غادر الموفد الفرنسي جان كلود كوسران أمس الى باريس، على وقع ارتفاع حرارة الانتخابات الفرعية المقرّرة في الخامس من الشهر المقبل، من دون أن ينجح في تقريب وجهات النظر بين «الأكثرية» والمعارضة، بعدما اصطدمت جهوده بالأولويّتين المتعارضتين: أولوية «الأكثرية» التي تطالب بسلة متكاملة للحل تشمل ضمانات الاستحقاق الرئاسي وحكومة الوحدة الوطنية، وأولوية المعارضة التي تطالب بحكومة وحدة وطنية من دون ربطها بأي التزام مسبّق، وهذا ما حال دون تمكّنه من إرساء قاعدة صلبة يمكن وزير الخارجية الفرنسي برنار كوشنير أن ينطلق منها الى الجولة الثانية من المبادرة الفرنسية. وعلمت «الأخبار» أن فكرة إرجاء زيارة كوشنير لبيروت بسبب مصادفتها مع ارتفاع حمّى التحضير للانتخابات الفرعية لم تُحسم بعد، وإن كان الأمر لا يزال قيد الدرس. واتفق على استمرار التشاور بين رئيس المجلس نبيه بري والدبلوماسية الفرنسية في هذا الشأن.وفي الشأن الانتخابي، لوحظ نشاط مكثّف للوسطاء من أجل تجنيب منطقة المتن خصوصاً كأس المعركة الانتخابية. وقد أعطى تحرك وفد الرابطة المارونية باتجاه بكفيا، حيث عقد لقاءً مع الرئيس أمين الجميل، دفعاً جديداً للمبادرة البطريركية للوصول الى مخرج يوفّر معركة، تعتقد مصادر الديمان بأن لا رابح فيها. وعُلم أن وفد الرابطة حمل الى الجميل ما سمّته مصادر كتائبية «إيجابيات وتبادل تحيات إيجابية» من مصادر مقربة من العماد ميشال عون. فيما أعلن قائد «القوات اللبنانية» سمير جعجع، بعد استقباله النائب بيار دكّاش الذي يقوم بمسعى وفاقي، أن الأخير أبلغه أن «نسبة إمكان الوفاق غير قليلة، لتترتب الأمور في منطقة المتن بالشكل الملائم»، مجدّداً دعوته عون إلى «تجنيب المتن معركة انتخابية إضافية».
وأوجزت مصادر مطّلعة المبادرة البطريركية بعبارة واحدة: «التوافق يبدأ بالتزكية». وقالت إن تحرك الرابطة يأتي استكمالاً لحركة المطرانين بولس مطر وسمير مظلوم لتجنيب منطقة المتن مواجهة مسيحية ـــــ مسيحية غير محسوبة النتائج، مشيرةً الى أنه سيكون للبطريرك الماروني نصر الله صفير «كلام قاس» في عظة الأحد المقبل، إذا لم تنجح المساعي التي يشارك فيها.
مهمة كوسران
وأنهى كوسران زيارته إلى لبنان أمس بلقاء عقده مع كل من بري والوزير محمد الصفدي. وقالت مصادر قريبة من بري إن الجانب الفرنسي لم يطرح حلولاً بل يعمل على استمزاج الآراء، ويستطلع إمكان إعادة طاولة الحوار على مستوى قادة الصف الأول، وإذا تعذّر ذلك، فاستثمار المناخ الذي أرساه مؤتمر سان كلو بحيث يستمر الحوار على مستوى قادة الصف الثاني. ورأى بري «أن ما حصل في مؤتمر سان كلو كان إيجابياً، وخصوصاً أن مواقف متقدمة الى حدّ ما صدرت عن بعض الأطراف، وأن هذا الحوار خفّف كثيراً من الاحتقانات، وانعكس إيجاباً على الداخل، وقد يشجع الفرنسيين ويدفعنا الى تشجيعهم على المضي في مسعاهم، ومن جهتي سأبذل كل ما أستطيع للمساعدة على الوصول إلى خاتمة سعيدة للأزمة». وأبدى بري ارتياحه الى المتابعة الفرنسية للأزمة مع دول عربية وإقليمية مؤثّرة. وقال إن استكمال هذه المساعي وتلاقيها عربياً وإقليمياً ودولياً وأوروبياً من شأنه أن يُساعد كثيراً على حلحلة العقد الخارجية في الأزمة.
الحريري
ونقل زوار النائب سعد الحريري أمس عنه أن الموالاة تريد ضمانات بأن تتم انتخابات رئاسة الجمهورية في مواعيدها، في مقابل موافقتها على تأليف حكومة الوحدة الوطنية، معرباً عن خشيته من أن المعارضة تريد تعطيل الانتخابات الرئاسية لمصلحة حكومة يكون لها فيها الثلث المعطّل، تتسلّم السلطة لدى انتهاء ولاية رئيس الجمهورية، محذّراً من أن وصول البلاد الى هذه الحال «يمكن أن يجعلها بلا جيش وبلا قوى أمن داخلي وبلا حكومة».
ووضع الحريري، خلال لقاء انتخابي مساءً، كل ما يقال عن احتمال قيام حكومتين في لبنان في خانة «التهويل»، وقال: «إن من يدّعي أنه لا يريد فتنة لا يدعو الى قيام حكومتين، ومن لا يريد الفتنة فعليه أن يحاور ويتفق مع الطرف الآخر وينتخب رئيس جمهورية جديداً في الموعد الدستوري ويحافظ على البلد». ودعا أهالي بيروت إلى الاقتراع بكثافة لمرشّح تيار «المستقبل»، لافتاً إلى «أن البعض يروّج أن نتائج الانتخابات محسومة سلفاً في بيروت حتى يحبط حماسة الناخبين. وأدعو الجميع لئلا يقعوا في هذا الفخ، وألا يستهينوا بهذه المعركة».
مخيم البارد
من جهة ثانية، ارتفعت حدة الاشتباكات في مخيّم نهر البارد أمس، وأوحى القصف المدفعي العنيف والمركّز الذي بدأ فجراً، أن الجيش دخل المرحلة النهائية لحسم الوضع على الأرض، فيما واصلت وحداته توغلها في أنحاء المخيم، مضيّقةً الخناق على المسلحين. وقد اقتحم الجيش ملجأًً للمسلحين في محيط مدارس الأونروا، وعثر داخله على كميات من الأسلحة والذخائر. وأعلنت قيادة الجيش ــــــ مديرية التوجيه اكتشاف المزيد من الخنادق والمخابئ داخل الأبنية، وضبطت داخلها كميات من الأسلحة الفردية وقاذفات «آر ـــــ بي ـــــ جي» وذخائر متنوعة وصواعق ومتفجرات، فضلاً عن أجهزة مراقبة ووجبات طعام جاهزة. وأكدت قيادة الجيش «أن لا عودة عن قرارها القاضي بالاحتكام إلى القانون والعدالة، وهي تنذر المسلحين مجدداً بعدم المراهنة على الوقت، وتذكّرهم قبل فوات الأوان، بدعواتها المتكررة لهم بوجوب تسليم أنفسهم، وترك أفراد عائلاتهم يقررون مصيرهم بملء إرادتهم».
وأوضح مصدر عسكري أن الجيش «يقترب من المرحلة النهائية لحسم المعركة، وقد وضع خططاً لتوسيع رقعة انتشاره، وعزّز مواقعه بالعدد والعتاد والعدة»، مرجّحاً أن «لا يزيد عدد من بقي في صفوف المسلحين داخل المخيم على 60، والمدنيين على 40». غير أن مسلّحي فتح الإسلام واصلوا إطلاق الصواريخ باتجاه المناطق المحيطة بالمخيم، وأفيد عن سقوط أكثر من 12 صاروخاً في بلدات المنية ودير عمار وقعبرين وضهر حدارة وعرقة، وقبة بشمرا.
وفي الجنوب قتل ضابط صف فرنسي من قوات «اليونيفيل» وأصيب آخر خلال مشاركتهما في مهمة لإزالة الألغام غير المنفجرة في قريتي شمع وطير حرفا بالقرب من بلدة الناقورة.