واصلت باريس أمس محاولة استجماع الدعم العربي لمبادرتها من أجل التوصل الى حل للأزمة اللبنانية، فزار الموفد الفرنسي جان كلود كوسران القاهرة، بعد دمشق، للقاء الأمين العام للجامعة العربية عمرو موسى ووزير الخارجية المصري أحمد أبو الغيط، فيما استمرت واشنطن في «الحرتقة» على المسعى الفرنسي، إذ «حسم» السفير الأميركي جيفري فيلتمان أن استبدال الحكومة الحالية «سيحصل بشكل طبيعي وسلمي بعد انتخاب رئيس جديد للجمهورية».ولفت أمس اللقاء الذي جمع في دمشق الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد والأمين العام لـ«حزب الله» السيد حسن نصر الله، على هامش زيارة الأخير لسوريا. ونقلت وكالة «يو بي آي» عن مصدر دبلوماسي تأكيد نجاد لنصر الله أن «إيران تدعم المقاومة والتصدي لأي مخطط عدواني على لبنان» مشدداً على «أهمية التوافق اللبناني اللبناني». وقال المصدر إن نجاد «هنأ نصر الله بالنصر الإلهي الذي تحقق الصيف الماضي على إسرائيل» معتبراً أنه «لولا الانسجام بين الشعب والمقاومة لما تحقق هذا النصر». وأعرب عن «تفاؤله حيال أمن لبنان واستقراره في وقت يتزايد فيه ضعف الكيان الصهيوني».
وأضاف المصدر أن الأمين العام لـ«حزب الله» أكد «أننا مستعدون للتصدي لأي مؤامرة صهيونية، ويقظون لدحر أي مؤامرة تستهدف إشعال فتيل الفتنة بين اللبنانيين» مشدداً على «أننا لن نسمح بهذا الأمر». وأضاف أن نصر الله قدم «لمحة عن وضع لبنان والتطورات فيه والتحديات الماثلة أمامه».
مهمة كوسران
في القاهرة، أكد موسى وكوسران أن الوقت حان لمساعدة اللبنانيين على تفعيل الحوار وترسيخ الثقة في ما بينهم، واتفقا على التنسيق في الاتصالات التي تجريها كل من الجامعة وفرنسا في شأن ملف لبنان، فيما أعرب أبو الغيط عن ترحيب بلاده بأي جهود تساهم في تسوية الأزمة اللبنانية، مشيراً إلى تكامل الجهود العربية والفرنسية.
ومن المقرر أن يزور كوسران بيروت في اليومين المقبلين. وتحضيراً لهذه الزيارة التقى السفير الفرنسي في لبنان برنار إيمييه أمس رئيس الحكومة فؤاد السنيورة الذي تلقى اتصالاً من موسى. وعلمت «الأخبار» أن الأخير سيزور بيروت في الأسبوع الأول من آب المقبل، بعد اتضاح معالم المرحلة المقبلة إثر المحادثات التي سيجريها وزير الخارجية الفرنسي برنار كوشنير في العاصمة اللبنانية نهاية الشهر الجاري في ضوء الحصيلة التي سيحملها إليه كوسران.
وكان موسى قد التقى أول من امس في القاهرة النائب ميشال المر الذي أطلعه على حصيلة ما توصل إليه مع قادة الموالاة والمعارضة حول مشروع الحل الذي تضمّنته «الورقة الزهر» التي كان قد أودعه إياه لدى مغادرته بيروت قبل أسابيع. وأكد المر اثر عودته من القاهرة أمس أن نتيجة الاتصالات التي أجراها مع القادة اللبنانيين في شأن تأليف حكومة وحدة وطنية «كانت إيجابية». وقال «إن الصورة ستكتمل وتتبلور خلال الأيام القليلة المقبلة» مشيراً الى ان موسى سيزور بيروت «لوضع اللمسات الأخيرة على حل مشكلة الحكومة».
وقالت مصادر لـ«الأخبار» إن المساعي تركز على بلورة حل نواته إقامة حكومة وحدة وطنية (19ــــ11) تملأ أي فراغ دستوري في رئاسة الجمهورية إذا لم يتم الاتفاق بين الموالاة والمعارضة على انتخاب رئيس جديد لدى انتهاء ولاية الرئيس إميل لحود.
فيلتمان
من جهته، واصل فيلتمان الإدلاء بآرائه الدستورية، فرأى أن استبدال الحكومة الحالية سيحصل بشكل طبيعي وسلمي بعد انتخاب رئيس جديد للجمهورية، موضحاً أنه «بحسب الدستور اللبناني، الحكومة الحالية تُعَدُّ مستقيلة عند تسلم رئيس جديد للجمهورية الحكم». واتهم فيلتمان «حزب الله» بأنه «يتصرف حالياً كدولة ضمن الدولة»، مشيراً الى أن لدى الحزب «الفرصة للانتقال من عنصر يضعِّف ويقوِّض الدولة، كما يفعل الآن، إلى عنصر مقوٍّ لها»، ومعتبراً أنه لو اعتمد الحزب «على طرق شرعية، سياسية، اجتماعية ودستورية فقط، لبقي إحدى أقوى المنظمات السياسية في لبنان، إن لم يكن الأقوى»، وقال: «قد لا يعجبنا نحن الأميركيين هذا، لكنه أمر واقع».
وفي المقابل، جدّد البطريرك مار نصر الله بطرس صفير تأكيده على نصاب الثلثين لانتخاب رئيس للجمهورية، وشدد على أهمية «السعي لإجراء الاستحقاق الرئاسي في موعده المحدّد»، وإلّا فإن «المناخ يمكن أن يكون متفجّراً». ونقل عنه زواره حرصه على «أن يكون رئيس الجمهورية توافقياً ولجميع اللبنانيين»، وإصراره على «السعي إلى تأليف حكومة إنقاذية في أسرع وقت ممكن، لأن هذه الحكومة يمكن أن تهيّئ الأجواء لانتخابات رئاسية هادئة في الموعد الدستوري المحدّد».
مجلس الأمن
الى ذلك، عقد مجلس الأمن الدولي، أمس، جلسة للاستماع إلى التقرير الأخير لرئيس لجنة التحقيق الدولية في جريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري سيرج براميرتس الذي أعلن أنه استطاع تحديد هوية أشخاص، ربما كانوا ضالعين في الجريمة، رافضاً إعطاء أية تفاصيل متعلّقة بعدد الموقوفين وهوياتهم.
وفي مؤتمر صحافي عقده، إثر الجلسة، أوضح براميرتس أنه توصّل الى أن دوافع الجريمة ترتبط بـ«البعد السياسي» و«الأحداث السياسية الرئيسية» التي سبقت حادثة الاغتيال، مثنياً على جهود فريق التحقيق الذي «استطاع إحراز تقدّم كبير على طريق تحديد الأشخاص الذين يحتمل تورّطهم وتنفيذهم أو معرفتهم المسبقة بالجريمة». وأكد رداً على سؤال أن توقيف الضباط الأربعة «يعود، حصرياً، الى السلطات اللبنانية».
مخيم البارد
وعلى جبهة مخيم نهر البارد، أنذر الجيش اللبناني امس تنظيم «فتح الإسلام» بالاستسلام بعدما ضاق أمام مسلحيه هامش المناورة. وأفاد بيان للجيش مساء أمس أن وحداته تواصل «تشديد الخناق على من بقي من عناصر فتح الإسلام الذين باتوا محاصرين ضمن بقعة محدودة نسبياً داخل الأحياء القديمة لمخيم نهر البارد».
وكانت وحدات الجيش قد سيطرت على مزيد من المواقع والتحصينات وتمكنت من اكتشاف بعض الخنادق والمخابئ داخل الأبنية وضبطت فيها كميات من الذخائر وأجهزة المراقبة والمعلوماتية المتطورة ووجبات طعام جاهزة.
وتمكنت وحدات الجيش اللبناني قبل ظهر امس، بحسب مصادر عسكرية، من السيطرة على المكتب الرئيسي لتنظيم «فتح الإسلام» في الرقعة الباقية لهم في المخيم، فيما تستكمل وحدات الجيش السيطرة على محاور المخيم كلها، وتحديداً حي سعسع، كذلك سيطرت وحدات الجيش على بستان زعتر عند المدخل الجنوبي، ولا تزال منطقة فاصلة بين الاونروا وبستان زعتر في أيدي المسلحين.
وردّت عناصر «فتح الاسلام» على القصف المدفعي، فأطلقت 21 صاروخاً على قرى وبلدات عكار حتى بعد ظهر أمس، من دون أن تؤدي إلى وقوع إصابات.