الباب
الباب؛ الشكل الدرامي لرجل وقف طويلاً يفكّر. فكّر في النسيان؛ الرجل الذي لا يعرف منه إلا قفاه، وفكّر في الأرض؛ العجوز التي لولا تدليكُ خطونا اليومي لها لفنيَتْ منذ زمن بعيد. وفكّر في أنّ النافذة هي السماء كفكرة مبدئية. هي لسانها الصموت، وهي وكزة خفيفة على كتف عظيمة. وأنّ النوافذ بذور السماء المجفّفة، ترجمتها الركيكة، ونجومها المحالة للتقاعد. وفكّر أنّه كلما مات رجل سعيد انبثـق طير في المدى، وكلما ماتت امرأة طيّبة ثرثرت الخضرة في الحقول. وفكّر أنّه لم يكن يحلم عندما شاهد شجرة ربطت أوراقها كذيل حصان لحظة هبوب الريح، وعندما شاهد الأفق الذي ملّ من حياده ورفع طرفيه ورحل.

لا سماء لهذا العائد

كان تلك اللمعة المتكسرة على وجه الماء. كان برقاً منفيّاً في بحر جاهد طويلاً ليكون سماء. عاش حياته بعبارات مالحة حفظت روحه من التلف. سافر كثيراً وأرهقته المفارز لدرجة أنه حسد السمك السابح في النهر الممتدّ كعرق نحيل بين بلدين لأنه في لحظة ما ودون أن يدرك يحمل جنسية أخرى. كان يبحث عن عالم يخصه وحده حتى لو كان هذا العالم جحيماً، لكنه اكتشف أنْ حتى جهنّم طريقها شاقّ ووعر حيث يعترضك الكثير من الناصحين. بحث عن زوايا في الأرض تنفي عنها كرويتها وتُعفيه من حتمية العودة إلى مكانه الأول، لكنه برغم سفره الطويل لم يصل إلى أي مكان فقد كان يحمل المسافات في رأسه. يرى دائماً أفقاً بطرفين مرتخيين عاجزين عن لفّ خصر الدنيا، ولكنه لم يعرف أبداً كيف تسللت تلك السريالية إلى عينيه. ظلت أحكامه غائمة، فدائماً كان فزّاعة الحقل التي لا تعرف أبداً ماذا يحدث خلفها، وكان ينسى لأن النسيان أمر لا يمكن الانتباه له، ولا يمكن التقاطه في صورة... ينسى لأن النسيان ليس فعلاً على الإطلاق حتى إنه نسي لم سافر أصلاً. وعندما عاد ظن أنه سيجدهم بانتظاره، لكنّهم تبعوه.

الكتابة

أجلس في البيت بانتظار الحياة ولا أجدها فكرة مضحكة. أكتب بتمهّل لأن ما أكتبه ثقيل جداً ومشدود العصب. الكتابة عندي تشبه سيراً طويلاً في غابات كثيفة من التعاطي مع الحياة، وعندما أقف لأستريح، ألتفت إلى الشجرة التي خلفي وأخبركم عنها بعد أن تمّر صدمة حدثٍ ما وبعد أخذي لنفس عميق بمقدار خطوتين تحديداً. لا أتصالح مع المفردات الاقتحامية الظافرة، وتكسرني عبارة مقتصدة المشاعر ومشغولة بنفسها. عبارة قد تكون جعلت للأعشاب طموحاً عظيماً، أو من غسل الصحون حدثاً درامياً.
* كاتبة من السعودية