عون يرفض «إضافة مقعد في قريطم» وبرّي يبدأ في 20 الجاري تحرّكاً تحضيريّاً للاستحقاق الرئاسي
كلام النهار محاه الليل. فبعد الإعلان مساءً عن موافقة ولو مبدئية على مبادرة البطريركية المارونية لتأجيل انتخابات المتن، عاد الرئيس أمين الجميّل وأبلغ المعنيين ليلاً برفض المبادرة.
وكان المطران بولس مطر قد حمل أمس مبادرة خطية للبطريرك الماروني نصر الله صفير إلى الرئيس أمين الجميّل، فيما تولّى النائب إبراهيم كنعان (الذي زار الديمان مرّتين) نقلها إلى رئيس تكتّل التغيير والإصلاح النائب العماد ميشال عون. وينتظر أن يعكس الموقف الذي سيعلنه مجلس المطارنة من الديمان في اجتماعه الشهري اليوم، مصير هذه المبادرة البطريركية.
وحسب المعلومات التي توافرت لـ«الأخبار» مساء أمس، فإنّ مبادرة صفير تتضمّن ثلاثة بنود، أوّلها انسحاب جميع المرشّحين من الانتخابات لتصبح لاغية، وثانيها أن تجرى هذه الانتخابات بعد توافر ظروف لإجرائها بموجب مرسوم يحمل توقيع رئيس الجمهورية، وثالثها عقد لقاء بين الجميّل وعون في الديمان برعاية البطريرك.
وقالت مصادر «التيار الوطني الحر» لـ«الأخبار» إنّ عون وافق على مبادرة صفير، فيما لم يوافق الجميّل عليها خلافاً لما كان قد أعلنه قبل يومين من أنّه أعطى البطريركية المارونية «وكالة غير قابلة للعزل».
وشهد الديمان بعد ظهر أمس حركة اتصالات حول الانتخابات الفرعية في المتن حيث نقل كنعان الى صفير موافقة عون على المبادرة البطريركية وقال انها «تلقى التأييد الكامل لدى العماد عون ونتمنى على الطرف الاخر التجاوب لتصل الامور الى النتائج المرجوة... ونحن في كل الاحوال نعمل تحت سقف الكنيسة». واضاف ان هذه المبادرة موجهة لطرفي معركة الانتخاب الفرعي في المتن، وان عون اتخذ «موقفاً ايجابيا» منها، ورأى فيها «الحقوق المشروعة المطلوبة». واذ تكتم كنعان على تفاصيلها قال انها «متكاملة» وفيها «مقاربة موضوعية وشاملة للموضوع»، ملمحا الى إمكان انعقاد لقاء بين الجميّل وعون يتخلّله غداء.
وفي المقابل، أبلغ المطران مطر صفير عبر اتصال هاتفي نتائج لقائه مع الجميل «وخلاصتها موافقة مبدئية على مضمون مطلب البطريرك والتريّث حول بعض التفاصيل».
وعلمت «الأخبار» ليلاً أنّ الجميّل أبلغ المعنيّين رفضه المبادرة بعدما استشار حلفاءه في 14 آذار الذين شجّعوه على المضيّ في المعركة حتّى النهاية. وقالت مصادر معنية إنّ من أسباب الرفض اعتراضه على عبارة وردت في أحد بنود المبادرة تقول «محافظةً على صلاحيات رئيس الجمهورية»، إذ اعتبر أنّها بمثابة ثمن سياسي سيدفعه لمصلحة عون. وعُلم أيضاً أنّ الجميّل استند في رفضه إلى إحصاء أجرته إحدى المؤسسات أظهر تقدّمه بنسبة 56% على منافسه كميل خوري.
وقال الجميل لـ«الأخبار» إن المعركة فرضت عليه، وهو لا يريدها: «لا أحد يريد هذه المعركة. هناك بعض أركان العماد عون يأتون إلى بكفيا ويبلغونني أنهم لا يريدون هذه المعركة ويطلبون مساعدتي كي يخرج الجميع منها. النائب ميشال المر يقول إنه لا يريدها، وكذلك الأرمن وحزب الطاشناق. الرأي العام المتني قرفان منها ولا يريدها. مَن يريد هذه المعركة إذن؟ لا أعرف. دخل الخلاف إلى البيوت والعائلات. وهذا أخطر ما قد يتعرّض له المتنيون. بالتأكيد ما يحصل أو سيحصل، وخصوصاً بعد انتخابات الأحد، سيترك جرحاً كبيراً، وأخشى أن يكون ختمه أصعب من قدراتنا. بعض ما قيل فيه إهانة من الصعب تجاوزها».
وأضاف الجميل: «نعم نحن ذاهبون إلى معركة. لا بل نحن في قلب المعركة. أفاجأ الآن بتعاطف كبير من أناس كانوا أخصامنا السياسيين وأصبحوا في صفنا. أنا مطمئن إلى فوزي في الانتخاب الفرعي مع أنه ليس لأحد أن ينام على حرير ما لديه. في حصيلة الأصداء التي لمستها في الأيام الأخيرة هناك تغيير جذري في المتن وتبدّل لافت في القرى والبلدات ولدى المتنيين الذين صاروا أقرب إليّ. وهو تعاطف لم ألمسه قبلاً». وقال: «لا أعرف مَن يريد معركة المتن. هي معركة انتخابية لا تقدم ولا تؤخر في توازنات مجلس النواب. لا هي معركة مشروع قوى 14 آذار ولا معركة مشروع قوى 8 آذار. بل أراها معركة متنية فحسب، لا تحتاج إلى كل ما يحصل من حولها الآن. أنا أخشى أن تكون المعركة مفروضة علينا جميعاً كي تكون ضمن سلسلة نقل القلاقل والاضطرابات من منطقة إلى أخرى مثل التفجيرات والاغتيالات. هناك دم شهيد على الأرض، وأخشى وجود طابور خامس يصطاد في المياه العكرة». ورأى الجميل أن موقف البطريرك «يعبّر عن مشاعر الناس، وبكركي تنطق بمشاعر الناس. ليست مع فريق سياسي ضد آخر، بل تعبّر عما يعتمل في قلوب المواطنين وأخصهم المسيحيين، وتكشف مشاعرهم وأحاسيسهم ونزعاتهم. وهذا ما أراد البطريرك قوله حيال دعم ترشيحي لمقعد المتن».
«الرقم ثلاثون»
وفي المقابل كان عون يخاطب كوادر التيار الوطني الحر في لقاء حاشد في ضبية قائلاً إن انتخابات المتن «ليست كأي انتخابات، لأنها تحاول ضرب آخر معقل معاندة للديكتاتورية الحديثة. معقل الممانعة لإسقاط رئاسة الجمهورية بمضمونها القانوني والدستوري والوجودي. إنها معركة جمعت كل مقوّمات النجاح لضرب الممانعة والرفض وإخضاع الجميع للمقاييس ذاتها وإضافة مقعد في قريطم». وأضاف: نريد معركة انتخابية لا معركة عصي كما ظهرت على الطرق منذ يومين (...)، هناك قوى أمنية وقوى جيش موجودة ومسموح للجميع بأن يفعل ما يشاء من دعايات انتخابية، ولكن أن يسكر الطريق في وجهنا، فعلى القوى الامنية أن تقوم بواجبها، والذي سيمد يده علينا سنكسرها». وقال إن «من يريد أن يدافع عن المسيحيين كان قد اتفق وصاغ تفاهماً مع زميله وليد جنبلاط وردّ المهجرين الى الجبل. نحن صغنا تفاهماً مع «حزب الله» على المستوى الشعبي ومستوى القاعدة حتى يعيش الناس بسلام في ما بينهم، وظهر أنه سلام ثابت وفيه صدق ومحبة. نريد أن نجد ذرة واحدة منه في الجبل». وختم: «معركتنا ليست ضد أشخاص بل ضد الخوف والشك والإغراء، أموال كثيرة تُدفع، وعلينا التغلب على الرقم ثلاثين. تذكروا أن مأساة المسيحيين بدأت بثلاثين من الفضة، وعلينا أن نتغلب على هذا الرقم».
وعلم ليلاً أن قائد الجيش العماد ميشال سليمان جال على حواجز الجيش في منطقة المتن الشمالي بعدما عزز الجيش انتشاره فيها بأكثر من لواء، وأصدر تعليمات الى العسكريين بقمع «أي إشكال من أي جهة أتى، وأي محاولة للقيام بتجاوزات تهدد الاستقرار».
الأزمة الحكومية
وعلى صعيد الأزمة السائدة بين الموالاة والمعارضة، تراجع أمس الكلام عن المبادرات، في الوقت الذي أعلن فيه وزير الخارجية الفرنسي برنار كوشنير من باريس أنه يريد مواصلة جهوده لحل الأزمة اللبنانية، محذراً في الوقت نفسه من أنه «لا نجاح مضموناً في هذا المجال». وقال كوشنير إثر جلسة استماع في الجمعية الوطنية الفرنسية، في إشارة الى الانتخابات الرئاسية اللبنانية التي تبدأ مهلتها الدستورية ابتداءً من 23 أيلول المقبل إن «الوقت يضيق أمامنا ولا بد من الاستعجال إذا أردنا أن نكون مفيدين». وأضاف: «لا بد من التمسك بأن يحصل تفاهم الحد الادنى بين المجموعات داخل لبنان» للخروج من الأزمة «وإن كان حجم التأثيرات الخارجية، وأتحدث بالطبع عن سوريا وإيران، كبيراً جداً».
وفي غضون ذلك، حمّل رئيس مجلس النواب نبيه بري بعض أقطاب الموالاة مسؤولية تعطيل المبادرات، وكان آخرها المبادرة الفرنسية. وهذا ما ظهر في موقف رئيس «اللقاء الديموقراطي» النائب وليد جنبلاط الذي رفض إعطاء الثلث المعطّل، ورئيس كتلة «المستقبل» الذي وصف حكومة الرئيس فؤاد السنيورة بأنها «خط أحمر».
وأكد برّي أمام زواره أنه سيحترم المهل الدستورية وقد حدّد جلسة الانتخابات الرئاسية في 25 أيلول، وسيبدأ بعد العشرين من الشهر الجاري بتحرك في كل الاتجاهات ضماناً لإنجاز هذا الاستحقاق في موعده على أساس التوافق وبنصاب الثلثين لجلسة الانتخاب. وأكد أن المعارضة حتى لو امتلكت أكثرية النصف زائداً واحداً فإن موقفه لن يتغيّر، وهو أن جلسة انتخاب الرئيس ينبغي أن تُعقد بنصاب الثلثين.
ونقل زوّار برّي عنه قوله إنّ وزير خارجية إسبانيا أبلغه ارتياح الوزير كوشنير الذي قابله في المطار إلى المرونة التي أبداها وإلى الضمانات التي قدمها بشكل منصف لطرفي الموالاة والمعارضة، في ما يتعلّق بحكومة الوحدة الوطنية وعدم استقالة الوزراء، واعتبار حكومة الشراكة الوطنية عاملاً مسهّلاً للوصول إلى توافق على موضوع رئاسة الجمهورية.
ورأى بري «أن هناك مكونات داخلية للأزمة الحالية لا يمكن تجاوزها ولا علاقة لسوريا أو لإيران بها، فهي خاضعة لحوارات في الداخل». ورأى «أن فريق الموالاة يريد الاستئثار بالحكم ولا يريد حلولاً، وخصوصاً بعدما عادت نغمة 19 + 10 + 1 التي تخطيناها منذ فترة طويلة مع الأمين العام لجامعة الدول العربية عمرو موسى والسفير السعودي عبد العزيز خوجة».
الحريري
وفي المقابل رد رئيس كتلة «المستقبل» النائب سعد الحريري خلال لقاء انتخابي مع وفد من أهالي بيروت على بري فقال: «لقد أظهرنا باستمرار تجاوباً وحسن نية في التعاطي مع الجهود العربية والدولية المبذولة لحل الأزمة اللبنانية. وكما تعاطينا بكل انفتاح وإيجابية مع مسعى الأمين العام للجامعة العربية عمرو موسى، أبدينا كل ترحيب وتعاون مع المسعى الفرنسي الاخير، لأننا نؤمن بالحوار سبيلاً لحل كل المسائل والقضايا الخلافية ويدنا لا تزال ممدودة». وأضاف: «لقد تجاوبنا مع مسعى تشكيل حكومة وحدة وطنية ضمن ما تطالب به المعارضة مع إصرارنا على ضرورة الالتزام بإجراء الاستحقاق الرئاسي في موعده الدستوري، ولكن يبدو أن هناك نوايا مبيتة لمنع إجراء هذا الاستحقاق لدى البعض».