القاهرة ــ الأخبار
فشل وزراء الخارجية العرب أمس في الخروج بموقف موحّد من الدعوة الأميركية إلى مؤتمر دولي للسلام، التي كانت السبب المباشر في مقاطعة وزير الخارجية السوري وليد المعلم للاجتماع، وانسحاب مندوبها لدى الجامعة العربية يوسف أحمد، بعد مشادة مع رئيس الحكومة الفلسطينية المكلف سلام فياض، الذي رفض أي صيغة تساوي بين «فتح» و«حماس» في الأزمة الداخلية.
وبرّرت دمشق معارضتها للدعوة الأميركية بأنها تأتي في ظل انقسام فلسطيني لا يحظى بالاهتمام العربي. وفسّرت مصادر عربية لـ«الأخبار» مقاطعة المعلم وانسحاب أحمد بأنهما «أعنف تعبير عن الغضب السوري» على «تجاهل وضع سوريا في المفاوضات التي يتم الإعداد لها بين العرب وإسرائيل واستشعار من سوريا بأنها ستكون وحيدة في اجتماع يعيد طبخ القضايا العربية على نار جديدة».
وكان أحمد قد انسحب فور إنهاء كلمته أمام المجلس الوزاري، والتي احتج فيها على الموقف العربي من الضغوط العنيفة على بلاده في المرحلة الاخيرة متسائلاً «أين دور العرب؟». واستهجن، في الكلمة نفسها، «الطريقة التي تتم بها مناقشة الموضوع الفلسطيني»، مشيراً إلى أن «الترويج لمشروعات سلام جديدة هو نوع من أوهام جديدة وسوريا لا ترى فائدة من أي محاولة لإقناع اسرائيل بقبول ما اعتادت رفضه طوال تاريخها».
وأعلن أحمد تحفّظ بلاده على مشروع الرئيس الاميركي، مشيراً إلى أن «إسرائيل تريد القفز على المصالح والحقوق العربية قبل أن تمنح العرب أي شيء». ورأى أن التئام مثل هذا المؤتمر قبل إتمام المصالحة الوطنية الفلسطينية من شأنه «تصفية القضية الفلسطينية».
وروت مصادر دبلوماسية أن المندوب السوري شعر بأنه لم يكن هناك من يؤيده، رغم أنه كان يتزعّم الغاضبين من كلام سلام فياض، الذي أكد خلال الاجتماع في القاهرة أمس أن «فلسطين قضية فلسطينية أولاً، وعلى العرب أن يلتزموا بالرأي الفلسطيني»، رافضاً أي «صياغات للخروج بقرار معتدل يتضمن الاشارة الى كل من حماس وفتح باعتبارهما فصيلين متكافئين».
وأعلن وزير الخارجية المصري احمد ابو الغيط، بحسب المصادر نفسها، عن تأييده لكلام فياض على قاعدة «اتركوا فلسطين للفلسطينيين». وهو ما اعترض عليه الأمين العام لجامعة الدول العربية عمرو موسى، الذى انفعل وبدا محتداً وهو يقول «أرفض هذا الكلام جملة وتفصيلاً. القضية الفلسطينية هي قضية عربية ومركزية لا تخص الفلسطينيين وحدهم». وأضاف موسى «أنا شخصياً، كغيري من ملايين العرب، قدمنا تضحيات مهمة في هذه القضية ولا يصح الآن أن نتراجع عما أصبح تاريخياً».
وتحدث موسى، بحسب هذه المصادر، عن أن «استئصال طرف لطرف آخر»، في إشارة إلى مساعي «فتح» إبعاد «حماس»، هو «أمر محكوم عليه بالفشل ويضر بصيغة التعايش بين الفلسطينيين مثلما يسيء الى نضالهم وكفاحهم».
وفي ظل هذه الأجواء المتشنجة، نقل أحمد أبو الغيط ونظيره الأردني عبد الإله الخطيب للوزراء العرب حصيلة زيارتهما إلى إسرائيل، فأشارا إلى أن هناك «نقلة نوعية في مستوى التفكير الاسرائيلي حيال مبادرة السلام العربية». وقالا «إنهما سمعا خلال زيارتهما الاخيرة لإسرائيل عن رغبة الاسرائيليين في اجراء محاورات جادة حول المبادرة».
ورأت مصادر عربية في كلام أبو الغيط والخطيب وفياض إشارات إلى «الطبخة الجديدة»، معربة عن تعجبها من اختيار السعودية موقف المتفرج.
ورغم التحفّظ السوري على الدعوة الأميركية، خرج بيان وزراء الخارجية العرب مرحّباً بعقد مؤتمر دولي للسلام في الشرق الاوسط «في حضور الاطراف المعنية بعملية السلام كافة وفقاً للمرجعيات المتفق عليها بهدف اطلاق المفاوضات المباشرة على جميع المسارات والبناء على ما تم إنجازه في هذا الشأن».
وأشار الوزراء، في بيانهم، إلى ضرورة «الحرص على المقاربة الشاملة لعملية السلام». وشددوا على ضرورة وضع «إطار زمني محدد لإنهاء تلك المفاوضات دليلاً على جدية العمل نحو تحقيق السلام».
وأعلن الوزراء «ترحيبهم بالعناصر الإيجابية التي تضمّنها خطاب الرئيس (الاميركي جورج) بوش وخاصة في شأن الالتزام بحل الدولتين وقيام الدولة الفلسطينية المستقلة».
وتعليقاً على الموقف السوري، قال موسى، في مؤتمر صحافي، إن القرار الصادر عن الوزراء العرب «يرحّب بالجوانب الايجابية التي تضمنها خطاب الرئيس بوش وتم تحديد هذه الجوانب التي يؤيدها المجلس، وما دمنا نحدد العناصر الايجابية التي نتفق عليها» فهذا يعني أن الترحيب مقصور عليها.
غير أن موسى أوضح أن الموقف العربي من اقتراح بوش «يعتمد على كثير من النقاط التي تتطلب إيضاحاً والمتعلقة بالمشاركين فيه والهدف منه وأجندته». وقال «المطروح هو النزاع العربي ـــــ الاسرائيلي، وتسويته تعني أن كل الاطراف يجب أن تكون موجودة، وسوريا لها ارض محتلة ولا يمكن أن يكتمل السلام» من دون انسحاب من الاراضي السورية المحتلة.
ولم يتطرق الوزراء العرب الى الأزمة اللبنانية، رغم ان وزير الخارجية السعودي سعود الفيصل كان قد اعرب عن أمله، خلال لقاء وزير الخارجية الفرنسي برنار كوشنير مساء الاحد، أن يتم التشاور بشأنها. وقال إن لبنان «يمر بفترة عصيبة تهدد كيان الدولة كله».