انعكس توتر علاقات واشنطن مع طهران، أمس، «نقاشات صاخبة» ميزت الجولة الثانية من الحوار الأميركي ـــــ الإيراني في بغداد، والتي أعقبها سجال حاد وتبادل اتهامات، سعت السلطات العراقية إلى التخفيف من وطأته عبر أداء دور الإطفائي، معلنة تأليف لجنة ثلاثية أمنية لـ«التنسيق والتشاور».ورغم أن السفير الأميركي لدى بغداد ريان كروكر نفى وصف جلسة الحوار، التي استمرت لساعات وتزامنت مع قصف بقذائف الهاون استهدف المنطقة الخضراء حيث عُقدت، بأنها كانت «مباراة في إطلاق النار»، إلا أنه أكد أنها شهدت «نقاشات صاخبة». وقال إنه أبلغ السفير الإيراني حسن كاظمي قمي أنّ واشنطن «تعرف تماماً ماذا تفعل طهران في مساعدة الإرهابيين على زعزعة أمن واستقرار العراق»، مشيراً إلى أنّ الدعم الإيراني للميليشيات في العراق تضاعف خلال الفترة الفاصلة بين الجولة الأولى من الحوار وموعد الجولة الثانية.
وعن الأدلّة التي تملكها واشنطن لإدانة إيران، أوضح كروكر «لسنا في وضع نقدّم فيه أدلّة للمحاكم، لكنّنا قدّمنا أدلتنا هذه إلى الطرف الإيراني خلال الاجتماع، وهم من جانبهم اتّبعوا المنهج نفسه الذي يعتمده الناطق الرسمي باسم وزارة الخارجية الإيرانية عبر التكرار أنّه ليس لنا دور في ذلك».
أمّا كاظمي قمّي، فقد ردّ التهم الأميركية بالعمل على زعزعة أمن العراق إلى مصدرها الأميركي. وقال، بحسب وكالة الأنباء الإيرانية «ارنا»، إن الجولة الثانية من المحادثات ستثمر «حين يحوّل الجانب الأميركي أقواله في شأن العراق الى أفعال».
بدوره، نفى المتحدّث باسم وزارة الخارجية الإيرانية محمد علي حسيني الاتهامات الأميركية، واصفاً كلام كروكر بـ«التهم الكاذبة التي لا تسهم في تعزيز مناخ المباحثات الجارية». وأصرّ حسيني على المخرج الذي تطرحه بلاده للأزمة الحالية في العراق، والذي يتمثل في «احترام حق الشعب العراقي عبر إنهاء الاحتلال تمهيداً لنقل الصلاحيات إلى حكومة منتخبة خارج إطار الاحتلال».
ويبدو أن رفض الوفد الأميركي طلب طهران إدراج موضوع الدبلوماسيين الإيرانيين الخمسة المعتقلين لدى قوات الاحتلال الأميركية على جدول أعمال المحادثات قد ساهم في تأزيم جو جلسة الحوار.
ومع ذلك، وصفت وزارة الخارجية الإيرانية، في بيان، اللقاء بأنه كان «صريحاً» و«بنّاءً» و«إيجابياً». ونقل البيان تأكيد كل من السفيرين الأميركي والإيراني دعمهما «لوحدة واستقلال العراق واحترام سيادته وعدم التدخل في شؤونه الداخلية، وتأييد حكومة نوري المالكي في بسط الأمن والاستقرار ومحاربة الإرهاب وملاحقة الخارجين على القانون».
وأضاف: إنه تم الاتفاق على تأليف لجنة ثلاثية أمنية مؤلّفة من بعض الفنيين والخبراء لمتابعة التنسيق والتشاور وحلّ «جميع الإشكالات القائمة بين الطرفين الإيراني والأميركي أو التي ستحصل لاحقاً»، وخصوصاً في «مراقبة الحدود العراقية ـــــ الإيرانية وضبطها والتعاون من أجل منع العناصر المعادية من اختراقها والإضرار بمصالح البلدين».
وقال وزير الخارجية هوشيار زيباري إنّ الخبراء سيجتمعون اليوم للاتفاق على آلية عمل اللجنة. وأعرب زيباري عن أمله في أن تُعقَد الجلسة المقبلة بين واشنطن وطهران على مستوى أعلى من السفراء.
وكان المالكي قد استهلّ الجلسة، التي وصفتها وكالات الأنباء بـ«التاريخية»، بكلمة دعا فيها الطرفين إلى «فهم شامل ومشترك للوضع العراقي»، آملاً في أن يساعد حوارهما في «خلق مناخ إقليمي بعيداً عن تدخّل الدول الأجنبية في شؤون العراق». وذكّر المالكي بأنّ «الإرهاب يضرب كل الطوائف العراقية من دون استثناء»، محذّراً في الوقت نفسه من امتداد العمليات «الإرهابية إلى دول الجوار».
وكان الرئيس العراقي جلال الطالباني قد اجتمع، أول من أمس، بحضور نائبه طارق الهاشمي، مع السفيرين الأميركي والإيراني كلّ على حدة، تحضيراً للّقاء يوم أمس، لحثّهما على الخروج بنتائج ملموسة تسهم في تحسين الوضع الأمني في بلاد الرافدين. وقال الموقع الإلكتروني للرئاسة العراقية إن الطالباني دعا، خلال اجتماعه مع كاظمي قمي، إيران إلى مساعدة العراقيين في «استتباب الأمن والاستقرار والتصدي للإرهاب». كما حثّ طهران على توظيف «علاقاتها مع الفصائل العراقية القريبة منها لغرض تهدئة الوضع في العراق».
يشار إلى أن الجولة الأولى من الحوار الأميركي الإيراني عُقدت في بغداد أيضاً في 28 أيار الماضي. ودفع تصريحات لكروكر حينذاك بأنه «لا رغبة» لدى الولايات المتحدة في جولة أخرى من المحادثات، ببعض المحللين إلى اعتبار طلب واشنطن عقد جلسة محادثات ثانية بأنه «نصر» لطهران.
وفي السياق، دعت النائبة عن «القائمة العراقية» بزعامة اياد علاوي، صفية السهيل، الولايات المتحدة والحكومة العراقية إلى إجراء محادثات شفافة مع السعودية، على غرار المحادثات الأميركية ـــــ الإيرانية. واعتبرت السهيل «أن الاسباب التي دعت واشنطن إلى فتح حوار مع إيران هي نفسها التي تلزمنا في الحوار مع السعودية، إذ إن الدولتين تتدخلان بشكل واضح وسلبي في الشأن العراقي».
(الأخبار، أ ب، يو بي آي، رويترز، أ ف ب، د ب أ)