باريس ــ بسّام الطيارة
«لا سيل سان كلو» اسم دخل «العلاقات الاستعمارية» بين فرنسا ومستعمراتها السابقة. وأراد وزير الخارجية برنار كوشنر أن يدخل من لقاء في هذا المكان المثقل بالتاريخ في عملية إعادة ربط الحوار المنقطع بين الأطراف المتصارعة في لبنان من خلال جمع القوى السياسية.
تاريخ «لا سيل سان كلو» متأصل بتاريخ الاستعمار الفرنسي، رغم أنها مدينة كانت محط اهتمام أكبر فناني الهندسة المعمارية في فرنسا. فهي نتاج عمل المهندس الشهير لاسورانس الذي أعاد ترميم قصر قديم يعود إلى عام ١٧٤٨. وعمل المهندس الفنان لوكوربوزيه على إعادة تصميمه الداخلي قبل أن يهتم به الفنان باكتاي. إلا أن ما يذكره التاريخ من القصر هو المفاوضات حول استقلال المغرب التي تحمل اسم «وثيقة سان كلو» الموقعة في ٦ تشرين الثاني عام ١٩٥٦، وكذلك مفاوضات «فك ارتباط فرنسا مع فيتنام» التي جرت في القصر في ١٩ آذار ١٩٧٣.
وبغض النظر عن التساؤل حول رمزية المكان الحافل بأثقال المفاوضات الاستعمارية وبين رمزية «اللقاء غير الرسمي»، يبدو أن اختيار المكان فرض نفسه بسبب سهولة ضبط محيطه الأمني ومنع الفضوليين من الاقتراب من الوفود.
إلا أن المنع لم يقتصر على الفضوليين، بل فرض حظراً شديداً على الصحافة ومنعت من أي اتصال مع الوفود. كما أفادت بعض المعلومات أنه طلب من الشخصيات المدعوة الامتناع عن التواصل مع الخارج لتجنب التسريبات. وبررت المصادر الفرنسية هذا «التمني» بأنه «حرص على تجنيب اللقاء المغلق أي مزايدات كلامية».
وقد لوحظ حضور خفيف للإعلام الغربي ما عدا بعض الوكالات الكبرى إلى جانب صحيفتين إسرائيليتين. ويمكن القول إن عدد الشرطة التي تواجدت في محيط القصر فاق بكثير عدد الصحافيين والوفود والجهاز الدبلوماسي الكثيف الذي رافق الوفود وأمّن العملية التواصلية وضبطها.
وقد انهمك العديد من الإعلاميين بمحاولة الاتصال بالمتواجدين داخل القصر، وخصوصاً اللبنانيين الذين حضروا بقوة لتغطية الحدث واحتلوا الرصيف المقابل لقصر مقر إقامة وزير الخارجية أو المقهى القريب منه. وتحول المقهى إلى مركز منقسم إلى قسمين: إعلامي من جهة، وللمراهنين على سباقات الخيل التي كانت تبث مباشرة على تلفاز كبير مثبت إلى جدار المقهى من جهة أخرى.
نظرة واحدة إلى هذا المقهى الموجود على بضعة أمتار من القصر تفيدنا مقدار التغير الذي حصل في هذا الحي، الذي كان راقياً في ما مضى، يقتصر السكن فيه على الأغنياء أصحاب القصور الصغيرة. فأكثرية رواد المقهى من أصول مهاجرة غالبيتهم من العرب المغاربة، بينما تدير المقهى عائلة فيتنامية رحبت بالصحافيين بشكل لطيف جداً وسط ترحيب «الأشقاء العرب» قبل أن يعودوا بعدما استفهموا عن سبب حضور الصحافة إلى شؤونهم وخيولهم.
لا يوجد غير الصدف التاريخية تستطيع أن تتلاعب بمصير الشعوب، فها هو المقهى يجمع المغاربة والفيتناميين واللبنانيين على بعد أمتار من المكان الذي شهد نهاية معاناة بعضهم فخرج المغرب وفيتنام من عنق الاستعمار، فهل هي إشارة إلى قرب خروج لبنان من عنق زجاجة الأزمة؟ وحدها الأيام المقبلة تستطيع أن تجيب عن هذا السؤال.