خرقت زيارة وزير الخارجية الفرنسي برنار كوشنير الأجواء المشحونة التي ترافق الاستعدادات للانتخابات الفرعية المقرّرة في دائرتي بيروت الثانية والمتن الشمالي، وأوحت مؤشراتها الأولية أن رئيس الدبلوماسية الفرنسية مصمم على مواصلة جهود المبادرة الفرنسية، وهو سيزور بيروت مرة جديدة خلال الشهر المقبل، وسيلتقي مساء اليوم أركان مؤتمر سان كلو، وسيحاول أن يلتقي قادة الصف الأول غداً، في محاولة لتحقيق اختراقات ملموسة في جدار الأزمة بين فريقي الموالاة والمعارضة.وعلمت «الأخبار» أن اللقاء الذي سيعقده كوشنير مع أركان مؤتمر سان كلو في قصر الصنوبر مساء اليوم يندرج في إطار متابعة ما جرى البحث فيه في الضاحية الباريسية، تمهيداً لمؤتمر سان كلو ـــــ2 الذي سيعقد في آب المقبل.
وقالت مصادر مطلعة على مهمة كوشنير إن اللقاء بينه وبين الرئيس نبيه بري والذي تخلله عشاء «كانت أجواؤه ودية». ورشح أنّ كوشنير سمع بعض النصائح بالتخلي عن فكرة طرح التلازم بين تأليف حكومة الوحدة الوطنية وانتخابات رئاسة الجمهورية «لأنها غير قابلة للتطبيق».
وبعد لقائه السنيورة، قال كوشنير: «لا أعلم إن كان سيعقد مؤتمر آخر في سان كلو ولكننا أشرنا الى أن الحل هو بين أيدي اللبنانيين، وأنا لم أكن شخصاً يحمل خطة سحرية أو مشروعاً لتتوقف الأزمة، بل إن جميع اللبنانيين وجميع الطوائف، وبالتأكيد التأثيرات الخارجية عليهم تقديم حل في الانتخابات المقبلة، ونحن نعلم أن هناك انتخابات ستجري بعد عشرة أيام. ولاحظ «ان ازمة السلطة هي مشكلة بين الطوائف اللبنانية. الطوائف اللبنانية يجب أن تتحاور بصراحة ونزاهة ونأمل من كل الأطراف الخروج بحل لبناني يقبله العالم بأسره، لأن هذا الحل سيكون لبنانياً ويقبله بالتالي الجيران وتحديداً الجيران». وكان كوشنير قد قال لدى وصوله إن «الأوضاع في لبنان قابلة للتغيير في ثلاثة أسابيع».
ومن باريس، نقل مراسل «الأخبار» بسام الطيارة عن الناطق الرسمي المساعد في وزارة الخارجية دوني سيمونو نفيه أن يكون كوشنير يحمل «أي نوع من الضمانات المتبادلة». ومن المتوقع حسب مصادر فرنسية أن يسعى كوشنير بعد محادثاته «إلى جمع زعماء الصف الأول» لتثبيت «نوع من التقدم في المبادرة الفرنسية». وقالت هذه المصادر إنه «لولا الظروف الأمنية لكان كوشنير قد اجتمع مع الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله»، وأكدت أن الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي «بات مقتنعاً بأنّ لحزب اللّه دوراً أساسياً يقوم به في تهدئة الأمور» وأن نظرته إلى الحزب «قد تغيرت كثيراً منذ بداية اهتمام وزيره بالملف اللبناني».

انتخابات المتن

من جهة ثانية، بدا من المواقف في شأن انتخابات المتن امس أن ثمة تراجعاً في احتمالات إلغاء الانتخابات أو تأجيلها رغم رغبة البطريرك الماروني نصر الله صفير الملحة على هذا الخيار، إذ لم تسفر المساعي والوساطات عن اي نتائج، لكن الوسطاء لم يفقدوا الأمل بعد لأن الفريقين المتنافسين لم يقفلا الابواب بكاملها أمام احتمال التوصل الى تأجيل هذه الانتخابات أو إلغائها نزولاً عند رغبة ضفير الذي أوفد المطارنة رولان أبو جودة وبولس مطر وسمير مظلوم الى الرئيس أمين الجميل والعماد ميشال عون.
وعلمت «الأخبار» أن الأفكار الجديدة التي طرحها وفد المطارنة تتضمن احتمالات ثلاثة:
1ـــــ أن يزور الجميل عون وينعقد لقاء مصالحة بينهما وينتهي بتزكية ترشيحه.
2ـــــ أن يلتقي الجميل وعون عند البطريرك صفير ويتفقا على تزكية ترشيح الجميل أو إلغاء الانتخابات بانسحاب جميع المرشحين فيها.
3ـــــ أن يصدر مجلس شورى الدولة قراراً بإبطال هذه الانتخابات برمّتها.
وكان عون قد رفع سقف التحدي بإعلان المضي في خوض انتخابات المتن الشمالي الذي «سيكون مجلس الشورى الشعبي الذي سنطعن فيه بقرارات مجلس الشورى الذي أصبح أداة في يد الحكومة». ولكنه ترك الباب موارباً بالقول إنه مستعد لإعادة النظر في موقفه «عندما يتم إصلاح الموقف السياسي وتكون هناك شجاعة والتزام». وأضاف ان «أي تسوية يجب أن تصحّح الوضع الدستوري»، وبدون ذلك «تصبح صعبة جداً وربما مستحيلة». وقال: «نحن اليوم محكومون من شبكة مافيوية»، وأضاف: «في المتن الشمالي سيُكسر التعسف الحكومي، ستسقط الحكومة اللاشرعية، سيقهر المال السياسي، وسيكون الموقع الرائد في تحرير لبنان من الأمراض الباقية في المجتمع اللبناني».
وفيما كان عون يشدد أمام زواره على أن تأخذ اللعبة الديموقراطية مجراها في انتخابات المتن، تلاقى معه في الموقف نفسه السفير الأميركي جيفري فيلتمان الذي خرج من اجتماع عقده مع رئيس أساقفة بيروت للموارنة المطران بولس مطر ليقول: «يجب على اللعبة الديموقراطية أن تأخذ مجراها والانتخابات هي تجسيد لهذه الديموقراطية، لذلك نأمل أن تكون معركة ديموقراطية لا معركة من نوع آخر».
وكان المطارنة رولان أبو جودة ومطر وسمير مظلوم، قد زاروا عون موفدين من البطريرك صفير. وذكر أبو جودة بعد اللقاء أن الزيارة تأتي في إطار المساعي لتجنب «الشجار أو أي معركة»، مشيراً الى أن المبادرة لا تزال في إطار «عرض الحلول». وأضاف «نحن نعمل ونصلي في الوقت نفسه». وأعلن عن «بشائر أمل»، ملمحاً الى أن «مجلس الشورى من الحلول المقترحة التي يتحدثون بها».
وانتقد بطريقة غير مباشرة التخوف من الاستحقاق المقبل، قائلاً: «للأسف ان الديموقراطية في لبنان لا تمارس كما يجب. وعندما يكون هناك اثنان يخوضان المعركة الانتخابية، تصدر أصوات تطالب بمصالحتهما، بمعنى أنه يجب أن يكون هناك واحد فقط، لماذا واحد فقط؟ أين الاختيار وأين الديموقراطية؟ لنتكلم بالمشبرح».
وانتقل المطارنة الى بكفيا حيث التقوا الجميل، ونقل أبو جودة عنه استعداده للتجاوب مع رغبة صفير وأنه وضع ترشيحه وشخصه وإمكاناته في تصرفه. وذكر أن الوفد كان قد خرج من عند عون «بانطباع أكثر إيجابية مما سمعنا في المؤتمر الصحافي الذي عقده (كلمة عون أمام الوفد الشعبي). وأبدى تخوفه من صدامات «قوية» بين الشعب إذا حصلت الانتخابات، وقال إن من سيرفض التوافق «سيفشل المهمة ويتحمّل النتائج».
وقال الجميل في حديث الى فضائية «العربية»: «كنا فضلنا التفاهم على تفادي هذه المعركة، لكن بما أنها قائمة فلا بد من خوضها بأفضل الحالات، وأتى ترشيحي في هذا الاطار». ورداً على سؤال قال: «لا أزال أريد التوافق وتبقى يدي ممدودة وقلبي مفتوح له، وهناك أكثر من ساع يحاول الوصول الى نتيجة، ولكن في الوقت نفسه نحن نستعد للاستحقاق الانتخابي بكل قوة وإيمان وتصميم وبدعم من القيادات الوطنية».