كوشــنير إلى القاهــرة في محاولــة لتوحيــد المســعيين الفــرنسي والعــربي
على رغم احتفاء وزير الخارجية الفرنسي برنار كوشنير بالصور التي التقطت لأقطاب الصف الأول متجمّعين حوله في قصر الصنوبر، بدا أن هذه الصور هي «الإنجاز» الوحيد لمحادثات رئيس الدبلوماسية الفرنسية، الذي أكد أن قادة هذا الصف، الذين غاب منهم الرئيسان نبيه بري وفؤاد السنيورة والأمين العام لـ«حزب الله» السيد حسن نصر الله لأسباب أمنية، «تخاطبوا كما تخاطب مسؤولو الصف الثاني في سان كلو... وهذه هي المرحلة الجديدة التي اجتزناها»!
ورغم محاولته إضفاء مسحة من التفاؤل على نتيجة محادثاته في بيروت، بدا أن الإيجابيات والأجواء المشجعة التي ظهرت في باريس تبدّدت، وطغت على المشهد السياسي عودة السجالات الساخنة والحادة بين «حزب الله» والحكومة وارتفاع حدة «القصف الكلامي» المتبادل على «جبهة» المتن الشمالي. وقد أكد العماد ميشال عون في هذا السياق لـ«الأخبار» أنه لا يرى «فرصاً للتوافق لأننا على طرفي نقيض من مشروعين سياسيين متعارضين»، وأن «الحل الوحيد قانوني ويكون من خلال مجلس شورى الدولة، ولكن لجهة إبطال المرسوم لعدم دستوريته ولأن رئيس الجمهورية لم يوقعه، والإصدار لم يحصل وفق الأصول القانونية. والمشكلة في المرسوم لا في الانتخاب الفرعي، وهذا ينطبق على الدائرة الثانية من بيروت والمتن، والإبطال يجب أن يأخذ في الاعتبار وحدة المرسوم لأن دعوة الهيئات الناخبة صدرت بمرسوم واحد».
كوشنير
«ولأن هناك جزءاً كبيراً من مصير لبنان، يتم تقريره خارج لبنان أي في الدول المجاورة، ولا سيما سوريا وإيران»، غادر كوشنير الى القاهرة في محاولة لتوحيد المسعيين الفرنسي والعربي، بعدما اصطدمت مساعيه بالحواجز نفسها التي اصطدمت بها المبادرة العربية، أي بالأولويتين المتعارضتين المتصلتين بعقدتي الحكومة والرئاسة، برغم محاولته الموازاة بين مطالب الفريقين مقترحاً سلة واحدة تبدأ بحكومة وحدة وطنية يليها إنجاز الاستحقاق الرئاسي، مع إعطاء ضمانات متبادلة مستقلة لكل استحقاق على حدة.
وحذر كوشنير قبل مغادرته بيروت من «تجدد الحرب» إذا لم يتوافق الفرقاء على معاودة الحوار، مبدياً رغم ذلك تفاؤله بإمكان تحقيق تقدم، مؤكداً أنه «غير فاقد الأمل»، وأن «هناك مجالات يمكن الوصول فيها الى توافق».
وقالت مصادر واكبت محادثات كوشنير لـ«الأخبار» إن «الخوف من الأسوأ سيطر على كل أحاديثه مع كل الذين التقاهم في بيروت، وإن تحذيره من دخول لبنان في حرب أهلية إنما ينطلق من الخوف والقلق الشديدين اللذين تعيشهما الإدارة الفرنسية بكل مستوياتها».
وأضافت أن الوزير الفرنسي سمع من بعض القيادات تشجيعاً على توسيع دائرة عمله عربياً وإقليمياً ودولياً، فرد مؤكداً أن لقاءاته مع نظيريه المصري أحمد أبو الغيط والسعودي سعود الفيصل والأمين العام لجامعة الدول العربية عمرو موسى يندرج في إطار ذلك، مشيراً إلى أن اتصالاته ستشمل سوريا وإيران والولايات المتحدة.
وقالت مصادر المعارضة إن ممثليها شددوا خلال المحادثات مع كوشنير في قصر الصنوبر على جملة مسلّمات لا تراجع عنها وهي:
ـــــ رفض أي محاولة لإعادة النظر بآلية تأليف حكومة الوحدة الوطنية لجهة حجم تمثيل المعارضة فيها، وإن البحث في هذه النقطة يجب أن يستكمل من حيث انتهت إليه محادثات موسى.
ـــــ رفض أي آلية للربط بين تأليف حكومة الوحدة والانتخابات الرئاسية وان خريطة الطريق يجب أن تكون كالآتي: تؤلف حكومة الوحدة الوطنية بالتوازي مع ضمانات متبادلة بين الموالاة والمعارضة، ثم يبدأ الحوار فوراً حول انتخابات رئاسة الجمهورية كملف له ضمانات متبادلة من دون الربط بين الملفين.
وفي العاصمة المصرية أعلن الوزير الفرنسي أن «لبنان صعب ومعقد، ولتعرضه لتأثيرات خارجية، أصبح إحدى أصعب المشاكل في العالم». ودعا إثر لقائه أبو الغيط «الى ممارسة الضغط على سوريا وإيران (...) بمعنى أن على سوريا وإيران ألا تمارسا نفوذاً يمكن أن يؤدّي الى حرب». ومن المقرر أن يلتقي كوشنير في القاهرة وزير الخارجية السعودي والامين العام لجامعة الدول العربية الذي أشار أمس الى إمكان تنسيق الجهود العربية والفرنسية لحل الأزمة اللبنانية، «ولكن المهم في حلها هو الموقف اللبناني ومواقف الدول الأخرى المؤثرة في الوضع اللبناني». وقال «إن الخلاصة التي توصل إليها كوشنير بصعوبة عقد اجتماع للأطراف اللبنانية على مستوى القيادات شعرنا بها نحن منذ أكثر من شهر». وكشف عن وجود «مبادرة عربية مفصلة في شأن لبنان فيها موضوعات وخطوات وأجندة وهناك بلورة لخطة عربية مطروحة في هذا الموضوع». وأشار إلى أنه قام بجهد لبلورة مواقف ونقاط رئيسية تتعلق بالحوار بين أطراف النزاع في حال اجتماعها.
وتزامنت مغادرة كوشنير مع وصول وزير الخارجية الإسباني ميغيل أنخيل موراتينوس الذي أعلن أن بلاده ستحاول المساعدة على الحل في لبنان، مؤكداً ضرورة معاودة الحوار بين الاطراف للوصول إلى حكومة اتحاد وطني ومصالحة وطنية. والتقى موراتينوس رئيس الحكومة فؤاد السنيورة بحضور وزير الخارجية بالوكالة طارق متري، وعقد ومتري مؤتمراً صحافياً أكد فيه «أن لبنان يتحمّل مسؤولياته في هذه الفترة التاريخية وعلى أصدقائه أن يقفوا إلى جانبه، إلى جانب السلطة والحكومة اللبنانية والشعب اللبناني لتقديم الدعم الضروري للوصول إلى الحوار ومستقبل استقرار وأمن لكل الشعب في لبنان والمنطقة» آملاً «أن نتمكن معاً من اجتياز التحديات التي تواجه لبنان». وأعلن أنه سيزور دمشق، مشيراً إلى أن «هناك مسألة طارئة إزاء جدية الوضع الذي يواجهه الشرق الأوسط ويستحق ذلك مساهمة إيجابية من جميع الأفرقاء للوصول إلى الاستقرار والسلام في المنطقة».
وعن تحذير وزير الخارجية الفرنسي من الحرب قال: «أعتقد أن هذا تعبير فُسّر أو تُرجم خارج نطاقه. نحن هنا لحل الأزمة اللبنانية. يجب عدم التحدث عن الحروب الآتية بل السلام الآتي».
وزار موراتينوس رئيس كتلة «المستقبل» النائب سعد الحريري ووصف موراتينوس اللقاء بأنه «كان إيجابياً ومثمراً جداً».
انتخابات المتن
وبينما تخطو انتخابات المتن نحو مواجهة حادة، على وقع سجال سياسي حاد بين الرئيس أمين الجميل والتيار الوطني الحر، سبّب بعض الإشكالات الأمنية مساءً في برمانا وبعبدات وتم تطويقها سريعاً، أكد عون لـ«الأخبار» أن «الحل الوحيد قانوني ويكون من خلال مجلس شورى الدولة، ولكن لجهة إبطال المرسوم لعدم دستوريته ولأن رئيس الجمهورية لم يوقعه، والإصدار لم يحصل وفق الأصول القانونية. المشكلة في المرسوم لا في الإنتخاب الفرعي، وهذا ينطبق على الدائرة الثانية من بيروت والمتن، والإبطال يجب أن يأخذ في الاعتبار وحدة المرسوم لأن دعوة الهيئات الناخبة صدرت بمرسوم واحد. لا بد من إلغاء المرسوم لتفادي تسجيل سابقة التعرّض لصلاحيات رئيس الجمهورية وانتهاكها. لست مرجعاً قانونياً، بل نائب، ولي صفتي النيابية التي تجعلني أكون مع تفسير الدستور بما يحتويه، وليس بما لا يحتويه».
ورأى أن هذا الحل مخرج من شأنه أن «يوقف محاولات الاغتيال المعنوي التي نتعرّض لها». وأضاف: «إذا خسر مرشح التيار الوطني الحرّ يطعن في الانتخاب الفرعي، وإذا نجح فمغزى ذلك أن الشعب وقف إلى جانبي في الهدف من الترشّح وهو رفض التجاوزات والانتهاكات الدستورية والقانونية التي تقوم بها الحكومة، وخصوصاً حيال ما يتصل بصلاحيات رئيس الجمهورية كالمواد 49 و52 و53 وسواها، وكذلك عمل الحكومة على إلغاء دور المؤسسات الدستورية. لا أرى فرصاً للتوافق لأننا على طرفي نقيض من مشروعين سياسيين متعارضين. ولا أخوض انتخاباً فرعياً من أجل مقعد، وإنما لتفادي تثبيت أعراف في ممارسات دستورية أنكرتها أحكام الدستور». وأكد أن «المعركة ليست شخصية ولكنها من ضمن نهج سياسي واحترام كل الأصول الديموقراطية. إنهم يفتشون عن رئيس هزيل، ويرون أنني لست خاضعاً للسيطرة عليّ».
ولوحظ أمس موقف لافت للبطريرك الماروني نصر الله صفير الذي قال في عظة الأحد «إن ما يجري في منطقتي بيروت والمتن من استعدادات للانتخابات على اثر مأساتين أودتا بحياة نائبين بارزين في أساسه سليم في الظروف العادية. ولكن اللبنانيين تعودوا في مثل هذه الاحوال، وخصوصاً المأساوية، أن يغلبوا العاطفة الانسانية على الحقوق المشروعة، ويتعالوا على المنافسة الشخصية، والاعتبارات الفئوية، ليتركوا مجالاً للتراحم والمحبة، وخصوصاً إذا كان من غاب ذهب ضحية اغتيال مستنكر».