أن يتمّ تسلّمها من السلطات السورية.
وبحسب المعلومات نفسها، فإن لجنة التحقيق الدولية التي تتولّى الدعم التقني في التحقيق، قدمت خبراء أجروا فحص السيارة وطابقوا بصمات ونتائج الحمض النووي الموجود في مسرح الهجوم سابقاً، وأرسلوا عينات من السيارة ومن الفحوص الى مختبرات في هولندا ولم تكن النتائج النهائية قد وصلت بعد.
وذكرت المصادر أن البستاني، الذي أوقفه جهاز أمن الدولة وعاد وسلّمه إلى مديرية المخابرات في الجيش اللبناني، قدّم معلومات عن الخليّة التي عملت معه، والتي يتردّد أنها نفّذت عملية الاغتيال. ويبدو أن بعض عناصر هذه الخلية هم الذين قُتلوا في المطاردة التي قامت بها الجهات الأمنية أخيراً في بلدة القلمون، بخلاف ما أُشيع سابقاً عن وجود تطابق في نوع البصمات التي وُجدت على مقود السيارة وتلك العائدة الى قتلى «فتح ـــــ الإسلام» في شارع المئتين في طرابلس.
وقالت المصادر المطّلعة إن تسليم سوريا السيارة المطلوبة وتقديم معلومات إضافية يقلّص من هامش المناورة التي يعمد فريق 14 آذار إلى توسيعه بغية اتهامها بالتورط في الجريمة، علماً بأن مصادر التحقيق الدولية تمتنع كما هي العادة عن تقديم تفاصيل عمّا تقوم به.
وكان المدير العام لقوى الأمن الداخلي اللواء أشرف ريفي قد وضع البطريرك الماروني نصر الله صفير في أجواء التحقيقات. كما أُبلغ الرئيس أمين الجميل بجانب منها، وهو علق أمام مساعدين له بأنه لن يطلق أية مواقف قبل أن تتوضح الصورة كاملة.

عون ـ الحريري

على صعيد آخر، تعاملت قوى المعارضة ببرودة مع الاتصال الذي بادر إليه النائب سعد الحريري بالعماد عون. وإذ رفض الأخير الحديث عن الأمر، أعربت مصادر في المعارضة عن خشيتها من أن «يكون فريق الاكثرية قد كلف الحريري البدء بمناورة جديدة من أجل كسب الوقت ومنع قيام حكومة وحدة وطنية قبل الاستحقاق الرئاسي»، ورأت أنه «اضطر الى هذه الخطوة بعدما أقفلت الأبواب الأخرى في وجهه ولا سيما اعتذار الرئيس نبيه بري والأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله عن تكرار تجربة الحوار من دون ضمانات مسبّقة».

موسى والجهود العربية

في هذا الوقت، تتجه الأنظار اليوم الى دمشق التي انتقل إليها من جدة الأمين العام لجامعة الدول العربية عمرو موسى للقاء الرئيس السوري بشار الأسد قبل أن يقرر ما إذا كان سيزور بيروت قريباً جداً أم لا.
وكان موسى قد التقى في جدة الملك السعودي عبد الله في حضور وزير الخارجية سعود الفيصل ورئيس الاستخبارات العامة مقرن بن عبد العزيز.
وذكرت وكالة «فرانس برس» أن المحادثات تركزت على «آخر التطورات على صعيد الوضع السياسي في لبنان، وإمكان استئناف موسى لجهود وساطته اللبنانية قبل اجتماع المائدة المستديرة في باريس منتصف الشهر الجاري».
وذكرت الوكالة أن موسى «تلقى دعماً» سعودياً لجهوده، وأن «فرص استئناف جهود الوساطة التي يقوم بها حالياً بين الأطراف اللبنانية تتوقف على نتائج زيارته لدمشق».
وفي السياق نفسه، نقلت وكالة الأنباء الإيرانية الرسمية عن المتحدث باسم وزارة الخارجية محمد علي حسيني تشديده على أن طهران «تدعم كل الجهود التي تؤدّي إلى تسوية الأزمة الراهنة في لبنان، ومنها جهود الحكومة الفرنسية الجديدة لتسوية الأزمة اللبنانية».
ولفت حسيني إلى دور إيران «الفاعل وتبادلها وجهات النظر مع المسؤولين السعوديين في هذا المجال». ورأى أن «الحل الذي يطرح بشأن أزمة لبنان يجب أن يكون لبنانياً»، مشدداً على أن إيران «تدعم المشروع الذي يمكّن الشعب والمجموعات اللبنانية من الوصول إلى حل أساسي».
أما السفير الفرنسي في بيروت برنار إيمييه فقال من جهته «إن سياسة فرنسا ونيكولا ساركوزي تمثّل استمرارية لسياسة الرئيس جاك شيراك حيال سيادة لبنان واستقلاله وحريته». وأضاف، في كلمة له خلال تكريم النائب وليد جنبلاط له في المختارة، «نحن ننظم لقاء سان كلو من أجل إتاحة الفرصة للبنانيين للسير في الحوار والسلام الداخلي وكي يجد المجتمعون حلولاً للأزمة»، مشيراً إلى أنه «قريباً سيتسلّم سفير آخر المهمات مكاني وهو أندريه باران، هذا السفير كان مساعداً للرئيس جاك شيراك ومسؤولاً في مصر والسنغال وفي الشرق الأوسط، وسيعمل لأجل بلدكم واستقلاله وسيادته».